لقد أصدر وزير الثقافة والاتصال محمد الأشعري مذكرة يمنع بموجبها بيع أو عرض المصحف الشريف بالمعرض الدولي للكتاب المنظم ما بين 4 و12 نونبر الماضي. وقد خلف هذا القرار سخط واستياء كبيرين تمثلا في ردود أفعال كثير من الجهات ومن بينها رابطة علماء المغرب التي أصدرت بيانا نقتطف لقراء المحجة بعض فقراته :
…نظرا لمحاولة بعض الجهات الحد من تداول المصحف الكريم بمنع بيعه وعرضه، بل الدعوة إلى وضع قانون يحرم بيعه لأسباب واهية، قياسا على إسقاطات ذاتية وممارسة سابقة لليسار في مجال طباعة ونشر الكتاب الماركسي الايديولوجي زمان طغيان هذا التيار.
بالنظر لذلك تلقت رابطة علماء المغرب باندهاش واشمئزاز إقدام بعض الجهات على اتخاذ قرار منع بيع المصحف الكريم -الذي أطلق عليه بعضهم اسم الكتاب المقدس- في معرض الدار البيضاء الذي ينظم كل سنتين، وقد حاولت تلك الجهات فيما بعد -بسبب موجة الاستياء التي قوبل بها القرار المذكور- صرف النظر عن قرارها بادعاءات منها أنها منعت البيع ولم تمنع العرض، ومنها أن منعها كان لأغراض تجارية بسبب الضرر الذي يلحق الناشر المغربي من مزاحمة الكتب المطبوعة بالمشرق للكتاب المغربي، ومنها أن المنع كان لرواية حفص دون رواية ورش، ومنها أن الغرض حرمان بعض الهيئات التي تستفيد من بيع المصحف من الحصول على تمويلات بها، ومنها أن الغرض تحقيق أكبر قدر ممكن لرواج كتب الحداثة التي تخنق كتب التراث أنفسها، وهي ذرائع تلاحقت تبريرا للمنع المذكور الذي لا يمكن إلا أن يقابل بالاستهجان والاستنكار، ويكفي دليلا على أن النية كانت متجهة إلى المنع، ثم ظهرت التبريرات لمواجهة انتقاد هذا العمل الشنيع، ذلك أن بعض الناشرين المغاربة تلقوا رسالة من المندوب العام للمعرض الدولي للنشر والكتاب يقول فيها : “تبين لهذه المندوبية أن لائحتكم تتضمن مجموعة من المصاحف، للإشارة، فإنه لا يسمح بيع المصحف في المعرض حفاظا على حقوق الناشرين والمكتبيين المغاربة المتضررين من ذلك – وأن جريدة بيضاوية قالت : “ونظرا للضرر الذي تعرفه السوق المغربية مباشرة بعد المعرض، خاصة في مجال بيع المصحف الكريم، فقد تقرر عدم بيعه بالمعرض”، وأكد حقيقة منع البيع للمصحف كاتب ركن : حديث المحرر(ü) الذي يبدو أنه يعبر عن وجهة نظر رسمية عندما قال بالحرف : كم كان بودي أن يصدر قانون واضح في هذا الإطار يحرم بيع كتاب الله، ومن أراد أن يستثمر أمواله في طبع ونشر المصاحف عليه أن يفعل ذلك لوجه الله تعالى”.
وإن رابطة العلماء التي جعلت من أهدافها الدفاع عن الإسلام ومواجهة خصومه ومجابهة خطط العلمنة والتغريب وطمس الهوية ومحاولات إبعاد الجمهور عن تعاليمكتاب الله وسنة رسوله، لا يمكنها إلا أن تستنكر هذه المواقف التي لم تكن منتظرة من جهة مسؤولة ببلادنا، والتي يطلب منها الحفاظ على هوية الأمة الدينية والحضارية وتراثها الثقافي شأن كل أمم وشعوب الأرض المتحضرة، وأن تحترم شعور الأمة الإسلامية التي تحترم الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه…
والجهة السالفة الذكر(üü) غير مختصة في الشؤون الدينية ووزير الثقافة الحالي قال عن نفسه إنه غير فقيه، فكيف يتدخل في أمر شرعي خارج عن اختصاصاته وفي المغرب وزارة للأوقاف كان ينبغي أن يسند إليها النظر في الموضوع إذا كان الأمر متعلقا بأمر ديني، زيادة على المجالس العلمية التي يمكن استشارتها في الموضوع وكذلك رابطة علماء المغرب، ولم يكن لتلك الجهة أي علاقة بالشأن الشرعي والمذهبي والفقه المالكي ورواية حفص أو ورش أو غيرهما من الروايات، وليس من اختصاصها رسم حدود سيادة الدولة وسياستها في المجال الديني… وكان من واجب هذه الجهة مراعاة ميول زوار المعرض إلى اقتناء الكتاب العزيز وكتب التراث ومراعاة حريتهم وعدم فرض كتب الحداثة المزعومة عليهم على سبيل الاستبداد والحجر المتنافين مع القيم الديمقراطية، ولذلك نطالب تلك الجهة بأن تعلم أنها مؤسسة للجميع لا لمذهب خاص يستمد أصوله من فكر ما قبل سقوط جدار برلين، ولا يمكن أن تكون فقط لكتب الجنس وأنشطة من قبيل الرقص الماجن وأشرطة الأغاني الخليعة المصورة وغير المصورة وسوى ذلك من الأعمال المنكرة.
.. وإن الرابطة إذ تحذر هذه الجهة من الحذو حذو صاحب خطة مشروع إدماج المرأة في التنمية فإنها تدعو الأمة إلى التمسك بالكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، غير مفتونة بدعاة الفتنة والتغريب وتدعو تلك الجهة إلى أن تفكر ألف مرة قبل الإقدام على مثل هذه المبادرات الخاطئة، وأن تستعين بالعلماء إن لزم الأمر لترشيد عملها، وأن تحترم شعور الأمة وهويتها وحضارتها وتوائم بين القديم والجديد في جو من التسامح واحترام القيم والعقيدة والانسجام الفكري والخلقي والانفتاح المتبصر والابتعاد عن روح الجدل والمراء، وتؤكد الرابطة عدم جواز اتخاذ أي قرار بمنع بيع المصحف الكريم الذي تعبدنا الله بآياته وأمرنا بتلاوته، وتعهد بحفظه، وسماه كتابا ونورا ووصف الكفار بالمعرضين عنه ووصف المومنين بالخاشعين عند تلاوته، قال تعالى : {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العاملون} وقال {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو أنقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا} وقال {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب}، وقال {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وقال عن الكافرين {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} وقال {ألم يان للذين آمنوا أن تخشعقلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون}.
الأمانة العامة لرابطة علماء المغرب
————-
(ü) حسن نجمي في جريدة الاتحاد الاشتراكي، جريدة الوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي.
(üü) وزير الثقافة والاتصال محمد الأشعري.