ألم قلم: الدخول المدرسي بين الآمالِ والآلاَم


كلما حلّ الدخول المدرسي تُوقد شمعات وتنطفئ أخرى : توقد حينما يأخذ الأب بيد ابنه أو ابنته ليدخله المدرسة في أول يوم له؛ يحدثه عن مزايا المدرسة وفوائد التعلم والتعليم، ويحدث نفسه في الوقت ذاته عن المصير المجهول الذي ينتظرُ ولده في هذا الزمن التعس.

وتنطفئ حينما يتخرج طالباً أو طالبةً من الجامعة، متأبطاً شهادة الإجازة أو الدكتوراه، ليجد نفسه محاصراً بين جدران بيت والديه، ينتظر ما يجود به عليه أبوه أو غيره من دريهمات ليشتري قميصاً أو حِذَاءً أو ليقبع في مقهى يقتل الوقت قَتْلاً.

وبين إيقاد الشمعة وانطفائها تحترق أفئدة وضمائر حزنا وأسفا على ما آل إليه التعليم في بلادنا :

< فلقد أصبح التعليم مكلّفا من الناحية المادية وخاصة لذوي الدخل المحدود، إلى درجة أن المدرِّسين في مختلف مراحل التعليم يشتكون من عدم تمكن التلاميذ من شراء لوازمهم المدرسية نظراً لارتفاع ثمنها، وتعدد أصنافها وأشكالها وألوانها، وفي هذه السنة بالذات يفاجأ الكل بزيادة رسمية في هذه اللوازم. ومن الطريف أن الآباء يتندرون في مجالسهم بمقارنة ما كانوا يحتاجونه من لوازم مدرسية في زمنهم، وما يحتاجه أبناؤهم في هذا الزمن. لقد كانت لوازمهم لا تزيد على كتاب ودفتر ولوحة، والكتاب يتداوله كل الاخوة من الأكبر إلى الأصغر، ثم ينتقل إلى الجيران وهكذا. أما في وقتنا الحالي فلكل كتبه المختلفة الأشكال والأحجام والألوان والعدد، إلى درجة أن التلاميذ تنوء أكتافهم عن حمل لوازمهم، هذا مع ضعف في المردودية والحصيلة.

< وأصبح المستوى التعليمي في بِلادِنا منْحَطّا دينيا وأخلاقيا وعلميا، فعلى المستوى الديني لم يعد للمواد الاسلامية أي اعتبار مما نتج عنه ضعف في العقيدة وفساد في الأخلاق وسوء في السلوك وترد في المعاملات، وتوتر في العلاقات الأسرية والاجتماعية. ففشا التهتك والتعهر والفسق وادمان المخدرات، وغدت مظاهر الخلاعة مألوفة في أبواب الاعداديات والثانويات وداخل الجامعات، حتى فقنا في ذلك ما يوجد في الغرب. ولا أحد من يقول اللهم إن هذا منكر.

وأما في الجانب العلمي، فلقد انحط المستوى بشكل غريب، بسبب انعدام الجدية وانسداد الآفاق وكثرة الغش، حتى أصبح العديد من التلاميذ يفكرون في طرق الغش وسُبُل إجادتها أكثر مما يفكرون في فهم الدروس ومراجعتها أو حفظها على الأقل. وأصبح المعلمون والأساتذة يجدون في إجابات الطلبة في الفروض والامتحانات أشياء غريبة.

< وأصبح التعليم في بلادنا مجالاً لتأطير عدد من حملة الشهادات المعطلة،  الأمر الذي جعل التعليم يُنْظر إليه على أنه عبء على كاهل الدولة، مما دفع الوزارة الوصية  إلى التفكير في إصلاح التعليم، لكن عوض أن تقدم إصلاحاً ناجعاً يخدم العقيدة والوطن والأمة، جاءت بمولود أخدج مشوهٍ منسلخ عن كل مقوماتنا الحضارية والاسلامية.

< وقبل هذا وبعده، ومن أسباب هذا كله تهميش شرائح عريضة من المعلمين والأساتذة، وعدم إنصافهم وتسوية وضعيتهم المادية. الأمر الذي دَفَع البعض إلى اللامبالاة، واستغلال الأوضاع السابقة الذكر الى استغلال مواقعهم بتنظيم “الساعات الاضافية” بشكل بشع.

في خضم هذه الآلام يحمل الأطفال الصغار براءتهم الفطرية آمالاً كبرى، يحلمون بغَدٍ أفضل ومستقبل زاهر، لكن من سيحقق لهم هذه الآمال؟؟ أو من سيعمل على تحقيقها من المخلصين الجادين؟؟ أم أن آلام الجيل الحالي ستتضاعف بشكل خطير؟؟

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>