توسمات جارحة :بشرى لحليبكِ المضمخ بالأمل والصمود


قليلة هي الكلمات في أي لغة من لغات العالم التي باستطاعتها البوح عما يعتمل في وجدان الإنسان الذي يبيع نفسه لله طواعية واختيارا، بل قد لا يمكن التعبير عما يجيش في أعماقنا من شوق وإحساس بالعزة والكرامة في زمن عز فيه الصمود والتحدي وبذل النفس والولد، وذبلت فيه الأمة وأصاب العقم رحمها ونحن نرى نباتا غضا طريا ينبت من لفة الأقصى ويوقد من جراح الأمة شموعا تأبى الخنوع والذل والاستسلام المخجل وتندفع نحو جذوة الجهاد..

ونحس بشح الكلمات التي يمكن أن تفيض بهذه الأحاسيس، وتعلن عن تضافر أنفسنا وامتزاجها بتلك الشموع التي أحيت الأمل في القلوب وتطلعت نحو عقد النية على الجهاد بالنفس والولد والمال متى انفرجت بارقة تدلنا على الطريق للوصول إليها.

وقد تستطيع الكلمات البوح هنا وهناك على استحياء من عدم البلوغ إلى ما تصبو إليه، لكنها تقف في الحق، وتُترجَم دموعا صامتة تغزو العين وخفقات في القلب كلما تطلعنا إلى صورة من صور إحدى أمهات شهدائنا.

تقف الكلمات في الحلق، أم الشهيد، وتتسطّر في الكون أسمى معاني العطاء والتضحية والعزة أيضا… وتنحني القلوب إجلالا لك يا من تقدم أروع مثال لحب فريد حقيقي يبعد محبوبه عن زخرف الحياة ومذلتها، تبعد فلدة كبدك وأحب وأعز وأحسن و… الناس إليك عن حضنك الدافئ المؤجل، وتلقي به نحو الرضوان الأبدي جوار المتوضئين بنور ربهم آملة ومتطلعة كل حين أن تلحقي به.. فهنيئا لنفسك المتقدة بجذوة الإيمان، وبشرى لحليبك الذي ترضعينه لشهيدك فقد أثبت أنه مضمخ بالاستعلاء والسمو والعطاء والشهادة، ويا ليت كل الأمهات مثلك تلقن أطفالها كيفية إجابة رب العزة في قوله تعالى وتبارك : {يا أىها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الدنيا في الآ خرة إلا قليل}.. تلقنهم مثلك بالإجابة >لبيك ربي سننفر في سبيلك، قد انتهى عهد التثاقل إلى الأرض”، ثم تطلق زغرودة تزف ولدك للجنة، وتزف للوطن وللأمة شحنات أخرى من الأمل والصمود وفؤادك ملتهب بحرارة الألم ولوعة الفراق والشوق وشفتيك تردد “أنتم السابقون ونحن اللاحقون”.. فهل استطاعت هذه الكلمات القليلة أن تثير بعض نسائنا الغائبات في مستنقع الجري وراء ملذات الحياة والاغتراف من شهواتها لهن ولأكبادهن، واقتناص فرص الاستزادة منها لهم، والعيش في نعيمها رغم أنه زائل مهما طال، دون أي إعداد ولو قليل للأبدية التي تنتظره ولا زاد أعدته لهم أمهاتهم في زمن القهر والخنوع وإطلالة بريق العزة والكرامة..

<  ذ. أم سلمى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>