فكرة إطلاق قمر صناعي لمراقبة هلال رمضان ماهو رأي الفقه في إطلاقه


قبل الإجابة عن السؤال، نؤكد أن الإجابة الدقيقة تتطلب دراسة متأنية ومعرفة مسبقة، إلا أن ذلك لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات الأولية انطلاقا من المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، وخاصة ما يتعلق بقواعد الصيام والإفطار ومبدإ ثبوت الأهلة ومنتهاها والتي نشير إليها فيما يأتي :

-1 إن الاسلام دين يسر وسماحة لا عسر فيه ولا حرج بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى : {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}(سورة البقرة)، وقال : {وما جعل عليكم في الدين من حرج}(سورة الحج)، وقال  : >إن هذا الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا  غلبه<(رواه أبو داود) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث العديدة.

-2 إن الأحكام الشرعية من صيام وغيره منوطة بأسبابها الشرعية التي نصبها الشارع علامة عليها توجد بوجودها وتنتفي بانتفائها، وأن هذا التلازم بين الأحكام وأسبابها تلازمٌ شرعيٌّ لا يملك الإنسان مهما أوتي من علم وجاه أن يفُك هذا الارتباط أو يعدله أو يغيّره أو يبدله، لأنه من وضع الشرع الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولهذا نسمي هذه الأسباب حكما وضعيا، أي وضعه الشرع.

-3 إن السببية حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي كما لا يثبت الحكم التكليفي إلا بدليل شرعي، ولا يصح نصب شيء سببا لحكم شرعي إذا لم ينصبه الشارع، ولا القولُ بأن هذا الشيء بعينه هو سبب الحكم الفلاني إذا لم يدل الدليل السمعي على اعتباره سببا له. ولهذا يقول الأصوليون في تعريف السبب : “هو كل وصف ظاهر دل الدليل السمعي على كونه معرفا لحكم شرعي”.

-4 إن الأسباب الشرعية يجب أن تكون ظاهرة في متناول المكلفِ معرفتُها و الاطلاع عليها ليهتدي بها إلى الحكم الشرعي المكلف به وجودا وعدما، ولا يجوز تعليق الأحكام الشرعية بالأسباب الخفية التي يتعذر الاطلاع عليها أو تعْسر معرفتها لانتفاء الحكمة من وضعها سببا.

-5 إن الاسلام ربط صيام رمضان والإفطار منه برؤية هلال رمضان وهلال شوال، كما ربط ثبوت باقي الشهور برؤية أهلتها كما دل على ذلك الكتاب والسنة والاجماع قال الله تعالى :{يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}، قال ابن عباس رضي الله عنهما : >علامات للناس لقضاء دينهم وعدة نسائهم وصومهم وافطارهم<.

وقال  في شأن رمضان : >صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين<(رواه البخاري من حديث أبي هريرة).

وفي البخاري أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : >لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له<.

وفيه أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما : >إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له<.

فقد علق الرسول  الصوم والإفطار في هذه الأحاديث على رؤية الهلال كما يدل على ذلك قوله في الحديث الأول لرؤيته، وقوله في الحديث الثالث >إذا رأيتم الهلال<، وقوله في الحديث الثالني >حتى تروا الهلال< فإن اللام نص ظاهر في التعليل وكلمة “إذا” في الحديث : >إذا رأيتم< نصُّ ظاهرٌ في الشرطية، والقاعدة الأصولية تقول : “إن الشروط اللغوية أسباب شرعية”، والتفرقة بين النهي عن الصوم والإذن فيه بالرؤية في قوله >حتى تروه< يدل بطريق الإيماء على سببية الرؤية في وجوب الصوم والإفطار، كما يقول الأصوليون ومن هنا انعقد الإجماع على ربط الصوم في رمضان والإفطار منه برؤية الهلال دون سواها.

قال القرافي في الفرق الثاني والمائة : وأما الأهلة فلم ينصب خروجها من شعاع الشمس سبباً للصوم بل نصبَ  رؤية الهلال خارجا عن شعاع الشمس هو السبب فإذا لم تحصل الرؤيةُ لم يحصل السبب الشرعي ولا يثبت الحكم.

