في الإفلاس الثقافي : العيطة : قضية ثقافية بالمغرب؟!


الوصول السياسي للحكومة الاشتراكية بالمغرب طارئ، بل حالة طوارئ عطلت التفاعل الداخلي الذي هز الكيان السياسي وطرح أسئلة جديدة للخروج من الأزمة، ورغم هذا الانقلاب السياسي على رغبة الشعب المغربي ومصالحه، فقد انتظر البعض ايجابيات جزئية تمس بعض القطاعات.

وقد شكل قطاع الثقافة محور أسئلة عدة حول التغيرات المنتظرة، فالوزير الجديد رئيس سابق لاتحاد كتاب المغرب ومثقف شاعر “ثائر”، وحداثي حتى النخاع، هكذا استبشر المغاربة على الأقل- انتعاش لثقافة الفكرة والعلم والاديولوجيا وتخلص من ثقافة الفولكلور والمواسم وهز البطون، إنه منطق الحداثة التي ترفض كل قديم ومنطق المثقف الذي ينتصر لعالم الأفكار ومنطق الشاعر الذي لا يقبل إلا الفن الرهيف الحس!!.

اعتبر الكثيرون أن مع الوزير الكاتب سوف تكون لنا قضية ثقافية، ينتعش معها صوت المثقف وتتحاور الأفكار اليسارية واللبرالية و الاسلامية وغيرها، فينتعش سوق الكتاب وفضاءات الإعلام الثقافي وبالتالي وعي المجتمع والتزامه لكن مع الأسف -انقلب الوزير إلى مقاول ثقافي وعاشق فلكلور ومجدد في مجال التراث الحجري والخشبي، أما عالم الأفكار فقد تبرأ منه الوزير، أو نقول تبرأت الأفكار من الوزير، فكيف يخرج هذا المثقف الملتزم من كل التراكم التنظيري والعلمي الذي اجتهد فيه أساتذته من الجابري الى العروي إلى اللعبي إلى أومليل وغيرهم، يخرج من هذا التراكم بمشروع إحياء الفنون الشعبية وإحياء الآثار الحجرية والخشبية وكأننا نعيش إشباعا ثقافيا، وانتعاشا لعالم الأفكار، مشروعا تخريبيا انحلاليا يمس وحدة المغرب في أصوله ورموزه وتاريخه وشعوره، مشروعا يدعمه ما سبقه من ثقافة سطحية تسطيحية قاتلة، ومشروعا لا ينفعل إلا إلى الجانب السلبي والانحلالي والتجزيئي من ركام تراثناالفني والرمزي.

- فماذا ينفع المغرب مهرجان وليلي 2000 إلا إحياء عصبية الرومان ودعوى التجزئة.

- وماذا ينفع المغرب مهرجانات للعيطة وگناوة والأندلسي وعيساوة والموسيقى الروحية وغيرها وهي كما نعرف فنون تنتمي للجانب المظلم من حياتنا وقد اجتهد الكثيرون في اضفاء طابع الفلكلور عليها.

- وماذا ينفع المغرب سجن الكتب في المتاحف بدعوى الحفاظ عليها وتعطيل المكتبات والمدارس العتيقة وحتى مسجد القرويين بدعوى تراثها الخشبي والحجري؟؟

لقد وصل الافلاس الثقافي الدرجة الصفر للوعي الاجتماعي بوزارتنا “المثقفة”  إلى حدود امضاء اتفاقية مع اتصالات المغرب يتم بموجبها تمويل مشاريع دعم الفنون الشعبية. فأي محطة ثقافية يعيشها المغرب وأي حاجة ثقافية نحن محتاجون إليها.

وتزداد الأزمة تفاقما عندما يتعصب لهذا الخط رئيس اتحاد كتاب المغرب الحالي ويسمح لنفسه بجعل العيطة مشروعا وطنيا وحاجة ماسة بل ويدخلها في مقارنة وقحة مع الحالة الفلسطينية وجهادية الانتفاضة.

لقد أدى الافلاس السياسي بالمغرب وحمى الانتخابات إلى تعهير كل ايجابي واحياء كل سلبي وتضخيم كل محلي من أجل اغراق البلد في الجهل والاقصاء وتحقيق أغراض سياسية وانتخابية ضيقة، ويبقى كل انعاش أو حتى مشاركة في هذه اللعبة السياسية وخطوطها اغتيالا للثقافة وعالم الأفكار أي لوعي المجتمع وروحه. وكذلك يبقى كل ا نزواء في عالم العلم المتخصص دون استثمار ثقافي له وتوظيف مجتمعي اغتيال آخر واغترابا في الذات.

إن وطننا الحبيب في مرحلته التجديدية هذه في حاجة إلى تجديد فكره وثقافته وكذا احياء عالم الأفكار في مختلف جنباته ومؤسساته، فالفكرة هي خُلق الفعل ومعياره وهي وعي المجتمع ومستقبله، كما نحن في حاجة إلى حياة ثقافية فاعلة متفاعلة عبر الكتاب والمقال والمحاضرة والندوة والشريط وغيرها من أجل إعادة الاعتبار للمثقف وسد الطريقأمام سماسرة الثقافة ومقاولي الفكرة من أمثال الوزير والرئيس وكل أولئك المثقفين ا لذين باعوا هويتهم الثقافية هذه (مبدأ ، نقد، تغيير) وأصبحوا مجرد تقنيين لدى محترفي السياسة.

إن لنا قضايا ثقافية حقيقية ذات أولويات من مثل الهوية والبحث العلمي والأخلاق و التنمية والابداع والشرعية وغيرها، أما قضية العيطة وغيرها من مشاريع السيد الوزير فهي مجرد جولات سياحية وحملات انتخابية وجرائم تفسيخية.

مصطفى مدني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>