تشكل علاقة المرأة بالمسؤولية والسلطة أحد المواضيع الأكثر إثارة للاهتمام في قضايا المرأة.. إن على المستوى الوطني أو الدولي. فالمسألة مرتبطة عندنا من جانب بصراع الأدوار الناتج عن اختلال الأدوار الاجتماعية الذي تشهده بلادنا منذ نصف قرن تقريبا والناتج بدوره عن التحولات الاقتصادية والسوسيوثقافية التي نحياها. ومن جانب آخر فهو ناتج عن الصراع على مناصب الشغل التي أضحت محدودة وأصبح التنافس بل الصراع حاداً جدا، ويتمظهر بتمظهرات جد مختلفة لعل أبرزها الصراع الجنسي.
في خضم هذا التوتر النفسي والاقتصادي والاجتماعي يتم إنتاج أطروحات وتمثلات واتجاهات عن المرأة وأدوارها وعلاقتها بالرجل والمجتمع، أقل ما يقال عنها أنها وليدة بيئتها وأنها أطروحات وتمثلات واتجاهات تتسم بنفس القلق والتوتر الذي أنتجها.. ولعل من أهم خصائص هذا التوترذلك الحرص المحموم عن الشرعنة والمشروعية إما باللجوء إلى النصوص الدينية أو المواثيق الدولية.
المرأة والإسلام… أو المسلمون والمرأة..؟ لقد أثار موقف الإسلام من المرأة جدلا كثيراً.. وتعارضت فيه أطروحات متعددة.. لكن جل هذه الأطروحات لم تكن تتناول هذا الموضوع من جانب البحث عن الحقيقة للالتزام بها.. بل كان بحثا عن مشروعية لموقف مسبق يتعسف على النصوص ويؤولها بحسب هواه.. لا فرق في ذلك بين مُدَّعٍ للحداثة أو مدع للأصالة.. فكلاهما حرص على صياغة “إسلام” على مقاسه.
الإشكال في نظري يرتبط إذن بنظرة المسلمين للمرأة.. كما هو الآن بعلاقة المد والجزر التي يقيمونها مع الإسلام -بتدينهم المنقوص.. بركامهم الثقافي.. بانبهارهم بالغرب.. بضياعهم الوجداني والنفسي.. وبرغبتهم أيضا في النهوض من جديد، ذلك أن الشخص المسلم يعيش حالة قصوى من القلق والتوتر النفسي تنعكس على تمثلاته واتجاهاتهوعلاقاته الأسرية والمجتمعية.
المنصب لا يصنع المسؤول :إن استقراء لموقع المرأة في الوظيفة العمومية أو في القطاع الخاص أو في الفضاء السياسي والجمعوي يبين أن نخبة من النساء بدأت تحتل مواقع متقدمة في مراكز القرار على اختلاف مستوياتها، على الرغم من استمرار ارتفاع نسبة الأمية والبطالة في صفوف النساء بشكل عام. لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هو هل تمارس المرأة مسئوليتها كاملة غير منقوصة بحكم منصبها؟.. هل هناك اعتراف بهذه المسؤولية والسلطة من طرف مرؤوسيها ورؤسائها على حد سواء؟.. إن التعميم في الجواب عن هذا السؤال سيكون مغالطة كبيرة، غير أن معايشة بعض الحالات يبين لنا أننا أمام مشكل ثقافي واجتماعي عويص ومعقد يقوم على تصورين اثنين:
- اعتبار المرأة كائنا قاصرا غير قادر على اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة، ومن ثم ُإن وجودها في المنصب لا يعدو أن يكون شكليا ليس إلا..
- اعتبار المرأة كائنا ضعيفا ومؤهلا للقيام بدور المقهور في عملية إعادة إنتاج القهر.. ذلك أن مجتمعا لا يرى في السلطة إلا علاقة قاهر بمقهور، يجهد أفراده أنفسهم في تقمص دور قاهرهم الذي يكون هو النموذج والقدوة..
