حقائق ينبغي ألا يختلف عليها المسلمون في هلال رمضان


أؤكد هنا حقائق ثلاثــاً، ينبغي ألاّ يختلف عليها:

الأولى : إن في هذا الأمر -أعني ما يتعلق بإثبات دخول الشهر- سعة ومرونة بالنظر إلى نصوص الشرع وأحكامه، واختلاف العلماء في هذا المقام توسعة ورحمة للأمة. فمن أثبت دخول الشهر بعدل أو عدلين، أو اشترط جماً غفيراً لم يبعد عما قال به بعض فقهاء الأمة المعتبرين، بل مَنْ قال بالحساب وجد له في السلف قائلٌ، منذ عهد التابعين فمَن بعدهم، ومَن اعتبر اختلاف المطالع، ومن لم يعتبرها له سلفه، وله دليله ووجهته، فلايجوز أن ينكر على من أخذ بأحد هذه المذاهب والاجتهادات، وإن رآهاهو خطأ، إذ القاعدة : لا إنكار في المسائل الاجتهادية.

الثانية : إن الخطأ في مثل هذه الأمور مغتفر، فلو أخطأ الشاهد الذي شهد بأنه رأى هلال رمضان، أو شوال،وترتب عليه أن صام الناس يوماً من شعبان أو أفطروا يوماً منرمضان، فإن الله تعالى أهل لأن يغفر لهم خطأهم، وقد علمهم أن يدعوا فيقولوا : {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}(البقرة : 286).

حتى لو أخطأوا في هلال ذي الحجة، ووقفوا بعرفة يوم الثامن أو العاشر، في الواقع ونفس الأمر، فإن حجهم صحيح ومقبول، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

الثالثة : أن السعي إلى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم، وسائر شعائرهم وشرائعهم، أمرٌ مطلوب دائماً، ولا ينبغي اليأس من الوصول إليه، ولا من إزالة العوائق دونه، ولكن الذي يجب تأكيده وعدم التفريط فيه بحال، هو : اننا إذا لم نصل إلى الوحدة الكلية العامة بين أقطار المسلمين في أنحاء العالم، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة بين أبناء الإسلام في القطرالواحد.

فلا يجوز أن نقبل بأن ينقسم أبناء البلد الواحد، أو المدينة الواحدة، فيصوم فريقٌ اليوم على أنه من رمضان، ويفطر آخرون على أنهمن شعبان، وفي آخر الشهر تصومُُ جماعة، وتعيّد أخرى، فهذا وضع غير مقبول.

فمن المتفق عليه أن حكم الحاكم، أو قرار ولي الأمر يرفع الخلاف في الأمور المختلف فيها.

فإذا أصدرت السلطة الشرعية المسؤولة عن إثبات الهلال في بلد إسلامي : المحكمة العليا، أو دار الإفتاء، أو رئاسة الشؤون الدينية، أو غيرها -قرارها بالصوم أو بالإفطار، فعلى مسلمي ذلك البلد الطاعة والالتزام، لأنها طاعة في المعروف، وإن كان ذلك مخالفاً  لما ثبت في بلد آخر، فإن حكم الحاكم هنا رجح الرأي الذي يقول : إنّ لكل بلد رؤيته.

وقد ثبت عن رسول الله : أنه قال : >صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون<(رواه الترمذي وقال حسن غريب)، وفي لفظ  : >وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون<(رواه أبو داود، وابن ماجة،   بلفظ > الفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون< رواه من طريق حماد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال الشيخ شاكر : وهذا إسناده صحيح جداً على شرط الشيخين<.

وقد روى أبو داود هذا الحديث تحت عنوان (باب إذا أخطأ القوم الهلال) قال الإمام الخطابي : معنى الحديث أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا ّ بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى ستوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، فلا شيء عليهم من وزر أو عنت، وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادته ويجزيهم أضحاهم كذلك، وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده.

< من الفقه الميسر للدكتور يوسف القرضاوي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>