الافتتاحية : إلى الله المشتكى من جَلَد الفجار


>ذكرى المولد النبوي< مناسبة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لكي يراجعوا فيها حساباتهم ومواقفهم من صاحب الذكرى الذي كان مولده ر حمة، ومبعثه إنقاذاً، وهجرته تأسيسا للأمة الإسلامية الخالدة. لعلهم يثوبون إلى رشدهم، فيستأنفون السير على مقتضيات الرسالة التي جاءهم بها صاحب الذكرى، ويتداركون التفريط والتقصير على مدى قرون وأحقاب وأجيال نامتْ فيها الأمة أكثر من نوم أهل الكهف وخُذِّرت بحبِّ الدّنيا أكثر من حُبِّ أهل الدنيا للدنيا.

ولكن تصدُّر الباطل للقيادة السياسية والإعلامية والتعليمية والأسرية لا يزداد إلا عتوّاً وتطاولا، وإمعانا في سلخِ الأمة عن هويتها، وتشويه معالم دينها.

إن الأمة بحاجة إلى معرفة الدين الذي جاء به صاحب الذكرى، والكتاب الذي تنزل وحْياً على صاحب الذكرى، والمنهج الذي سار عليه صاحب الذكرى حتى فتح القلوب المغلقة، ونوّر البصائر العُمْي، والأخلاق اللازمة للدّعوة التي أفنى فيها عمره صاحب الذّكرى.

كما أن الأمة بحاجة إلى قراءة تاريخها قراءة البصير الواعي، والناقد الأمين، لمعرفة محطَّات النهوض، ومحطات النكوص، محطات التجاوب مع الرسالة >الأمانة<، ومحطات التنكر للرسالة >الأمانة<، وكيف سادت أيام النهوض والتجاوب، وكيف عُوقبت أيام النكوص والتنكُّر ليكون من كل ذلك زادٌ تستعين به الأمة على النهوض من جديد أمام عولمة الكفر، وعولمة النفاق، وعولمة التآمر، وعولمة السجود والركوع للمادة، وعولمة التوحيش للإنسان والتَّقْريد والتّكْليب لمطامحه وغاياته.

إن الاحتفاء بصاحب الذكرى أصبح في عُرف المُبْطلين والمبطلات والسافلين والسافلات عبارة عن طبول ومزامير ورقصات تناسب إيقاع دفات الطبول ونغمات المزامير، وعبارة عن أناشيد وأشعار تكرِّس الوهم، وتنمِّي الخرافات، وتخدع الأمة بالأماني الباطلة.. كل ذلك لإشعار الأمة بأن القادة ورجال الإعلام والسياسة قد أدوا ما يجب عليهم إزاء هذه الذكرى، وإشعار الأمة بأنها قد أدت واجبها أيضا عندما طربت وفرحَتْ ورقصَتْ وغنَّتْ، فماذا يُطلب منها أكثر من ذلك؟؟

وهكذا يتولى المبطلون والسفهاء حقْنَ الأمة في مثل هذه المناسبات بحُقن التخدير والتمويت حتى لا تستيقظ أبدا، ولا تُبعث أبداً، فنعوذ بالله تعالى من جَلَد الفاجر وعَجْز الأتقياء البررة، ونعوذ بالله من سفاهة الجرآء على الله والرسول، وبلاهة الطيّبين الذين لا يحركون ساكنا، ولا يُسكِّنون شرّا متحركا، حجَب الله تعالى عنهم فقه سنّتِه الكونية المبثوثة في قوله سبحانه وتعالى : {واتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِبَنَّ الذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَةً}(الأنفال : 25).

أ. د. الشاهد البوشيخي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>