لغة وأدب : مستويات الدرس اللغوي العربي ووظيفة تحليل النصوص


الموضوع وأهميته

تهدف صيغة هذا الموضوع إلى تبيين أهمية كل مستويات الدرس اللغوي العربي موظفة توظيفا لائقا، كل مستوى بالقدر المطلوب، حين انتاج رسالة ناجحة (فصيحة بليغة)  تحقيقا لوظيفة اللغة التي هي أولى أدوات التواصل بين أفراد المجتمع.

ويمكن أن نجمل الاشكال الذي يطرحه هذا الموضوع في توظيف كل مستويات الدرس اللغوي العربي متضافرة على تحقيق رسالة ناجحة، أو اكتساب منهج لغوي وظيفي شامل لتحليل النصوص. وبعبارة أدق؛ إذا كانت مستويات الدرس اللغوي العربي تدرس في الغالب لذاتها، فإن هذه المحاولة تسعى لجعلها وظيفية ما أمكن منذ البداية.

صلتي بالموضوع

إن هذا الموضوع امتداد لفكرة مضى عليها أكثرُ من عقد من الزمن، بل هو عبارة عن نماذج تطبيقية لتلك الفكرة التي تعنى العمل على بناء منهج لغوي شامل لتحليل النصوص، مع مراعاة طبيعة كل نص النابعةِ من مصدره الذي يحدد مجاله، ومستواه الخِطابي، ذلك أن النص قد يكون بسيط العبارة قريب الهدف، لا يكلف كثيراً في الكشف عن مضامينه، وقد يكون متين البناء، بعيد الهدف منغلقاً فهمه إلى حد الاعجاز، وقد يكون بين هذا وذاك. ولذا تختلف مناهج التحليل باختلاف مجالات النصوص ومستوياتها، فقد يكون النص شرعيا، الهدف من تحليله استخراج الأحكام، أو تطبيقُها، وقد يكون قانونيا، الغاية منه تفسيرُ القواعد لأجل تطبيقها، وقد يكون أدبيا يرمي إلى الفهم والتذوق، أو تاريخيا يروم الكشف عن حوادث واقعة أو فترة زمنية مّا. ولكل نوع من هذه الأنواع طبقاته أو أجناسه، أو أنواعه، لذا يصعب اختيار نص نموذج جامع مانع يتمثل فيه المنهج النموذج المراد في التحليل، ويبقى القاسم المشترك بين هذه الأنواع جميعا في التحليل هو توظيف اللغة إلى أقصى حد ممكن، إذ هي أس أي منهج تحليلٍ ومفتاحُه، إذا أريد لذلك المنهج أن يرفع بحق موانع الادراك والفهمِ عن النص المحلل، ويتم التواصل به في مجاله بين أفراد أية مجموعة بشرية تتخذ اللسان العربي أداة للتواصل بين أفرادها، وأسلوبا للتعبير عن أغراضها…

وهذا الأمر يستوجب ضبط الأدوات اللغوية التي تعتبر قاسما مشتركا بين جميع محللي النصوص، وتصنيفها حسب مجالاتها أولا، ثم ترتيبُ كل نوع حسب تفاوته الدلالي على شكل سلمية ثانيا، قبل الاهتمام بمعالم أي منهج تحليلي ذي خصوصية مّا. كل ذلك قصد إنشاء ما يمكن أن يصطلح عليه بعلم النص (بالألف واللام) مادامت حياة الأمة متوقّفة أساسا على النص إيمانا وشريعة، ومنهج حياة.

لذا ضمّنتُ  المقدمة معالم ونماذج لأنواع من النصوص المختلفة المصادر المتنوعة المجالات، مع إبراز أهمية اللغة بالنسبة لكل نوع دون الخوض في عملية النقد أو التقويم ما عدا ما تفرضه ضرورة التبيين والتوضيح أحيانا،والقصد الأكيد من هذا النوع من التحليل، هو التحكم المباشر في أية جزئية من جزئيات النص أثناء تحليله بصفة عامة، أو عندما يقتضي الأمرُ إبراز فكرة من أفكاره أو ترجيحها بصفة خاصة، وهذا ما يجسم صعوبة جمع المادة بهذا المنظور، وتبويبها، وتصنيفها، وترتيب وظائف بنيات كل مستوى على شكل سلمية حسب تفاوتها الدلالي، وللكشف عن المعاني المحتملة للبنيات الصرفية حذار من الوقوع في منزلق السياق أحيانا. وهذا يعني ضبط وظائف الحروف المعجمية، والجذور المجردة، وأشكالها الإملائية، فالبنيات المزيدة، والمشتقات الصرفية، ثم معاني الأدوات والمركبات الإسمية والفعلية، الأصلية والفرعية.