وقال ابن رشد في البداية : أجمع العلماء على أن الشهر العربي يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين، وعلى أن الاعتبار في تحديد شهر رمضان، إنما هو الرؤية لقوله عليه الصلاة والسلام : >صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته< وعَنَى بالرؤية خروجَهُ وظهوره بعْد السَّواد.

-6 إن الرؤية المعتبرة شرعا هي الرؤية البصرية، لأنها التي تسمى رؤية في اللغة والعرف والمعنى الحقيقي للرؤية، واللفظ محمول على عرف المخاطب وعلى الحقيقة دون المجاز، ولأن النصوص الشرعية : ألفاظ القرآن والسنة، يجب حملها على معانيها اللغوية وحقائقها حين نزول القرآن وورود السنة ولا يصح حملها على المعاني المستحدثة بعدها لأنها لم تكن معروفة عند المخاطبين ولا يجوز خطابُهُم بما لا يعرفون ولا تكليفهُمْ بما لا يعلمونه، ولا يفهمونه لأنه تكليف بالمحال وهو لا يجوز و لم يقع في هذه الشريعة.

-7 أنه في حالة تعذر الرؤية البصرية لأسباب جوية يجب إتمام الشهر الحالي وإكماله ثلاثين يوما كما قال  في حق شعبان : >فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين<(رواه البخاري)، وكما قال في حق رمضان : >فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم افطروا<، وقال  : >جعل الله الأهلة مواقيت للناس، فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما<(رواه الحاكم وصححه البيهقي)، وهو شامل لهلال رمضان وشوال ولشهر شعبان ورمضان لوروده بعدهما. والشرط الوارد بعد جمل يجب رجوعه لها كُلِّها، فيجب اتمام كل من شعبان ورمضان في حالة الغيم لهذا الحديث، وللقاعدة الأصولية : أن “ما دُخل فيه بيقين لا يخرج منه إلا بيقين”.

-8 أنه لا اعتداد في هذا المجال بعلوم الفلك والتنجيم ولا اعتماد على ما تقرره من تمام الشهر وبقائه، لقوله  : >فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين<، ولم يقل فاسألوا أهل الفلك والحساب خلافا للرافضة ومن وافقهم فإن ذلك لا يصح :

أ) لأنها غير قطعية.

ب) لأنها غير متيسرة للعموم، فلو ربط بها الحكم لكان فيه ضيق وحرج.

جـ) لأنها لو رُبِط التكليف بها لوجب على الناس تعلمها وتعليمها لقاعدة : >المَقْدور الذي لا يَتِمُّ الواجِبُ المُطلقُ إلا به واجِبٌ< وهو خلاف الاجماع المنعقد على عدم وجوب تعلم ذلك وتعليمه، واختلافهم في جواز ذلك ومنعه إلا بمقدار ما يعْلَم به القبلة وأوقات الصلاة.

د) لأن القول بالرجوع إلى ذلك والاعتماد عليه في معرفة دخول الأهلة و بقائها مخالف لنصوص السنة واجماع السلف الصالح كما قال الباجي(الفتح : 127/4).

-9 إن المبالغة في الاحتياط لرمضان والحرص عليه واستعجال صيامه قبل التأكد منه برؤية هلاله أمر غير مشروع، ونوع من الغلو في الدين والتنطع فيه المنهي عنه في العبادات بصفة عامة، وفي رمضان بصفة خاصة، فقد قال  : >صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحابة أو غيابة فكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالا<، وقال : >لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم<(رواه البخاري)، قال الحافظ ابن حجر : قال العلماء معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نيّة الاحتياط لرمضان، ونقل عن الترمذي قوله : والعمل على هذا عند أهل العلم، والحكم في ذلك كما قيل هي أن الشارع علق الصوم على الرؤية، فمن تقدمها فقد حاول الطعن في ذلك الحكم والاعتراض عليه.

وانطلاقا من هذه القواعد والمعلومات نسجل الملاحظات التالية :

-1 أن اطلاق القمر الصناعي لمراقبة هلال رمضان وغيره من الأهلة عمل غير ضروري وغير محتاج إليه للاستغناء عنه بالرؤية المعتادة التي ربط الاسلام الصوم والافطار بها وعمل بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها منذ فرض الله الصيام إلى الآن، مما يشكل اجماعا عمليا على الاكتفاء بالرؤىة.