إن التصورين السابقين يسمحان بتفكيك وتفسير مجمل الحالات التي تكون فيها المرأة غير مسموح لها بالقيام بمسئوليتها وممارسة سلطتها رغم وصولها إلى مراكز القرار عن كفاءة واقتدار..
ما العمل؟ يتطلب الجواب عن هذا السؤال الوعي بالقضايا التالية :
- أن المجمع المغربي يعيش حالة من التشظي على مستوى “الأنا” الجماعية.. مما يعكس أزمة هوية عميقة.. فطبيعة التحولات التي تشهدها البلاد وسرعة وتيرتها تحت تأثير عوامل خارجية بالأساس.. يجعل سؤال الهوية في مركز الاهتمامات، سلبا أو إيجابا، ويجعل البحث عن المرجعية، الواحدة أو المتعددة، أمرا يحظى بالأولوية. من هنا أهمية الجواب على سؤالالهوية.. وهو جواب يمكن أن ينفتح على أكثر من احتمال.
- التمييز بين ضرورة الاستجابة للمتطلبات الآنية والاستعجالية والمتطلبات الحضارية، ذلك أن تعقد الوضع الاجتماعي وتناوله تناولا سليما يتطلب منا الوعي بهذين المستويين على الأقل ومقاربته مقاربة متعددة الأبعاد.. فعمل المرأة مثلا يجب أن نتناوله بصفته مطلبا استعجاليا للمرأة باعتبارها مواطنة يعتبر الشغل، آ نيا، مسألة اضطرارية تتوخى من خلاله توفير حد أدنى من العيش الكريم وبصفته أيضاتصورا يعكس دور المرأة في المشروع الحضاري.
- الوعي بضرورة المشروع المجتمعي كإطار لحل مختلف المشاكل. لقد عانت قضايا المرأة من التجزيء والتبعيض.. ولم يتم تناولها في إطار نسقي متكامل مما أدى إلى تعارض وتناقض قضايا ما كانت لتتعارض.. فالهوية الفردية للمرأة تتعارض مع هويتها الجماعية.. وأدوارها الأسرية تتعارض مع أدوارها الاجتماعية.. وكينونتها واستقلالها يتعارض مع كينونة واستقلال الرجل.. إن المشروع المجتمعي حينما يتأسس على نظرة نسقية وتكاملية.. فإن هذه العناصر التي نحياها اليوم بصفتها متناقضة ومتصارعة ستصبح متكاملة فيما بينها.. بل أكثر من ذلك ستستمد قوتها من هذا التكامل.
- أهمية التنشئة الاجتماعية التي تعيد الاعتبار للإنسان، بصفته الكائن المكرم عند الله عز وجل {ولقد كرمنا بني آدم}، الإنسان الخليفة {إني جاعل في الأرض خليفة}، الإنسان الشاهد على عصره ومحيطه {كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} والمضمون الإنساني للرجل والمرأة على حد سواء الذي لا يتميز به الرجل عن المرأة ولا المرأة عن الرجل إلا بمعيار التقوى {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
خلاصة : إذا كان من المهم أن تصل المرأة إلى مواقع ا لقرار، فإن الأهم منه أن يعترف لها، بحسب كفاءتها، بأحقيتها في هذا الموقع وباتخاذ القرارات التي تراها مناسبة، أهم منه أن يعترف لها بكفاءاتها في ممارسة دورها، أهم منه أن توفر لها كل الشروط والضمانات لممارسة دورها وسلطتها بحكم منصبها ومن موقع مسئوليتها.
إن الاعتراف بالكفاءة، كفاءة المرأة والرجل على حد سواء، هو اعتراف بالمواطنة، وإيمان بالمساواة وتحرير للمجتمع من تراكمات ثقافية سلبية طالت بناه التصورية والاعتقادية وحكمت فهمه وممارسته للدين وأسست لعلاقته بمحيطه الأسري والاجتماعي.
لم تعد قضية التحرر اليوم، مطلبا خاصا بالمرأة بل أضحت مطلب مجتمع بأكمله.
ذ.ة بديعة اليوسي