في رحاب السنة : سنن الفطرة


عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >عَشْرٌ من الفِطرة، قصّ الشّارب، وإعفاءُ اللّحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظافر، وغسلُ البراجِم، ونتفُ الإبط، وحلقُ العانة، وانتقاصُ الماء (يعني الاستنجاء) قال الراوي ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة<(رواه مسلم)

شرح الحديث :

الفطرة : هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها، وجعلهم مفطورين عليها، وهي محبة الخير وإيثاره، وكراهة الشر ودفعه، وفطرهم حنفاء مستعدين لقبول الخير والاخلاص لله والتقرب إليه.

وجعل تعالى شرائع الفطرة نوعين.

أحدهما : يطهر القلب والروح وهو الإيمان بالله وتوابعه من خوفه ورجائه ومحبته والإنابة إليه، قال تعالى : {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم..}(سورة الروم). فهذه الفطرة تزكي النفس، وتطهر القلب وتنميه وتُذهب عنه الآفاتِ الرذيلة، وتحليه بالأخلاق الجميلة وهي كلها ترجع إلى أصول الإيمان وأعمال القلب.

والنوع الثاني : ما يعود إلى تطهير الظاهر ونظافته بدفع الأوساخ والأقذار عنه وهي هذه العشرة، التي تعتبر من محاسن الدين الإسلامي، إذ هي كلها تنظيف للأعضاء، وتكميل لها، لتتم صحتُها ويظهر جمالُها.

فأما قص الشارب : أو حفه حتى تبدو الشفة، فلِما في ذلك من النظافة والتحرز مما يخرج من الأنف، فإن شعر الشارب إذا تدلى على الشفة التصق به ما يتناوله من مأكول ومشروب، مع تشويه الخلقة بوفرته، وفي الحديث : >من لم يأخذ من شاربه فليس منا<(رواه أحمد والترمذي والنسائي، واسناده جيد).

وهذا بخلاف اللحية، فإن الله جعلها وقارا للرجل وجمالا له،  وتميزاً له عن الأنثى.

وأما قص الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة وهي الشعر الذي حول الفرج وغسل البراجم وهي مطاوي البدن التي تجتمع فيها الأوساخ فلها من التنظيف وإزالة المؤذيات والأوساخ ما يساعد على خفة البدن ونشاطه.

وأما المضمضة والاستنشاق فإنهما مشروعان في طهارة الحدث الأصغر والأكبر بالاتفاق، فيهما تطهير الفم والأنف وتنظيفهما، لأن الفم والأنف يتوارد عليهما كثير من الأوساخ والأبخرة ونحوها، وهو مضطر إلى إزالة ذلك. وكذلك السواك، يطهر الفم، ويُرضِي الرب ويجلو الأسنان، ولهذا يحسُن كل وقت ويتأكد عند الوضوء والصلاة والانتباه من النوم وتغيُّر الفم. وصفرة الأسنان، وقراءة القرآن.

وأما الاستنجاء وهو إزالة الخارج من السبيلين وتنظيفهما فهو لازم وشرط من شروط الطهارة.

إن هذه الأشياء كلها تكمّل ظاهر الإنسان وتطهره وتنظفه، وتدفع عنه الأشياء الضارة، والنظافة من الإيمان، والمقصود أن الفطرة شاملة لجميع الشريعة، باطنها وظاهرها، لأنها تنقي الباطن من الأخلاق الرذيلة، وتحليه بالأخلاق الجميلة التيترجع إلى عقائد الإيمان والتوحيد والإخلاص لله تعالى. وتنقي الظاهر من الأنجاس والأوساخ وأسبابها، وتطهره الطهارتين الحسية والمعنوية فالشريعة كلها طهارة وزكاة، وتنمية وتكميل وحثّ على معالم الأمور، ونهي على سفاسفها. من شاء التوسع أكثر فلينظر بهجة الأبرار.

ما يستفاد من هذا الحديث :

1- أن الله تعالى فطر الخلق على محبة الخير وكراهة الشر.

2- حثّ الله تعالى الإنسان على ما يُحسِّن مخبره ومظاهره.

3- حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من التشوه بفساد منظرهم.

4- ويظهر في الحديث كمال الشريعة التي حثت على كل خير وحذرت من كل شر.

5- الحث على النظافة والطهارة من الأحداث والأقذار.

6- كمال الشريعة وأنها جاءت لجلب المنافع ودفع المضار.

< ذ. الحسين فليو <

 

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>