مقدمة :
إن الطفولة هي أساس كل شيء والخميرة التي نصنع بها مستقبل المجتمع، والطفولة هو ذلك الحلم المنشود لأية أمة تبحث عن الرقي والازدهار، والطفل كائن بشري غير أنه ضعيف، يطل على العالم وهو لا يستطيع الاستمرارية في الحياة دون العناية اللازمة، والاهتمام الدّؤوب من الآخرين وبالأخص والديه، والطفولة هي تلك المرحلة التي يمر بها الانسان منذ الولادة وتنتهي مع بداية مرحلة الشباب -أي دون 18سنة- وفي تعريف آخر : أولئك الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، وهذه المرحلة أساسية في بناء الفرد والتي تتطلب رعاية وعناية خاصة لتحقيق نمو متكامل واكتساب شخصية سوية، وما تربية الأبناء إلا فرعاً من تربية الفرد الذي يسعى الاسلام إلى إعداده وتكوينه ليكون عضوا نافعا وصالحا للحياة ومتحملاً لمسؤوليته في المجتمع.
فإذا كنا نريد أن نربي أطفالنا تربية إسلامية سليمة فمن البداهة أن يكون لنا البيت المسلم والشارع المسلم والمدرسة المسلمة والمجتمع المسلم.
والبيت أو الأسرة هي المؤثر الأول وهي أقوى العوامل جميعا وذلك بحكم التصاق الطفل بها وقضائه أطول فترة من طفولته في إطارها، وهذا يلزم الأب والأم أن يكونا مسلمين بالمعنى الحقيقي للإسلام لأنهما لا يستطيعان أن يعطيا إلا من الرصيد الذاتي لهما ففاقد الشيء لا يعطيه، فكيف ينشئون غيرهم على الإسلام (أي الأبناء)
(ويدخل في إطار التأثير الإيجابي في سلوك الطفل كل مرب أو منشط أو معلم أو موجه يحب الخير لهذا الطفل ويراه عماد المستقبل.)
من الضروري أن يعرف الآباء والمربون على حد سواء علم سيكولوجية التوافق وذلك في إطار علم الصحة النفسية للطفل وهذه العلوم ستساعدهم على تربية أبنائهم وبالأخص كل ما يمكن أن يقعوا فيه من أخطاء. يقول الدكتور مصطفى فهمي معرفا بهذا العلم : >علم سيكولوجية التوافق : تقبل الفرد لذاته وتقبل الآخرين له، بحيث يترتب على هذا كله شعور بالسعادة
أ-خصائص السلوك الايجابي عند الطفل :
ويتميز بما يلي :
1- قدرة الطفل على تحكمه في ذاته
2- شعوره بالمسؤولية وتقديرها
3- المحبة في التعاون والبناء
4- العطاء والبذل والسخاء
5- الطموح وعدم اليأس
6- قدرته على مواجهة المشاكل وحلها
7- المساهمة في تقدم مجتمعه
8- الاهتمام بالآخرين ومحبتهم والثقة بهم
9- المرونة في مواجهة الواقع
10- احترام الغير
والسلوك الايجابي بهذه الخصائص المتميزة من شأنه أن يحقق التوافق الشخصي للفرد مما ينتج عنه : حياة خالية من كل انفعال واضطراب نفسي وغيره.
ب – أسباب عدم التوافق عند الأطفال :
إن العوامل النفسية والاجتماعية هي من أهم الأسباب الجوهرية في إحداث الاضطرابات الوظيفية المتعددة والتي تؤدي إلى سوء التوافق عند الطفل، وهذه العوامل تكون بفعل الوراثة من جهة والتربية غير الصالحة من جهة أخرى ، وقد دلت بعض البحوث أن عدة مواقف تكون مصدرا للاضطراب النفسي أو سوء التوافق لدى أغلب الأطفال بالخصوص وأغلب الناس عموما ونجمل هذه المواقف في :
< كل ما يمس كرامة الطفل
< فقدان المركز الاجتماعي
< الشعور بخيبة أمل
< العقوبة دون استحقاق
< المنع التعسفي في تحقيق ما يريد
< الأعمال التي تثير وخز الضمير…
وهذه العوامل وغيرها كثير هي التي تؤدي إلى الأمراض النفسية والاضطرابات العصبية الظاهرة منها والمتخفية التي أحيانا لا تظهر إلا في مستقبل حياة الطفل وربما تبقى معه طول حياته.
ج- أنواع عدم التوافق عند الأطفال :
تنقسم هذه المشاكل التي يقع فيها الطفل إلى 3 أنواع :
-مشاكل جسمية -مشكلات سلوكية ومشكلات انفعالية
فالأطفال عموما يتعرضون إلى مجموعة كبيرة من الأخطاء ترجع بالأساس إلى سوء الرعاية والتربية والتنشئة، وينشأ عن هذا ظهور علامات وأضرار منها : التبول اللاإرادي، مص الأصابع وأكل الظفران، الأرق (جسمية) السرقة، الكذب، التمرد، الخيانة(سلوكية).
دراسة في العدوانية والغضب عند الطفل
أ- مفهوم العدوانية في سلوك الطفل :
يطرح في علم النفس والتربية : أن العدوانية حالة طبيعية في الإنسان وهو أن كل فرد منا له استعداد عدواني بوجود خطر يهدده فيدافع عن نفسه من عدوانية الآخرين (وهذه عدوانية طبيعية)
ولكن يرى المحللون أنه يمكن تحويلها وتبديلها بالتجربة والتربية.
