واقع التربية الإسلامية في التعليم الأساسي


قد لا يكون من المهم والمفيد أن أقف عند مصطلحي الدراسات الإسلامية والتعليم الأساسي في العنوان، فحسب فهمي له بعد التأمل فيه،وضعت منهاج المواد الإسلامية في التعليم الأساسي بسلكيه هدفاً للتحليل والمساءلة.

وإذا كان المنهاج -حسب الأدبيات التربوية- يشتمل على أهداف التعليم، وعلى المحتويات والطرائق ومن ضمنها التقويم وعلى الوسائل التعليمية ومن ضمنها الكتاب المدرسي، وعلى الإجراءات الخاصة بالتكوين المطابق للمدرسين، فإن ما سألتزم به من عناصر المنهاج لمجموعة من العوامل- هو التركيز على أهداف التعليم الأساسي، وأهداف وحدة التربية الإسلامية في التعليم العام، وعرضي المحتويات ونماذج من تقويم الكتاب المدرسي مستأنساً بوثيقة اصلاح التعليم سنة 1985.

وقبل أن أشرع في تنفيذ هذا الالتزام أقف وقفة قصيرة مع التعليم الأساسي الأصيل، وسوف لن أتحدث عن منهاجه، ولا عن مشاكله وآلامه، ولكن عن هيكلته وحجمه في خريطة التعليم العام.

الهيكلة الحالية للتعليم الأساسي الأصيل

تتكون من :

- السلك الأول من التعليم الأساسي مدته أربع سنوات.

- السلك الثاني من التعليم الأساسي مدته ثلاث سنوات.

- مجموع مؤسسات السلك الأول أصيل 14 بها 811 تلميذاً يشتغلن في 57 فصلا دراسياً. أي بمعدل 14 تلميذاً في الفصل، وعدد المدرسين بها 68 مدرساً.

- مجموع مؤسسات السلك الثاني أساسي 19 بها 2217 تلميذاً وعدد المدرسين 352 مدرساً. مجموع تلاميذ التعليم الأساسي بسلكيه : 3028 تلميذاً حسب إحصائيات الموسم الدراسي الحالي 2000- 2001.

(مجموع تلاميذ التعليم الأصيل بمراحله الثلاث 11238 منهم 9021 في التعليم الثانوي) فماذا يشكل هذا الرقم من نسبة فيما يقابل اليوم بالتعليم العام؟ وكيف كان الوضع في الستينات مثلا؟

نعود إلى وثيقة اصلاح لسنة 1985فنجد أنها تتألف من سبعة عناصر هي : تعريف التعليم الأساسي، الأهداف العامة، أهداف مختلف مراحل التعليم الأساسي، وحدات التعليم الأساسي وأهدافها النوعية، توجيهات تربوية، حصص التعليم الأساسي، تنظيم السنة الدراسية.

الأهداف العامة ووحدات التعليم الأساسي

< حددت الوثيقة ثمانية أهداف للتعليم الأساسي على رأسها :

تثبيت العقيدة الإسلامية المبنية على الكتاب والسنة ووحدة المذهب المالكي، وغرس القيم الروحية في نفوس الناشئة عن طريق العقل والحواس والوجدان، حرصا على التشبت بفضائل الإسلام وأحكامه لتكون الموجه للسلوك الذاتي للفرد، ولعلاقته بغيره(ص 1).

وحين نعود إلى الميثاق الوطني للتربية والتكوين في نفس الموضوع نجد ما يلي :

المادة 64 : من أهداف التعليم الأوّلي  تعليم القيم الدينية والخلقية والوطنية الأساسية.

وفي المادة 61 : من أهداف التعليم الأولي والابتدائي : التشبع بالقيم الدينية والخلقية والوطنية والإنسانية الأساسية ليصبحوا مواطنين معتزين بهويتهم وبتراثهم، وواعين بتاريخهم ومندمجين فاعلين في مجتمعهم.

وجاء في المادة 66 : يلتحق بالسلك الثاني من المدرسة الابتدائية التلاميذ المنتقلون من السلك الأول (ومن أهداف هذا السلك) :

- تعميق وتوسيع المكتسبات المحصلة خلال السلكين السابقين في المجالات الدينية والوطنية والخلقية، (لاحظ كيف أن القيم الخلقية تتبادل المواقع مع القيم الوطنية أعلاه).