إن الوظائف الدلالية لكل البنيات المشار إليها، هي بين النصوص التي يراد تحليلها، فعلى أساس إدراك دلالتها، ومعرفة تفريعاتها وتضافر وظائفها، وخصوصيات البعض منها، تتضح للمحلل مضامين النصوص، أية نصوص، بحيث يستطيع عندذلك أن يحلل أي نص تحليلا لغويا إلى أجزائه الكبرى، ثم الجزئيات الصغرى، ثم الأصغر منها، ليصل إلى الفهم الدقيق المراد. إن سوء الفهم لإحدى البنيات فقط، قد يوقع في محظور، ويرمي بصاحبه في هوة ليس لها قرار. فإن كان فقيها مفتيا : حرم وهو يقصد أن يحلل، وإن كان قاضيا قسط وجار، وإن كان اجتماعيا قلب المفاهيم، وإن كان مؤرخا حرف الحقائق وزور التاريخ، وإن كان مصلحا اجتماعايا أفسد من حيث كان قصده الإصلاح. ذلك أن الكلمات رموزٌ للمعاني والأفكار، ومحضن للمفاهيم والقيم، التي منها الثوابت، ومنها المتغيرات، وعلى محلل النص أن يضع ذلك في حسابه، لأن أي خلل، أو نقص يشوب فهمه لهذه الكلمة أو تلك من بنى وحدات النص بسيطة أو مركبة، ينعكس على فهمه للنص المحلل.

ومما يحول دون الوصول إلى هذا الهدف بيسر وسهولة أمورُ منها :

أ- ما يتعلق بطبيعة المادة، من حيث جمعُ ما حددتُ وظائفه، وتيسر عند القدماء توظيفه، ثم الوقوف عند ما لا يزال في طور الصمم بالنسبة إلينا، وهو الذي لم تحدد وظائفه الدلالية لسبب ما، وتكمن صعوبة هذا النوع في الجمع والتصنيف ثم الاستنطاق.

ب- ما يتعلق بالإجراءات التي يمكن أن تتخذ بخصوص النص المحلل ليصير صالحا للتدارس، أو التي ينبغي اتباعها لأجل الوصول إلى الهدف المنشود من دلالة البنية المحددة، أو نوع النص المحلل. وهنا يبدو نوع من الصعوبات التي يقتضي تذليلها نوعا آخر من الدراسة، حيث يتعلق الأمر بالنص المدروس : مدى صحته، وسلامة بنياتِه، واستقرار مصطلحاته. وهذا يعني أن المحلل الوظيفي لا ينبغي أن يبدأ عمله لغويا إلا بعد أن يتأكد من سلامة النص تحقيقا، واستقامة بنيانه صياغة، وصحة النقل ترجمة، وتمام التعريف اصطلاحا، كل ذلك أمر في غاية الصعوبة بالنسبة للدارس الفرد.

يتطرق البحث إلى مراحل معالجة الإشكالات المطروحة في الأبواب الثلاثة وفصولها ومباحثها، لذا كان عنوان الباب الأول الأصوات المجردة في اللغة العربية ووظائفها الدلالية. وأعني بالأصوات المجردة هنا كلَّ مكونات النص اللغوي غير القرائن الحالية، وافترضت في الفصل الأول من هذا الباب وجود علاقة بين كل دال ومدلوله، وتتم هذه العلاقة بينهما مبدئيا إما عن طريق التناسب الصوتي أو المواضعة الاجتماعية، وقد حاولت بعد ذلك أن أبرهن على هذه العلاقة لتجاوز مرحلة البعضية أو التخميم والاعتباط لتصبح فكرة مسلمة كلما توفرت لها شروط، وفق المراحل التالية :

أ- نماذج من أقوال بعض اللغويين ممن يقولون بهذا الرأي صراحة أو استنتاجا.

ب- دراسة ميدانية أثبت فيها ثمانيةً وأربعين كلمة يتجلى فيها بوضوح علاقة الدال بالمدلول عن طريق التناسب اللفظي.

واتضح من خلال شرح دلالات هذه الكلمات أنها من الثوابت التي لا تنفك عنها حياة الأمة، فهي رغم قلتها تمثل مجموعة من المفاهيم التي تجدد علاقات الإنسان بمحيطه ومصيره.