والغضب هو حالة البداية في العدوانية، فيكون الغضب حسب الأعمار وحسب نوع الإثارة، فيبدأ الغضب بالضيق وينتهي بالتمزيق والتدمير والضرب والسباب والهياج….. والعدوانية هو صراع يحدث عند الطفل من داخله وذلك لتأكيد وتثبيت وجوده أمام الآخرين ولو كانوا أقرباءه، ولذلك تكون العدوانية تارة موجهة نحو النفس بإيذائها وتعريضها للخطر وتارة نحو الآخرين، وحالة الغضب هي ظاهرة انفعالية تصاحب الطفل من الولادة إلى الممات، وهي خلق متأصل في الإنسان منذ الولادة، ومن الخطأ أن نعد الغضب من الظواهر المستقبحة والتي لا يمكن أن تقع لأن الله لما خلق الإنسان ركبه بغرائز وميولات ومشاعر وفطر وذلك لحكمة بالغة ومصلحة محققة.
ب- دواعي وأسباب العدوانية عند الطفل:
تختلف الأسباب والدواعي باختلاف حياة الانسان ودرجات نموه ومصدر السبب : (البيئة-الأسرة-العمل-الدراسة-الجيران….) وتكون فرص العدوانية أكثر كلما كان هناك تباين بين الطفل وبين الآخرين ونجمل هذه الأسباب في :
- إجبار الطفل على القيام بعمل لا يحبه وغير مقتنع به ولا يريده
- صعوبة إنجازه للمهام سواء كانت دراسية أو تقنية أو يدوية
- عدم استيفاء حاجاته الجسدية (كالجوع والإرهاق والأرق…)
- كثرة الأوامر الزجرية من الكباربدون تعليل (لا تفعل كذا….. لا تقم)
- تقييد حريته في ألعابه ولعبه ووقته الحر وممتلكاته….
- التعارض بين أوامر الأبوين : الأم تقول شيئا والأب يوبخ الابن على الفعل
- قلق الأهل وعصبيتهم الناتجة عن سوء التفاهم أو سوء الحالة الاقتصادية…
- ضيق المنزل وارتفاع عدد أفراد الأسرة مما يسبب الصخب والازعاج
- الخصام بين الزوجين أمام الأبناء
- الغيرة والتفاضل في الميل والعطاء بين الأبناء
- عدم الوفاء بالعهود تجاه الأبناء من طرف الآباء (وعدهم بالجائزة مثلا عند النجاح في الامتحان وعدم الوفاء وهكذا)
- أسباب تافهة وبسيطة تختلف من شخص لآخر
جدول ألفاظ وتعابير عدوانية حسب السن
إحصاء نسبة العدوانية بين الذكور والإناث
ملحوظة : تقل حدة العدوانية والغضب عند الأطفال عادة بتقدم سنهم.
العلاج (توجيهات عملية)
حينما نتكلم عن العلاج فإننا لابد من تهييء الأجواء والظروفالمتوازنة في البيت لكي لا تقع دواعي العدوانية والغضب (فالوقاية القليلة خير من الكثير من العلاج) ونذكر بالأمور التي يجب أن تتوفر في الأسرة المسلمة حتى لا يقع الطفل في هذه المشكلة وغيرها :
- التفاهم بين الزوجين على تربية الأبناء
- وجود العطف والحنان بين الكل في الأسرة الواحدة
- وجود حد أدنى من الوعي بالدين والتربية الدينية
- توفير مطالب الأبناء الضرورية (الأكل، الملبس، الدراسة….) قال، >كفى بالمرء إثما أن يضيع ما يقوت< رواه أبو داود.
- الاستعجال في معالجة الطفل إذا كان مريضا
>لكل داء دواء فإذا أصاب الدواء الداء برأ بإذن الله عز وجل <رواه أحمد ومسلم
- عدم إهانة الولد وتحقيره بكلمات مؤثرة وخصوصا أمام الآخرين >رحم الله والداً أعان ولده على بِرِّهِ< رواه ابن حبان
- اتصاف الأبوين (أو من ينوب عنهما) بالحلم والأناة وضبط النفس عند غضب الولد. >….ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب<
- عدم تدليل الطفل والافراط في شراء الأشياء له.>إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين< رواه أحمد
- إزالة أساليب السخرية والاستهزاء والتنابز بالألقاب وسوء الظن والتجسس من طرف الآباء والاخوة فيما بينهم.
- تقبيح العدوانية للأطفال والتحذير من عواقبها والتذكير بها دائما
- السماح للأطفال بالتعبير عن غضبهم ولكن ضمن الحد المعقول والمقبول
- تنمية مهارات الطفل وقدراته حتى لا يحس بالقصور
- الامتناع عن معاقبة الطفل أثناء الصدمة العصبية بهدف إسكاته (العقاب في هذه الحالة يطيل مدة الانفعال)
- تجنبه مشاهدة أفلام الإثارة (أفلام العنف والخوف)
- تحقيق رغباته التي يقبلها الأهل ويقرها المجتمع (عند العجز أسلوب التأجيل أحسن لمشاعر الطفل)
- الإشادة والتنويه بالاعمال التي يحقق فيها نجاحا وتقدما
- وفي الأخير يجب أن يدرب الآباء والمربون أبناءهم على التربيةالنبوية في التقليل والتسكين من حدة الغضب وهي :
- إذا كان قائما فليجلس وإذا كان جالسا فليضطجع
- اللجوء إلى الوضوء -اللجوء إلى السكوت
- التعوذ من الشيطان الرجيم عند الغضب.
المراجع المعتمدة :
-تربية الأولاد لعبد الله علوان
-منهاج التربية الإسلامية
-الأمراض العصبية والنفسية عند الطفل -بتصرف-
-التربية الإسلامية للطفل والمراهق
-كيف تفهمين نفسية طفلك؟
< عبد الحي بن عبد الجليل