“حمير فضائية”


الحمار -أعزكم الله- هو في ثقافة الريف صاحب هذا اللقب “برطعة”، ويحصل عليه فور أن يفلت لجامه ويطيش عقله -إن كان له- فيبرطع في أنحاء القرية دون رقيب أو حسيب، ودون خشية أو حياء، يقتحم الحقول والدور. أما الخيل-المعقود بنواصيها الخير- فإن فلت لجامها “ترمح” ولا تبرطع، وتعرف هكذا من تلقاء نفسها حد الوقوف، فلا تقتحم حرمة ولا تفسد غرسًا.

ونشهد أن ثقافتنا العربية مليئة بالتمجيد للحمير، حين يصدحون بالغناء؛ فيصدعون رؤوسنا بأنكر الأصوات، وحين يجتهدون في “الإبداع” فيحملون أسفارًا، ويحمِّلوننا ما لا طاقة لنا به من لغو الكلام.

لكن الحق فإن الحمار -ولا مؤاخذة- طيب لا يغضب إن نحن قلنا عليه حمارًا، ولا يحتج إن استخدمنا اسمه في وصف الأغبياء أو محدودي الموهبة وافري العضلات، لكل هذا أوحشني ركوب الحمار، فلم أعد كثير الذهاب للقرية بسبب ظروف العمل، وأصبحت لا أرى حميرًا إلا وهي “تبرطع” إبداعًا، في سماء الفضائيات خصوصًا في رمضان، حيث يسلسل الله الشياطين فلا تركب الحمير الحقيقية؛ وبالتالي لا تبرطع، في حين لا تسلسل شياطين الإنس الفضائية، فتبرطع مسلسلات!!

ليس لهذا الحديث علاقة -طبعًا- بذلك المخرج الفضائي الكبير -في السن- الذي يؤذينا في أول ليلة من رمضان، وفي أول مشهد من أول حلقة في مسلسل، بممثلة تتمرغ بـ “لا ملابس” النوم في سريرها، ولا علاقة للحمير -طبعا- بأي من الفضائيات العربية التي تملأ ليالي رمضان بالرقص والفوازير، فهي -للحق- لا تفعل ذلك نهارًا بل تحرص على أن تبدأ الوصلات بعد صلاة التراويح، فتعذر بذلك إلى الناس، وأي مشابهة بين صفات الحمير وواقع بعض الفضائيات هي مصادفة -طبعًا- غير مقصودة.

الحمير تعرف مطالع الشهور بفطرتها، إذا نهرتها ترعوي، أما الفضائيات -فيما يبدو- فتميز شهر رمضان بأجزاء أخرى من الجسم، ليس العقل من بينها يقينًا أو القلب.

رزقنا الله وإياكم حميرًا “بجد”، أرحم بحرماتنا من حمير الفضائيات! !

حسام الدين اون لاين

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>