توسمات جارحة


مضى على المرأة حين من الدهر, ولم تستطع بعد أن تحقق معنى تحررها. بل إن قضيتها منذ أن وعتها ألسن وهي تتدحرج ذات اليمين وذات الشمال, تنغمس في مستنقع مليء بالتناقضات المخزية, تثير جدلا يدوي ويخفت حسب متطلبا الساحة السياسية والفكرية، دون حسم علمي نابع من ثوابت الأمة.

قد تتناثر صرخات هنا وهناك مسكونة بهَمّ القضية وحزنها وألمها. لكن، أَوَ تكفي الصرخات لانتزاع سكين موغل في الجسد المنخور بشتى ألوان القهر والكبت والعذاب؟ أَوَ ينفع تشطير الإنسان نصفين دون أن يلفظ أنفاسه؟  أَوَ يجدي الاستغراق في التجزيء المخل بأساسيات مفهوم التحرر؟,..

تساؤلات تتمطط وتلحق بأصلها المعلق منذ أجيال: “لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟”، ونحن سادرون في الغي أو الصمت أو الحزن أو الغضب، دون مساس بالتمرد الجذري الذي قد يحدث تغيرات جوهرية في بنيات المجتمع, أو القبض على جمرة التحدي في مواجهة قضايانا ونحن ممتلكين للأدوات المعرفية والمنهجية والعلمية..

وتظل المرأة رغما عنا- إلا من رحم ربك- تغوص في حمأة التهميش و اللامبالاة والعنف والتخلف والأمية وتصيد كل ما يأتي من الضفة الأخرى من قشور المدنية دون إخضاع تلك المدنية للأسس الحضارية أو محك الإنسانية ، كما تظل – رغما عنا أيضا – تربي وتعلم وتوجه براعم المجتمع ورجاله ونسائه وهي تلهث وراء آخر تقليعات العري والعهر سواء في الفكر أو الثقافة أو السياسة أو في الحياة برمتها …واقع مر مؤلم ، يقترن بالجهل والاستخفاف، واستعداد مستمر لتقبل التبعية والإذلال والاستعباد، والتأقلم مع مرارة الواقع بكل إحباطاته وتخلفه وتغربه، كما يقترن بالصراع الخفي والمعلن وغض الطرف عن التكامل والتشارك في التنمية والبناء. ثنائية لا تفلت منها أي امرأة مهما تعلمت أو بلغت أعلى المناصب ، مهما قيل عن الدفاع عنها وعن حمايتها، وكأنها قاصر تحتاج إلى حماية ودفاع ، أو قيل عن إحقاق مساواتها مع الرجل ، وكأن هذه  المساواة  لم تثبت بنص شرعي  لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه مند قرون . ثنائية تتغلغل في ثنايا حياة كل امرأة متعلمة أم أمية ،تعيش في البوادي أم في الحواضر ، غنية أم فقيرة ،تنشب أظافرها في وجه كل وعي ممكن بأسلوب يختلف حسب الظروف والحالات.

وتتناسل تساؤلات أخرى ممضة ، تحلق كل مجموعة منها في فضاء مخنوق وتحاول جاهدة الانطلاق: هل تدرك المرأة فعلا معنى التحرر؟ هل تدرك أنه قطع أسلاك التخلف ،كل مظاهر التخلف والجاهلية؟ أنه قص أجنحة العادات والتقاليد الحاجبة لنور الحرية؟ أنه انتزاع الكره لأنفسنا من أعماقنا الذي يسيطر على كل العائلات ونبذ الحقد والنميمة وإتقان لغة الحب بيننا ؟ هل تعي أن فقه الذات والواقع والعمل على تغييرهما وترشيدهما من كل أنواع الاستغلال والاستعباد والانهزام وما ينتج عن ذلك من ارتباط بالهوية الحضارية أسمى مفهوم للحرية يمكن أن يصل إليه إنسان؟

أما آن للمرأة أن تتحمل مسؤوليتها من غير وصاية دون أن يعني ذلك الصراع أو عدم التعاون أو نسف مبدأ التشاور ؟ أما آن لها أن تدفع كل أشكال السلبية والضعف والتواكل وانتظار حلم قد لا يأتي بالعلم والثقافة والقيم والإنتاج والإتقان؟

عسى أن ندخل فعلا عهد النهضة ونعانق معنى التحررالفعلي.

وإلى العدد القادم بحول الله

تكتبها : الأديبة سعاد الناصر

(أم سلمى)

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>