-2 أنه عمل مكلف بنفقاته الباهظة وخبرته المعقدة وغير متيسر للعموم ومتوقفعلى الأجنبي، ومعرض للعطب، فهو بذلك يعتبر انتقالا من اليسر الذي جاء به الاسلام إلى العسر الذي نهى عنه، وتحول من السهولة إلى الصعوبة ومن التخفيف المرغوب فيه إلى التشديد المرغوب عنه، واختيارٌ للمسلك الوعر على الطريق الذلول، وايثار للمشقة على التيسير وذلك كله لا ينسجم مع مبد إ الإسلام من مُراعاة التخفيف والتيسير في تشريع الأحكام والوسائل والحث على الاقتصاد في انفاق المال والنهي عن تبذيره فيما لا ضرورة ولا حاجة إليه كما قال تعالى : {يريد الله أن يخفف عنكم<(النساء)، {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما}الفرقان).

-3 أنه عمل غير مأمور به ولا مرغوب فيه وتكلف وتكليف بما قام الدليل على اعفاء المسلمين منه وعدم تكليفهم به في حديث : >إنّا أمَّة أمّية لا نكتُب ولا نحسُب، الشهر هكذا وهكذا، يعْنِي مرة تِسْعاً وعشرين ومرّة ثلاثين<(رواه البخاري).

فنبه الرسول  بقوله : >لا نكتب ولا نحسب< على إعفاء المسلمين من مسؤولية تتبع أحوال الهلال بواسطة الحساب والاكتفاء منهم برؤيته أو إكمال الشهر ثلاثين يوما، ولم يكلفهم في هذا الموضوع بتعلم علوم الفلك وحساب سيْر الأهلة ولا سؤال أهل العلم بذلك لأنه غير مُتَيسر لهم.

ويعلم من عدم تكليفهم بذلك عدم تكليفهم بإطلاق الأقمار الاصطناعية لمراقبة الأهلة من باب أولى وأحرى.

-4 أنه مخالف لظاهر حديث، (ولا تستقبلوا الشهر استقبالا)، فإنه عام في كل استباق ومبادأة بالصوم قبل أوانه الطبيعي، ولعل من أبرز مظاهر الاستباق، التحليق في الأجواء العليا واقتحام الفضاء وارسال الأقمار الاصطناعية للتجسُّسُ على الهلال ومراقبته والتقاط صورته في الأحشاء قبل ظهوره للعيان لدى أهل الأرض. وقبل ابتعاده عن شعاع الشمس أشْبَهُ ما يَكُون بعملية قيصرية قبل إبانها.

-5  أن الاعتماد عليه والرجوع إليه في ثبوت الهلال بدل الرؤية البصرية العادية يؤدي الى إلغاء السبب الشرعي الذي دل الكتاب والسنة والإجماع على سببيته وإحْداث سبب جديد لا دليل على سَبَبِيَّتِه، أو قاَم الدليل على عَدَمِ اعتباره في حديث >لا تَصُومُوا حتَّى تروْهُ ولا تُفْطِروا حتى تَرَوْهُ< والرؤية عند الاطلاق ظاهرة في الرؤية البصرية المعتادة بعد خروج الهلال من شعاع الشمس.

-6 يبقى السؤال المطروح بعد هذا، هل تُعَدُّ الرؤية الثابتةُ بالقمر الصناعي في حالإاطلاقه رؤية كافِيةً في ثبوتِ الهلال، وتترتَّبُ عليها أحكامها؟؟ أم تُعْتَبر رؤية غير كافية ولا مُعْتبَرة شرعاً، فلا يجبُ بِها صَوْمٌ، ولا يحِلُّ بها فطر، ولا يترتَّبُ عليها أثر شرعي؟؟، هناك احتمالان أو اتجاهان :

الاحتمال الأول : إلغاؤها وعدم الاعتداد بها

واعتبارها كأن لم تكن وهو الاحتمال الأقوى والأرجح ويدل له عدة أمور :

الأمر الأول : ما سبقت الإشارة إليه من أن الرؤية حقيقة هي الرؤية البصرية بالعين المجردة واللفظ محمول على الحقيقة دون المجاز.