- وحين تحدث الميثاق عن أهداف المرحلة الإعدادية يغيب تماماً القيم الدينية والأخلاقية التي نص عليها في المرحلة الابتدائية (انظر ص 34).

وقد ترجمت الوثيقة الإطار لمراجعة المناهج التربوية هذا التوجه عند تحديد مواصفات المتعلمين في الأسلاك التعليمية، أنقل منها ما يهم موضوعنا :

- في نهاية السلك الابتدائي : أن يكون متشبعا بالقيم الدينية والخلقية والوطنية والإنسانية، ص13، (منقول حرفياً من المادة 61 أعلاه).

- وفي نهاية السلك الإعدادي : أن يكون متشبعاً بقيم الحضارة المغربية بكل مكوناتها، وواعيا بتنوع وتكامل روافدها (ص 14 من الوثيقة الإطار) فأي فارق هذا بين وثيقة الإصلاح لسنة 1985، وميثاق التربية والتكوين في أهداف هذه المرحلة؟!

< وعن وحدات التعليم الأساسي في وثيقة الإصلاح نجد أن وحدة التربية الإسلامية تأتي في طليعة هذه الوحدات، ثم تاتي بعدها اللغة العربية والفرنسية والرياضيات، والنشاط العلمي، والتفتح التكنولوجي، الاجتماعي، التربية الفنية والجمالية ثم التربية البدنية.

وتنص الوثيقة على أن جميع الوحدات الدراسية تسعى في ترابط وتكامل الى تحقيق ا لأهداف العامة والمرحلية المرسومة للتعليم الأساسي، ولكل وحدة مقوماتها وخُصوصياتها وأهدافها النوعية والمرحلية (ص 4) وثيقة 85.

وحدة التربية الإسلامية في التعليم الأساسي

حددت الوثيقة الأهدافالنوعية لهذه الوحدة كالتالي :

- تزويد المتعلم بالقدر الضروري من المعارف الإسلامية من خلال ما تقدمه مواد التربية الإسلامية من نصوص قرآنية وحديثية وسيرة وأحكام اعتقادية وتعبدية وأخلاقية تتصل بالسلوك والمعاملات.

- تثبيت صلة المتعلم بالإسلام واطمئنانه إليه واقتناعه به وإصراره على الولاء له، وانتسابه إليه، وحماسته في الدفاع عنه عبر فاعليات وجدانية وعقلية.

- العمل على أن يكون للتربية الإسلامية حضور مستمر في حياة المتعلم الشخصية وحياة الجماعة التي ينتسب إليها عن طريق الممارسة العملية والتعليمية (ص 5) ونتساءل : ماذا تحقق من هذه الأهداف في الأفواج التي تخرجت من التعليم الأساسي منذ 1993؟ وكيف سيكون المتخرج من المنهاج الجديد؟!

مكونات وحدة

التربية الإسلامية

تنص وثيقة 1985 على المكونات التالية : القرآن والحديث، العقائد العبادات، الآداب والأخلاق، والسيرة والمعاملات.

ثم تحدد الأهداف الخصوصية والمرحلية لكل هاته المكونات.

وسأقتصر على نقل فقرات من بعض المكونات للتمثيل والاستشهاد :

بالنسبة للقرآن الكريم يراعى في الطور الأول من التعليم الأساسي أولوية الإنصات والقراءة والحفظ، ويراعي في الطور الثاني أولوية جانب التدبر والاستثمار، وينبغي اعتبار سور الأحزاب العشرة الأخيرة من المصحف الشريف حدّاً أدنى من المحفوظ القرآني في المدرسة الأساسية بطوريها (ص 6) وبالنسبة للعقائد تنص الوثيقة على ما يلي :

تتمحور دروس العقائد على محورين :

< سلامة الاعتقاد انطلاقاً من القواعد والأحكام الاعتقادية (ص 6).

< استحضار المعتقد انطلاقا من المشاهد الحية الغيبية من القرآن والحديث.

