وقفات مع شعر المديح النبوي في الأدب المغربي


المدائح النبوية -كما يقول الدكتور زكي مبارك : “من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من ألوان التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص”(1)

 

ولقد كان ظهورها منذ البعثة النبوية، ونشأت وترعرعت في أحضان الدعوة الإسلامية، ذلك أن المسلم يتخذ من الرسول صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في شمائله وأخلاقه من مثل، التواضع، والحلم والوفاء والشجاعة والكرم، والصبر على الشدائد والمحن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الأخلاق الرفيعة، وقد سبق القرآن الكريم إلى التعبير عن هذا في صور بليغة وأسلوب رائع كقوله تعالى : {وإنك لعلى خلق عظيم} (2)، وقوله جل ذكره : {لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر}. (3)

ولا يقتصر شعر المديح النبوي على مدح الرسول  فحسب، بل تعداه إلى ذكر الأماكن المقدسة، ومعجزات النبي، يذهب الدكتور الجراري إلى أن ما قاله شعراء الرسول   يمكن أن يعد إرهاصا لفن جديد في الأدب العربي، طارئ على الإسلام، بل نستطيع أن نعتبر منه البيتين اللذين يقال إن عبد المطلب أنشدهما في لحظة ولادة محمد  ، وهما :

وأنت لما ولدت وأشرقت

الأرض وضاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء وفي

النور وسبل الرشاد نخترق

ويعد الكثير من الباحثين القرن السابع بمثابة العصر الذهبي للمدائح النبوية حيث أصبح الشعراء يُنْظِمُون قصائد خاصة بالمديح النبوي ذاته، وربما يرجع ذلك  إلى الازدهار الذي عرفه الفكر الصوفي في هذا القرن، وبذلك حقق هذا الفن استقلاليته وذاته، ومن أقطاب هذا الفترة البوصيري مع بردته وهمزيته التي مطلعها :

كيف ترقى رقبك الأنبياء

يا سماء ما طاولتها سماء

لم يُساووك في علاك وقدحا

لسنا منك دونهم وسناء

إنما مثلوا صفاتك للنا

س كما مثل النجوم الماء (4)

ولكن تمة قصائد قبل الهمزية والبردة بقرنين من الزمن كالقصيدة المعروفة بالشقراطيسية وصاحبها مغربي، وهذا ما يدفعنا إلى أن نلقي الضوء على المديح النبوي في الأدب المغربي.

إن المديح النبوي بالمغرب، ارتبط ارتباطا وثيقا بالثقافة الاسلامية، فقد نجد بدايته ترجع إلى عصر المرابطين الذين لم يبخل شعراؤهم بالنظم في هذا الفن، كما هو الشأن عند القاضي عياض ومحمد عبد الله بن يحيى الشقراطيسي صاحب القصيدة المعروفة ومطلعها (بحر البسيط)

الحمد لله منا باعث الرُّسُلِ

هدى بأحمد  من أحمد السبل

أما في العصر الموحدي فنبغ، في هذا الفن، ميمون بن خباز وله قصيدة في هذا الغرض مطلعها:

حقيق علينا أن نجيب المعاليا

لنفني في مدح الحبيب المعانيا

وهكذا ازدهر هذا النوع من الشعر بجميع ألوانه المتعددة في عهد المرابطين والموحدين وسار على هذا المنحى في القرن السابع الهجري فأصبح الشعراء في هذه الفترة مبتكرين غير مقلدين ويرجع انتشار الأمداح النبوية إلى باعثين :

1- الباعث الذاتي : وهذا الجانب له علاقة بنفسية الشاعر وشخصيته المفعمة يمحبة الرسول الكريم  والتغنى بنعوته وآثاره، وقد يصل هذا التشوق بالشاعر إلى مرحلة خاصة من السمو الروحي الصادرة عن إيمان صادق بالممدوح.

ب- الباعث الموضوعي : ويتجلى في عنصري الزمان والمكان، فقد كان الشاعر المغربي بعيدا عن الحرمين الشريفين فنتج عن ذلك اللهفة للوصول إليها والشوق والتعلق بالرسول  ، أما الظاهرة الثانية وهي الزمان فتتعلق بالقوة التي ظهر بها النصارى في القرن السابع في الأندلس وانهزام المسلمين وقد قضى هذا الحال من التمزق إلى الاحتماء بالعقيدة، وأملى ذلك على شعراء هذه الفترة التشفع بالرسول

ج- اهتمام المغاربة بالسيرة النبوية اهتماما بالغا حيث ألفوا فيها كتبا، مثل، نظم الدور المنظم في مولد النبي المعظم< هذا بالإضافة إلى تميز الثقافة المغربية بالطابع الاسلامي إلى درجة أصبح فيها العالم في العرف هو الذي يلم بالقضايا الفقهية والنوازل الأصولية.

