لقد بيّن التاريخ إخفاق النظريات الاقتصادية الوضعية، لأنّها اعتبرت الإنسان مجرد كائن عضوي لا يهتم إلا بالسعي لإشباع غرائزه وشهواته وحاجاته المادية دون اعتبار للقيم الدينية أو الأخلاقية أو الروحية والتقيد بها. ومن الملاحظ أن مختلف تلك النظريات الوضعية انتجت مشاكل ومعضلات وأزمات في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من بطالة وارتفاع الأسعار والجوع وتفسخ الأسرة وانحلال الأخلاق وتلوث البيئة والاغتراب وفقدان الهوية.
فهل المنظومة الاقتصادية الإسلامية قادرة على الاسهام في حلّ تلك المشكلات الحادة وتحقيق الغاية الانسانية؟
فإذا كان الاقتصاد الوضعي بمختلف أشكاله وتلاوينه اقتصاداً ايديولوجياً يرتكز على العقل كمصدر وحيداللمعرفة، فإن الاقتصاد الإسلامي يستمدأصوله من الكتاب والسنة.
فمن المعروف أن النشاط الاقتصادي هو نشاط وعمل انساني، وحسب النهج الرباني الذي يجسده الإسلام بامتياز؛ فإن العمل الإنساني لا يؤتي ثماره الطيبة إلا إذا صحّت العقيدة. قال سبحانه وتعالى في سورة المائدة : {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}.
فالمنظومة الاقتصادية الإسلامية هي منظومة عقائدية مرتبطة ارتباطا عضويا بعقيدة التوحيد، إيماناً وعبادة ومعاملة وأخلاقاً. وهذا الارتباط هو الذي يحدد منهج وأدوات ومجالات المنظومة الاقتصادية الاسلامية والغاية التي تستهدفها. فالإسلام يهتم بشمولية الفعل الإنساني، في جانبه المادي وفي جانبه السلوكي دون الفصل بينهما.
إن الغاية المستهدفة هي الإصلاح لا الإفساد في أداء أي وظيفة اجتماعية أو اقتصادية، ويقول تعالى في هذا الصدد، في سورة القصص : {وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليه ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}.
وانطلاقا من هذا المنظور يتّضح أن الإسلام لا يدعو إلى السلبية وعدم الاهتمام بأمور الدنيا والأمور المادية لأنّه كما يهتم بالمكوّن الروحي للإنسان، يهتم كذلك بمكوّنه ا لمادي.
فالإنسان خلق لعبادة الله واستخلافه في الأرض للتعمير والإصلاح، وليس للفساد فيها. يقول عز وجل في سورة هود : {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}.
ولا يمكن إعمار الأرض وتعميرها دون عمل، ودون انتاج ودون تنظيم العلاقات بين الناس، أليس الضرب في الأرض والسعي في طلب الرزق واجباً على المسلم، وهو المطالب بتناول الطّيبات من الرزق، يقول سبحانه وتعالى في سورة الأعراف : {قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق}.
فالإسلام يحرص على توفير الشروط الأساسية لضمان عيش كريم لمختلف أفراد المجتمع وفئاته وذلك باعتبار أنه لا يجوز في المجتمع الإسلامي انخفاض مستوى العيش عن حدّ الكفاية الضامن للفرد الحصول على الحاجيات الضرورية.
- إدريس ولد القابلة