حـ- حدَّدْتُ حقولاً دلالية مما يمس حياة الانسان بصفة عامة، وأحوال معيشته على شكل أبواب، وتمت محاولة التمثيل بأكبر قدر ممكن من الكلمات المناسبة لمعاني الحقل الدلالي المقصود، وفق العلاقات المشار إليها في الأمثلة السابقة بين الدال والمدلول.

د- وظفت لهذا الغرض من مستويات الدرس اللغوي العربي أشكالٌ من البنى الصرفية المجردة والصيغ الظرفية المزيدة، والدلالة المعجمية الخاصة وبعض العلاقات النحوية.

هـ- القول بمحورية الحرف في توجيه دلالة الكلمة، ولعل هذا أشمل ضابط تقول به هذه الدراسة، لأنه طبق على أوسع نطاق، إذ بدأت هذه الفكرة بسيطة في أمثلة محدودة ممّا يدل على الضعف والوهن عند ابن جني لتصبح بعد البحث والتقصي شاملة لتسع وخمسين ومأتيْ مثال من الجذور الثلاثية، كلها دالة على الضعف والوهن بالمفهوم الذي أورده ابن جني في تلك الأمثلة المحدودة العدد، وقد دعم هذا الاستقراء الناقص بتعاليق مفسِّرة ورسوم بيانية موضحة، أدت إلى نتيجة هي : أنه يمكن إصقال مادة معجم بكامله كلسان العرب لابن منظور في ثمانية وعشرين حقلا دلاليا عاما تتفرع عنها ستٌّ وخمسون وستمائة حقل التي هي مواد الفصول المتفرعة عن الأبواب. وفي هذه الفصول يضيق مجال دلالة الكلمة لتدل على المقصود بالضبط وهذا ما يحسم محورية الحرف في بناء دلالة الكلمة ويدعو إلى ضبط دلالات الحروف لأجل ضبط دلالات الكلمات. وهذا ما استلزم بدوره دراسة مقتضبة للحروف المعجمية حسب مخارجها وصفاتها وترتيبها في سلمية ذات إحدى عشرة درجة كما هي عند الخليل.

و- أما المستوى الصرفي فقد حظي بنصيب الأسد في هذه الدراسة حيث تم البدء فيه بأصل افتراضي عام هو (فْ عْ لْ) لتتدرج الدراسة تصاعديا إلى البنية الصرفية، فالصيغة التي تتبلور فيها الدلالة الكلية ثم الأوزان التي تُصنّف دلالات البنى الصرفية،حيث يمكن تأكيد علاقة الدال بالمدلول كما ورد في الباب الأول وذلك عن طريق ما يلي :

أ- ضبط مفهوم المثال : يراد تبسيط القول فيه، ومناقشةُ ما يحتمله من الإشكالات الاصطلاحية، أو الوظيفية كالفرق بين المصدر الكلي ومصدر الفعل..

ب- تصنيف دلالات الجذر الثلاثي وفق حركة عَيْنِه، ونظراً لكون حركة عين الجذر الثلاثي قيمةً خلافية تغير المعنى فقد سعت هذه الدراسة إلى إيجاد ضوابط عامة للنطق بحركة عين هذا النوع من الجذور أو ذاك. وذلك كمفهومي التعدية واللزوم الذي يضيق دائرة الاعتباط في هذا المجال بصفة عامة، وكما دل من الافعال على الداء، أو ما نُزّل منزلته، أو ما كان الفاعل فيه مستفيداً من فعله بالنسبة لفعل المكسور العين. أو ما دل على حسن، أو صغر أو كبر، أو قوة أو ضعف، أو رفعة أو ضعة. أو ما كان من الأفعال القلبية بالنسبة لفعل بضم العين. ويمكن اعتماد ضوابط النوعين المذكورين لمعرفةما يرد على وزن فعل المفتوح العين. بالاضافة إلى وجود أحرف معينة ذوات سمات خاصة في مواقع معينة من بنية الفعل الثلاثي، أو توفر قرائن معينة مستقاة من صفات أوائل أحرف بنى هذ الفعل.