الأمر الثاني : القاعدة الأصولية التي تقول : الصورة النادرة غَيْرُ داخلة في العموم ولا يتناولها لفْظ العامِّ بعُمُومه ولا تُعْطى حُكْمَهُ، خلافا للشافعية القائلين بدخولها، وبناء على هذه القاعدة فإن هذه الرؤية لا تدخل في عموم >صُومُوا لرؤيته.< لانها رؤية نادرة والنادر لا يتناوله العموم.

الأمر الثالث : تفرقة الفقهاء في كثير من أبواب الفقه، وخاصة في العبادات، بين السبب المعتاد والسبب غير المعتاد. فاعْتَبَروا الأسباب المُعْتادة ورتَّبُوا عليها آثارها وألْغَوا الأسباَب غير المُعْتادة ولم يُرتِّبُوا عليها أيّ أثر من آثارها.

من ذلك تفرقتهم في الطهارة بين الحدث المعتاد والحدثِ غير المعتاد، والمخْرج المُعْتاد وغير المُعتاد، والخروجُ المعتاد وغير المعتاد في نواقض الوضوء، فأوجبوا الوضوء من المُعْتاد، ولم يُوجبوه من غير المعتاد. وفي موجبات الغسل فرَّقُوا بين خروج المني بلذة معتادة وبين خروجه بغير لذة أو لذة غير معتادة، فأوجبوا الغسل من المعتاد ولم يوجبوه في غير المعتاد، وكذلك فعلوا في مُبطلات الصوم وموجبات الكفارة، حيث فرقوا بين المَنْفَذِ المُعتاد وغير المعتاد، وفي مفسدات الحج سلكوا نفس المسلك في الوطء والإنزال. وفي الحيضِ فرَّقُوا بين المُعتاد وغير المعتاد، (الاستحاضة) في الطهارة والوطء وغيرهما من أحكام الحيض، وفرقوا في الغبن بين المعتاد وغير المعتاد وأشياء أخرى كثيرة، ومقتضى القياس على هذه الأشياء إلغاء الرؤية بالأقمار الصناعية لأنها غير معتادة كما ألْغِيت الأسبابُ غيرُ المعتادة في الأبواب السابقة.

الأمر الرابع  : القاعدة الأصولية التي قررها الشاطبي وغيره من وجوب “حمل ألفاظ الشارع على الحقائق والمعاني التي كانت تستعمل فيها وقت نزول القرآن وورودالسنة”. وهي في هذا الموضوع الرؤية البصرية بالعين وليست بواسطة الأقمار الاصطناعية.

الأمر الخامس : أنه لا يعرف عن الأقدمين ولا المتأخرين استعمال المراصد لمراقبة هلال رمضان وغيره رغم توفرها في البلاد الإسلامية وتوفر الأطر المسيرة لها والعالمة بأمورها، ورغم حرص المسلمين على مراقبة هلال رمضان وغيره، مما يوحي بأن هناك إجماعا عمليا على عدم الاعتداد بغير الرؤية المعتادة التي توارثها المسلمون جيلا بعد جيل وإلا لنُقِل ذلك.

الأمر السادس : أن سنة الله في شريعته أن ينيط أحكامها بأسباب ظاهرة متيسرة يمكن لعموم المكلفين الاطلاع عليها ومعرفتها ليمكن لهم تنفيذ الحكم المترتب عليها عند التأكد من وجود سببه.

وغير خفي أن الرؤية بالأقمار الاصطناعية متعذرة إلا على القليل وربما بمساعدة جهات أجنبية كافرة تستفيد من أموال طائلة مقابل اطلاق ذلك القمر بصاروخها والوسائل المحرمة لا يجوز شرعها ولا يترتب عليها أثرها عند وقوعها.

