ألم قلم: فندق للكلاب بعشرين دولاراً لليلة


كلاب هذا الزمان وقططه وخاصّة في المدن الكبيرة العالمية قُدر لها من العيش الرغد والحياة المرفهة ما لم يقدر لأسلافها، ولا لأولاد جنسها في العديد من المناطق من هذا العالم البئيس، بل إنها نالت من الحقوق، دون أن يكون عليها واجبات، ما لم ينله العديد من بني البشر في دنيا حقوق الإنسان ودول الحق والقانون والديموقراطية، ولذلك فإن العديد من الناس حينما يسمعون أن سباقاً دوليا للكلاب سيجري في باريس أو لندن أو واشنطن فانهم لا يستغربون، لأن إنسان تلك البلدان له حقوقه التي يضمنها القانون بل وحتى العرف والواقع، ولكن لو قيل لك أن هذا السّباق سيجري في الدار البيضاء أو في القاهرة أو حتى في احدى العواصم الثرية من عالمنا الإسلامي فإنك ستستغرب من ذلك، لأن انسان هذه البلدان تُفْرَضُ عليه واجبات دون أن ينال ما يقابلها من الحقوق، كحق الشغل والضمان الاجتماعي والتمريض فضلا عن حق التربية والتعليم والتكوين، بل حتى حق الترفيه عن النفس لا يجد إليه سبيلا، لانعدام المتنزهات العمومية، وما هو موجود منها لا يناسب إلا الكلاب والقطط الضالة، أما الكلاب موضوع حديثنا فهم من طبقة خاصة، يسكنون أفخم البيوت، وينامون على أوتر الأفرشة، يستحممون كل صباح، وربما كل مساء أيضا، يزورهم الطبيب يوميا ليطمئن على صحتهم وأنواع مأكولاتهم، دون أن يتكلّفوا هم عناء الذهاب إليه. وتأخذهم المربية أو الحاضنة لجولة في حديقة خاصة غير مسموح بها لبني البشر. ومن وسائل الترفيه، من تلفزيون للمشاهدة وكرات للعب، ومدارج للتسلق، ودون شك أن المسؤلين على هذه الغرف والبيوت فكروا في ربطها لاحقا بخطوط الهاتف وشبكة الانترنت، بعدما عجز الآخرون عن ايصالها لبني البشر في الأماكن النائية، بل وحتى داخل المدن الكبيرة.

ليس هذا من قبيل الخيال ولا الأحلام، ولكنه واقع في فندق خاص بالكلاب بدبي بالامارات العربية المتحدة، والخبر على ذمة العديد من القنوات الفضائية التي قامت بتغطية المكان واستجواب المسؤولين على هذا الفندق، الذين بيّنوا ما لهذا الفندق من أهمية في احتضان الكلاب حينما يكون أصحابهم على سفر أو في سياحة، ويقصدُ هذا الفندق كلاب من سائر مناطق الامارات وحتى من منطقة الخليج مع العلم أن سعر الغرفة الواحدة للكلب الواحد عشرون دولاراً أمريكيا فقط، وللقطة الواحدة خمسة عشر دولاراً فقط، كما أن المسؤولين على الفندق أوضحوا ما قاموا به من دور في توعية الناس حينما نظموا يوماً دراسيا حول الكلاب الضالة، وكأني بهم يريدون أن يقنعوا من لا كلب له أن يتخذ كلبا من هؤلاء الضالين حتى يتمكن أصحاب الفندق من بناء فندق آخر، وربما من رفع التسعيرة، مادامت المنافسة غير موجودة..

لا حول ولا قوة إلا بالله.. لوْلاً أن الخبر معزز بالصور وباستجوابات المسؤولين الحية لظننت أنه من قبيل “المزايدة الإعلامية”. لكن الخبر من قبيل المعاينة، وهو أمر يحزن القَلب، ليس من جانب أولئك الذين يستضيفون الكلاب، ولكن من جانب أولئك الذين يضيِّفون كلابهم في هذا الفندق من العرب المسلمين، حتى كأن أبواب الانفاق سُدّت أمامهم، ولم يبق إلا باب إسكان الكلاب في الفندق أثناء السفر، ودفع أجور لو جُمعت لكفلت يتامى وأرامل وجياع في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي. أو لسدّت لوعات العديد من المضطهدين في فلسطين والشيشان وكشمير وغيرها من بقاع العالم.. ولعل فندق الكلاب جزء من بعض مما يوجد في عالمنا العربي الاسلامي. فهنيئا لكلابنا الثرية في فنادقها الفخمة وتعْسا لكلابنا الضالة في طرقنا ومتنزهاتنا الضيقة العامة.

ولتتعجب شعوبنا العربية مما تتمتع به العديد من المخلوقات مما لا يحْلمون حتى في دنيا الأحلام.

د < عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>