خطب منبرية : موازين إلهية : القوة والنصر


ميزان القوة

الله عز وجل هو مصدر كل قوة، وقوته فوق كل قوة . قال تعالى: {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا} (البقرة:165) . وقال سبحانه: {ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله} (الكهف:39) . وقال: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} (فصلت: 15) . وقال: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات: 58).

هلاك القوى الطاغية شديدة القوة عبر العصور الغابرة بعذاب الله تعالى الأشد قوة، فلم تغنهم شدة قوتهم ولا كثرة أموالهم وأولادهم، ولم يكن لهم ناصر يمنع عنهم عذاب الله، فالله عز وجل لا يعجزه شيء. قال الله تعالى: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، كانوا أكثر منهم وأشد قوة وءاثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} (غافر: 82). وقال سبحانه: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا} (فاطر: 44). ويبين الله عز وجل سبب هلاكهم فيقول: {أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وءاثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق} (غافر: 21). ويخبرنا الحق تبارك وتعالى عن قارون الطاغية المفسد فيقول: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يُسئل عن ذنوبهم المجرمون} (القصص: 78).

ثم يحذر الله عز وجل المشركين ويطمئن المؤمنين فيقول: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر بهم} (محمد: 13). وكأن الآية تنزل الآن لتحذر اليهود المستكبرين الذين أخرجوا الفلسطينيين من بلادهم، ولتطمئن المجاهدين في فلسطين المحتلة أن الغلبة لهم، فإن الذي أهلك السابقين على كثرتهم وشدتهم قادر على إنزال أشد العذاب باليهود وأشياعهم. وكأن قول الله عز وجل في عاد قوم هود {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة ؟} ويأتي الرد من الله عز وجل مباشرة فيقول: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة} (فصلت: 15) كأن هذه الآية تتنزل الآن لتصف حال الاستكبار الصهيوني الذي يقول جهارا نهارا لكل العالم الإسلامي {من أشد منا قوة ؟} ، ويكأنها تتنزل الآن لتصف الاستكبار الأمريكي الذي ينادي في كل محفل {من أشد منا قوة ؟} فكل إدارة أمريكية جديدة تأتي لتنافس سابقتها في دعم الصلف الصهيوني غير عابئة بأي قوة على الأرض.

أطفال الحجارة في فلسطين المباركة فهموا ميزان القوة الرباني، وعلموا أن القوة الحقيقية مصدرها من القوي المتعال الله رب السموات والأرض ورب كلشيء، أدركوا أن الله هو أشد قوة، لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض، أدركوا أن العودة إلى الله والتمسك بحبله المتين هو سبب لاستمداد القوة من رب القوة، قال تعالى: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم} (فصلت: 15) لذلك واجهوا العنف الصهيوني بحجارتهم المزودة بالطاقة الإيمانية التي تستمد قوتها من الله القوي الجبار، وطوروا أسلحتهم لأن الله أمرهم بإعداد القوة بقدر ما يستطيعون، فابتكروا القنابل الذكية التي تتفجر متى شاءت وأينما أرادت، إنهم الاستشهاديون. إن أبطال المقاومة والانتفاضة في فلسطين المحتلة يرددون الآن قول الصحابي الجليل الشهيد عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، إذ قال لجنده يوم مؤتة {حيث واجه ثلاثة آلاف مسلم مائتي ألف من الروم -أقوى قوة مادية في ذلك الوقت-} قال ابن رواحة: “والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد، ولابكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول، إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. انطلقوا … والله لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرسان، ويوم أحد فرس واحد، فإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور عليهم فذلك ما وعدنا الله ووعدنا نبينا، وإما الشهادة فلنلحق بالإخوان نرافقهم بالجنان”.

نهدي كل قادة العالم الإسلامي وقادة الجيوش والضباط هذه النصائح، أقدموا ولا تخافوا إلا الله تعالى، فإذا قيل لكم إن أعداءنا أكثر عددا فقولوا: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}. وإن قيل لكم إنهم أكثر أموالا فقولوا: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون}. وإن حذروكم مكرهم وكيدهم فقولوا: {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}. فإن قيل لكم إنهم أمنع حصونا فقولوا: {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث بم يحتسبوا}. أقدموا وأعيدوا للأمة هيبتها وعزتها وكرامتها ولا تتولوا فيستبدل الله بكم قوما آخرين، أقدموا واعلموا أن الله مع المتقين، ولكن {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم الغالبون}، واعلموا أن المؤمن يسير بمعونة الله، وينظر بنور الله، ويقاتل بسيف الله، ويرمي بقوة الله {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}. {إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان}.

ميزان النصر

1) مصدر النصر

من الله تعالى وحده

قال الله تعالى : {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} (البقرة: 107) و (العنكبوت: 22) و (الشورى: 31). {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة: 120).  {يا أيها الذين آمنواإن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين . بل الله مولاكم وهو خير الناصرين . سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين} (آل عمران: 149-151).  {وما النصر إلا من عند الله} (آل عمران: 126) و (الأنفال: 10).  {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}(الحج: 78).  {أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن} (الملك: 20).

2) شروط النص

< الإيمان :

قال الله تعالى:  {وكان حقا علينا نصر المؤمنين}(الروم: 47).  {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا}(غافر: 51).

{ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت، وأن الله مع المؤمنين} (الأنفال: 19).  {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين} (الصف: 14).

< العبودية الحقة لله عز وجل :

قال الله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين . إنهم لهم المنصورون . وإن جندنا لهم الغالبون} (الصافات: 171-173).

<   نصرة الله عز وجل :

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد: 7).  {ولَينصرن اللهُ من ينصره} (الحج: 40).  {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} (الحديد:25).

< الصبر والدعاء وطلب النصر والثبات من الله تعالى:

قال سبحانه وتعالى: {ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين . فهزموهم بإذن الله} {البقرة: 250). {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، وربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا إلا به، واعف عنا، واغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين}(البقرة: 286). {وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين . وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين . فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين} (آل عمران: 146-148).

< نفي النصر عن الكافرين والظالمين والمنافقين:

قال الله تعالى: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون . لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} (آل عمران: 110-111).  {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا} (الفتح: 22).  {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا، وإن قوتلتم لننصرنكم، والله يشهد إنهم لكاذبون . لئن أخرجوا لا يخرجون معهم، ولئن قوتلوا لا ينصرونهم، ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون} (الحشر: 11-12).  {وما للظالمين من أنصار} (البقرة: 270) و (آل عمران: 192) و (المائدة: 72).  {والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير} (الشورى: 8).

3) متى النصر ؟

< النصر بعد الظلم:

قال الله تعالى: {والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا غضبوا هم يغفرون . والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلوة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون . والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون . وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين . ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} (الشورى: 37-41).

وقال : {ولقد كُذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين} (الأنعام: 34).

< النصر بعد اليأس واليسر مع العسر:

قال الله تعالى :  {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} (البقرة: 214).  {واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون} (الأنفال: 26).  {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا} (يوسف: 110).  {فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا}.

عن موقع : www.Palestine-info بتصرف

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>