إن هذه البواعث، وغيرها من العوامل الأخرى، ساهمت في إثراء الساحة الشعرية وخاصة شعر المديح النبوي.

فقد ارتبطت قصائد المديح النبوي بمناسبتين اثنتين :

الأولى : المديح النبوي عموما، وهذا الشعر لم يرتبط بمناسبة المولد الشريف، وهو عبارة عن حلقة من حلقات ابداع السلف بدءا من القاضي عياض في العصر المرابطي وميمون بن خباز في العصر الموحدي، وبزغ في القرن السابع الشاعر ابو القاسم العزفي، إذ يقول :

ذرية المصطفى إني احبكم

وحبُّكم واجب في الدين مفترض

ثم الشاعر ابراهيم التازي صاحب النونية ومنها قوله :

روحي وراحة روحي ثم ريحاني

وجنتي من شرور الانس والجن

وما مني وأماني من سعير لْطى

ذكرُ المهيمن في سر وإعلان

ومدح أحمد أحمى العالمين حمى

وذر المقام الذي ما قامه ثان

الثانية : الاحتفال بعيد المولد النبوي :

سوف لن نتطرق لتاريخ الاحتفال بالمولد النبوي وإلى من هم السباقون إلى الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة، ولكن ما يهمنا من ذلك هو ارتباط قصيدة المديح النبوي بهذه المناسبة والتي كان يتنافس فيها الشعراء في إظهار تعقلهم بالرسول الكريم والدعوة إلى العناية بهذه الذكرى التي عدها الشاعر ابن المرحل (مالك بن المرحل) من أعظم المواسم :

فحق لنا أن نعتني بولادة

ونجعل ذاك اليوم خير المواسم

وأن نصل الارحام فيه تقرب

ونغدو له مفطرين وصائم

وقد ظهرت في هذه الفترة قصائد التهاني المولدية : لتلقى ليلة المولد النبوي، وكانت تفتتح بالحنين إلى البقاع المقدسة، وتتناول مدح النبي  وذكر معجزاته ثم التخلص إلى مدح السلطان.

إن مضامين الأمداح النبوية الفياضة بالروح الدينية والشعور بالتعظيم، ومن تم جاءت صادقة ومعبرة عن روح ملأى بنشوة الاجلال والاكبار، فواحة بعبير التبجيل والتكريم، كما أن هذه المضامين كانت متعددة ويمكن تلخيصها فيما يلي :

1- مدح الرسول  وذكر مناقبه

2- المعجزات النبوية ومنها على سبيل المثال :

أ- انشقاق البدر

ب- الاسراء

جـ- نطق الحيوان والجماد

3- مكانته  بين الانبياء والرسل

4- التوسل والاستشفاع

5- انقاذ البشرية من الغواية والضلال

6- الاحتفال بمولده واظهار السرور

7- التشوق إلى الديار المقدسة عامة وقبر الرسول  خاصة

8- وصف النعال.

ولابد أن نقف مع هذا المضمون وهو وصف النعال أو النعاليات -كما يعرف-

فقد اهتمت كتب السيرة النبوية بهذا الأثر النبوي، فعرفتها وبينت صفاتها، ثم كيفية لبسها ونزعها كما اهتم أحمد المقري بهذه الأشعار وأفرد لها كتابه :”فتح المتعال في مدح النعال” وخصص لها جزءا من كتابه ازهار الرياض حيث أورد قول الشاعر مالك ابن المرحل :

ومما دعاني والدواعي كثيرة

إلى التشوق إن الشوق مما أكاتمه

مثال لنعلي من أحب حويته

فها أنا في يومي وليلي لا ثمه

كان مثال النعل محراب مسجد

فوجهي فيه شاخص الطرف دائمه

أمثله في رجل أكرم من مشى

فبصرته عيني وما أنا حالمه

وأربطه فوق الشؤون تميمة

لجفني لعل الجفن يرق أساجمه

ألا يأبى تمثال نعل محد

لطاب معاذيه وقدس خادمه

إن هذا الشعر وهو يتطرق إلى هذه المعاني المختلفة والتي تجمع كلها في دائرة المديح النبوي يؤكد مدى تمسك المغاربة بالاسلام وتشبثهم به.

—————

1- الدكتور زكي مبارك : “المدائح النبوية في الأدب العربي -دار الكتاب العربي- القاهرة-ص17

2- سورة القلم الآية 4

3- سورة الأحزاب الآية 22

4- عباس الجراري : “الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه”-مكتبة المعارف ج 142/1

5- محمد بن سعيد البوصيري : “ديوان البوصيري” تحقيق محمد كيلاني ط الثانبة 1973، ص1

(1) أنظر القصيدة كاملة ومخفقة في مجلة المناهل العدد 18 السنة 7 رمضان 1402 -يوليوز 1980، ص 22-31

بقلم : بلقاسم بوعزاوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>