الأمر السابع : أن الأسباب الوقتية كالزوال وظهور الهلال غير معروفة المناسبة بينها وبين أحكامها المترتبة عليها، وتعد سببيتها لها من التعبدات المحضة التي لا مجال فيها للقياس والاجتهاد. وحسب الفقيه فيها التقيد بالنص الوارد فيها والوقوف معه، ولا يحق له تجاوزه للجهل بحكمته وسر العلاقة بين الحكم وسببه، وإن عرفت حكمة الحكم نفسه وفي حد ذاته كحكمة الصوم والصلاة فإنها معروفة في ذاتها، ولكن يبقى لماذا الصوم في رمضان دون غيره ولماذا الصلاة عند الغروب دون الشروق مثلا؟ هذا ما لا يعرفه العقل البشري ولا يصل إليه، وهو ما يمنع من الاجتهاد والقياس في هذا النوع من الأحكام والعبادات.

الأمر الثامن : ما يؤكده الفلكيون من استحالة رؤية الهلال في جميع أطراف الأرض في وقت واحد وأنه إذا رؤي في بلد لا يتعين رؤيته في بلد آخر.

الاحتمال الثاني : الاعتدادبالرؤية بالقمر الصناعي

مثل الاعتداد بالرؤية البصرية بالعين المجردة وتنزيلها منزلتها في ترتب آثارها عليها، ويمكن توجيه هذا الاتجاه بما يلي :

-1 عموم حديث >صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته< بناء على دخول الصورة النادرة في العموم وهو رأي الشافعية وصححه في جمع الجوامع حيث يقول : والصحيح دخول النادرة وغير المقصودة تحْتَهُ.

-2عموم قوله تعالى : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} بناء على أن معنى شهد علم، فإنه يشمل طرق العلم كلها بالرؤية المجردة أو بواسطة القمر الصناعي.

-3 الحكمة من تعليق الصوم والافطار بالرؤية هي التحقق من دخول الشهر الجديد وانصرام الشهر الحالي، وهي موجودة مع الرؤية بالقمر الصناعي، فتُعْطي حُكْمَ الرؤية بالعين المجردة وتُلْحق بها بطريق تنقيح المناط.

-4 الحكمة من الأمر بإكمال الشهر الحالي ثلاثين يوما في حالة الغيم هي رفْعُ الاختلاف والشك والتحقُّقُ من انتهاء الشهر الحالي قبل الدخول في أحكام الشهر الموالي، وهي حكمة موجودة مع الرؤية بالقمر الصناعي فلا تبقى حاجة إلى الاحتياط ورفْع الشك باتمام الشهر ثلاثين.

-5 أن الصلة في عدم تكليف الأمة بغير الرؤية البصرية المعتادة هي الأمية كما يشير لذلك حديث : >إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب…< وهذه العلة قد  زالت، والحكم يدور مع العلة وجودا وعدما، وبقاء الحكم مع زوال علته كالرمد في الطوق وهو أمر نادر وخلاف الأصل والقياس.

-6 ما تحققه هذه الوسيلة من وحدة المسلمين في شعائرهم الدينية واتفاقهم عليها بدل اختلافهم الذي يتخبطون فيه في مشارق الأرض ومغاربها، يصوم قوم ويفطر قوم وليس بينهم إلا باع أو ذراع في نقطة واحدة من الحدود.

هذه التوجيهات تبدو وجيهة ومقبولة بادئ ذي بدء، لكن التوجيهات الأولى أوجه من هذه وأوفق منها بمبادئ الشريعة الاسلامية السمحة، وأقرب إلى نصوص السنة النبوية الشريفة وأنسب مع القواعد الأصولية وأقل تكلفا وتاويلا.

وتبقى مشكلة الاختلاف في توقيت الصيام والأعياد وأوائل الشهور القمرية قائمة يمكن التعامل معها بأحد أمرين :

> إما باعتماد القول القائل : إذا رأى أهل بلد وجب على الجميع اتباعهم وهو رأي لأحْمد وبعض الشافعية. وهو قول يحقق الوحدة الشاملة، وإن كان الفلكيون يقطعون بخلافه.

أواعتماد المشهور في مذهب مالك القائل بعموم الرؤية إلا في الأماكن البعيدة جدا كخراسان من الأندلس.

> وإما بتجاهل هذا الاختلاف واعتماد أن لكل بلد رؤيته والانصراف إلى تحقيق الوحدة الحقيقية، الوحدة السياسية والعسكرية والاقتصادية التي تجسد قوة الأمة وسيادتها تجسيداً حقيقيّاً وذلك هو منطلق التوحُّد الصحيح الشامل.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>