وتعطى هذه المفاهيم في الطورين الأول والثاني مع مراعاة المستوى المناسب لتقديمها (ص 6).

وفي مكون العبادات تنص الوثيقة على ما يلي : ويتأكد الحرص على الإتقان والتعود في الطور الأول، كما يؤكد الهدف المعرفي مرتبطا بالمضامين الوجدانية والروحية في الطور الثاني(ص 7).

< ننتقل الآن الى عرض المحتويات في وحدة التربية الإسلامية بالتعليم الأساسي :

في دراسة أنجزت بأكاديمية فاس سنة 1997 أسهم فيها مجموعة من المؤطرين تحت عنوان “قراءة للكتب المدرسية المستعملة بالتعليم الأساسي” (وحدة التربية الإ سلامية) تمت عملية جرد لمضامين هذه الوحدة في التعليم الأساسي اعتماداً على الكتب المدرسية المستعملة، والمقررات الدراسية التي حددتها الوزارة في مجموعة من الوثائق تحت عنوان البرامج والتوجيهات التربوية الموحدة.

ويشمل هذا الجرد بالإضافة إلى المضامين (عناوين الدروس في كل مكون) مجموع الحصص الأسبوعية والكتب المدرسية المستعملة.

وسوف أقتصر على أهم الخلاصات التي توصلت اليها تلك الدراسة :

- المكونات المدرسة في الوحدة حسب الجرد- في التعليم الأساسي ستة هي : القرآن الكريم -الحديث-العقيدة – العبادات -الأخلاق – السيرة النبوية.

- هذه المكونات موزعة على السنوات التسع للتعليم الأساسي كالتالي ؛

> القرآن الكريم حاضر في جميع السنوات ويغطي الأحزاب العشرة الأخيرة من المصحف الشريف.

> مكون الحديث الشريف حاضر بكثافة في السنة الثانية، ومفنن بثلاثة أحاديث في كل مستوى، ابتداء من السنة السادسة الى التاسعة، وغائب تماما في السنوات الأولى، والثالثة، والرابعة، والخامسة.

> العقيدة حاضرة بنسب متفاوتة في جميع السنوات.

> مكون العبادات حاضر بكثافة في جميع المستويات وخاصة في السنوات الخمس الأولى.

> مكون الأخلاق حاضر بكثافة في السنوات الثانية والثالثة والرابعة والخامسة.

> مكون السيرة النبوية حاضر بقوة في السنة الثانية، وغائب تماما في السنوات الأولى، والثالثة والرابعة والخامسة، ويغطي مقرر السنوات السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة محطات في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام من ولادته إلى وفاته (ثلاثة دروس في كل مستوى تقريبا) وهناك ملاحظات على مقررات كل مكون، وبنائها وتوزيعها بين سنوات التعليم الأساسي. لم نذكرها مخافة التطويل.

الحصص الأسبوعية للوحدة في التعليم الأساسي

> السنتان الأولى والثانية : أربع ساعات.

> السنوات 3 -  4- 5- 6: ثلاث ساعات.

> السنوات 7- 8- 9 : ساعتان.

- الكتب المدرسية التي أصدرتها الوزارة هي :

> التربية الإسلامية للسنة الأولى من التعليم الأساسي، كتاب المعلم.

> التربية الإسلامية للسنة الثانية من التعليم الأساسي كتاب المعلم.

> التربية الإسلامية للسنة السادسة من التعليم الأساسي كتاب التلميذ.

> التربية الإسلامية للسنة السابعة من التعليم الأساسي كتاب التلميذ.

> التربية الإسلامية للسنة الثامنة من التعليم الأساسي كتاب التلميذ.

> التربية الإسلامية للسنة التاسعة من التعليم الأساسي كتاب التلميذ.

نماذج من تقويم الكتاب المدرسي

في اللائحة أعلاه نجد كتاب المعلم في السنة الأولى، وهو كتاب جيد، ولكنه نادر في المكتبات.

أما كتاب السنة الثانية فهو أقل جودة من سابقه، لكونه ركز على تقديم المعارف، وأغفل الوسائل المساعدة على تحقيق الأهداف، وهذا الكتاب بجزأيْه يكاد يكون منعدما.