وبعد عرض مجموعة من مشتقات الأبنية الثلاثية، وتحديدِ أهمية وظائفها الدلالية في تحليل النصوص، تم التطرق بتفصيل إلى عرض عدد من أبنية الفعل الثلاثي بصيغتي الماضي والمضارع لأجل استخراج مصادرها المختلفة الصيغ انطلاقا من سيبويه، وبعد تمحيص دلالة صيغة المصدر المدروس بما يتيسر من شروح المعاجم، تثبت في نهاية الشرح دلالتُهُ كما نص عليها سيبويه، موثقة بنص من الكتاب، وإلا اجتهدت في اثبات هذه الدلالة بناء على الشروح اللغوية، وكلّ ما يساعد على ذلك من القرائن. وكان عدد هذه البنيات المدروسة هو أربعة عشر وأربعُمائة فعل. وقد اقتصرْتُ على دلالة صيغة واحدة من صيغ مصادر الجذر المدروس إن تعددت، وهي الواردة عند سيبويه المكتوبة على رأس قائمة المصادر المستخرجة.

والملاحظ أن الملخص الذي يكتب في نهاية شرح دلالات أي جذر ثلاثي لأجل ربطه بمصدره الذي جاء عند سيبويه برمز له بحرفي (دص) وهذا يعني أن تلك الدلالة المستخلصة من (كل) تلك الشروح دلالةٌ صرفية. ولذا يمكن اعتبار هذه المادة الصرفية نواةً لمعجم وظائف الصيغ الصرفية، كما تعتبر تلك الطريقة التي تم التوصل بها إلى تلك الدلالة الصرفية نواة أسلوب لضبط دلالة أية صيغة صرفية كلما اقتضى الحال. وقد دُعمت هذه المادة الصرفية المجموعة من هذه الشروح بأمثلة أخرى جُمعت من مصادر مختلفة، وبالخصوص كتب التفسير الأمر الذي يسر قدرا لا بأس به من الصيغ الصرفية المحددة الوظائف الدلاية من النوع الذي يدل ضرورة في بناء النصوص المحللة.

هذا وقد كان جانب من الدراسة النحوية ملازماً للدراسة اللغوية الصرفية أثناء تتبع أحوال الجذور الأربعمائة السالفة الذكر الأمر الذي ساعد على إبراز جانب من الوظيفة الدلالية للجملة الفعلية في إطار مفهومي التعدية واللزوم، على اعتبار أن كلا من هذين المفهومين قيمةٌ خلافية.

وقد تم الختم الاضطراري باقتراح مجموعة من الضوابط التي ترى هذه الدراسة أنها ستفيد في تحليل النصوص بصفة عامة منها :

- سلامة النص : وتعنى هذه السلامة : صحة مقابلته مع الأصل قبل الشروع في عملية تحليله، وسلامة بنياته، وصحة مصطلحاته، وانتفاء عوارض الفهم بين المحلل والنص..

وإذا سمحت لنفسي بالحديث عن نتائج هذه البحث وهو في بدايته فإنه يمكنني أن أقول ما يلي :

أولا : انطلقت في عملي هذا باهتمام واحد، هو الاهتمام التواصلي ممثلا في ضبط أدوات تحليل النصوص، فانتهيت إلى اهتمامات ثلاثة أولها هو المذكور. وثانيهما تنظيري سابق على الأول ومرتبط به، أما الثالث فهو أيضا وظيفي لكنه ليس كالأول، لأن الأمر يتعلق بتصنيف مكونات النص الأساسية حسب إمكان كثرة ورودها أو قلته، لأجل توظيفها أثناء التأليف لمستوى معين، ومما يمثل الاهتمامين السابقين ما يلي :

أ- الاهتمام التنظيري :

- القول بضرورة علاقة كل دال بمدلوله إثباتا لا اعتباطاً.

- القول بالمصدر الكلي الافتراضي، والفرق بينه وبين مصدر الفعل.

- القول بمحورية الحرف في تحديد دلالة الكلمة وإحقال الكلمات.

ب- الاهتمام الوظيفي التصنيفي : ومن أمثلته :

- كون الفعل أهم مباني الكلام في اللغة العربية.

- تفاوت ورود أبنية الجذور الثلاثية في اللغة العربية باعتبار حركة العين.

- كون صيغة (فعْل) في الصرف أعدلُ الأبنية، وأكثرها شيوعا وانتشارا في اللغة العربية.

وقد نتج عن الإحصاء أن حوالي 50% من مت اللغة العربية المتعلق بالجملة الفعلية خارج عن إطار التقعيد فيما يخص مفهومي التعدية واللزوم.

ثانيا : على مستوى ا لتحليل العام

لم تكن هذه الدراسة ببغوية جامدة، ولا متجنيةجائحة، بل اقترحت وأضافت وانتقدت كلما ظهر لها أن ذاك صواب، فعلت ذلك وهي مومنة باحترام آراء الآخرين دون تقديسها.

إعداد : د. الحسين گنوان

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>