بالنسبة لكتاب السنة السادسة “هو الكتاب الرسمي الوحيد للتلميذ في هذا السلك، يلاحظ عليه أمور منها :

- حجمه غير مناسب، وبعض الصور فيه غير واضحة (التيمم ص 63).

- مقرر القرآن الكريم تكرار لمقرر السنة الخامسة.

- الأحاديث النبوية غير متوازنة.

- تداخل بعض دروس العقائد مع الحديث النبوي الشريف.

- ترتيب دروس مكون الأخلاق غير ملائم تربويا.

- للمستويات 3- 4- 5، كتب أعدها الأستاذ بنحيدة عبد اللطيف : مثل التفسير الواضح للقرآن الكريم والتربية الإسلامية، وهذه الكتب ترجع إلى ما قبل اصلاح 1985، وتم تطويرها لتتلاءم مع المقرر الجديد.

- وسأكتفي في تقويم كتب السلك الثاني من التعليم الأساسي بكتاب السنة السابعة :

من حيث المحتوى :

> مكون القرآن الكريم : يلاحظ أن المقرر يبتدئ من الآية 34 من سورة الذاريات : {قال فما خطبكم أيها المرسلون} فهو يجزئ قصة سيدنا ابراهيم مع ضيوفه إلى جزأين، الجزء الثاني يدرس بالسنة السابعة والجزء الأول يدرس في آخر السنة الثامنة.

- غلبة الطابع اللغوي على الشرح، وضعف الاهتمام بالمعنى الاصطلاحي.

> مكون الأخلاق : ينبغي أن يقدم درس (أدب تلاوة القرآن) في أول حصة مع مقرر القرآن الكريم لصلته به، ودرس ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لا يتناسب مع هذا المستوى، ويحسن تأجيله الى السنة التاسعة.

> مكون العقائد : هناك خلل واضح في بناء هيكل الدرس الثالث وتحليله، إذ يلاحظ عليه غياب تحديد معنى الشعوذة والخرافة، وهو عنصر تمهيدي، وقدمت أسباب انتشار الشعوذة على مظاهرها، والعكس هو الصحيح. ويكاد يكون هذا الدرس تكرارا للدرس الثاني في العقيدة الصحيحة والفاسدة، والأنسب أن يحرر عنصر الشعوذة والخرافة، ويدمج في محور العقيدة الفاسدة، بدلا من تخصيصه بدرس مستقل.

> مكون السيرة : يلاحظ أن لجنة التأليف لم تلتزم بمنهجيتها في عرض دروس هذا المكون كما فعلته في المكونات السابقة، واكتفت بالنصوص والشروح اللغوية والتعريف ببعض الأعلام، وختمت بأسئلة التقويم وهذا المنهج فيه قصور واضح وخاصة في هذا المستوى، وكان ينبغي أن تستخلص عناصر النص، وتحلل باختصار، مع خلاصة مركزة قبل أسئلة التقويم الإجمالي.

ومن حيث الشكل يلاحظ على الكتاب افتقاره للصور والوثائق التوضيحية، وعدم مناسبة بعضها للمضمون المقدم في الدرس.

اقتراحات

- إعادة النظر في مقررات وحدة التربية الإسلامية في التعليم الأساسي بسلكيه، وينبغي أن تسند هذه المهمة الى لجنة متخصصة تضم جميع الفاعلين التربويين المعنيين بهذه المرحلة.

- الحرص على أن يقدم للتلميذ في التعليم الأساسي كل ما هو مطلوب منه في دينه.

- توحيد الحصة بثلاث ساعات اسبوعيا في كل مستوى دراسي الى نهاية التعليم الأساسي.

- توحيد منهجية تأليف الكتب المدرسية -مع مراعاة التدرج- في جميع المستويات.

- اشاعة الجو التربوي داخل المؤسسة التعليمية لتعزيز القيم الإسلامية التي يتعلمها التلاميذ بها.

- ضرورة ربط الجسور بين التعليم الأساسي بسلكيه مع التعليم الثانوي سواء في مجال التأليف أو في مجال التأطير والبحث التربوي.

ذ. محمد بنزينب

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>