العلم أعظم نعمة أمد الله بها الإنسان وسخر له بها الأكوان


أهمية العلم

{علم الإنسان ما لم يعلم} هذه الآية الكريمة، هي السادسة من سورة العلق، وتتناول احدى الدعائم الأساسية التي يحيى بها الإنسان حياة سعيدة في ديناه، ويعمل عملا صالحا لأخراه، إنه العمل، الذي أنعم الله به على الإنسان، وفضله به على سائر الحيوان، بعد أن خلقه جاهلا لا يفقه من أمر دنياه شيئا. قال تعالى : {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعْلَمون شيئاً، وجعلَ لكُم السّمع، والأبصار والأفئدة لعلّكم تشكرون}(النحل : 78) إذ بهذا العلم يصبح الإنسان سيد الكون المسخّر له من الله تعالى ويصبح من الفائزين في أخراه إذا اهتدى بالعلم.

مصدر العلم

الله جل جلاله هو العليم، والله جل جلاله هو مصْدر العلم، وهو المُعَلِّم لك لعالمه، الذي علم الملائكة فعلِمت أن لا علم لها إلا ما عَلّمها، وهو الذي عَلّم أبانا آدم الأسماء كلها، وهو الذي علّم محمداً عليه الصلاة والسلام ما لم يكن يعلم، وهو الذي علّم القرآن وعلَّم الإنسان البيان، وهو الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، فما مِن عِلْم يعلمه عالم إلا من بعد إذنه، وما من علم يعلمه عالم إلا منه وبه. فسبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم”(الهدى عدد 33).

نعمة العلم تستوجب الشكر

وهنا ينبغي للعاقل أن يتدبر، وللمومن أن يتذكر ويتفكر، في هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه بعد نعمة الخلق، إذ جعل له منافذ المصرفة ليدرك ما حوله من النعم، التي يستفيد منها في دنياه، ويُمهّد بها للحياة الأبدية الحقيقية في أخراه : (السمع)، و(البصر) و(الفؤاد)، إنها نعم الله وأماناته عندك أيها الإنسان، فإمّا أن تحافظ عليها وتوظفها فيما ينفعك في دينك، فما يرضى الله تعالى المُنعم بها عليك، وإما أن تستعملها في غير ذلك مما يغضب الله فتصبح هذه  الجوارح شاهدة عليك، مراقبة لحركاتك وسكناتك، في ظلام الليل، وواضح النهار، لتؤدي فيك هذه الشهادة بصدق وأمانة؛ يوم يطلب منها ذلك خالقها فتنطق بإذنه، قال تعالى : {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع، والبصر، والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}(الاسراء : 36)، وقال عز من قائل : {وقالوا لجُلُودهم لم شهِدتم علينا، قالُوا : أنْطَقَنا اللَّهُ الذِي أنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ، وهو خَلَقَكم أوّل مرّةٍ، وإليه تُرْجَعُون}(فصلت : 21).

إن العاقل لا يرضى لنفسه أن يقف في مثل هذا الموقف المحرج المخزي حيث تفضحه أقرب الكائنات إليه (جوارحه) في يو م ليس كسائر الأيام، وأمام جمهور ليس ككل جمهور، وأمام قاض لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، فإذا كان العاقل لا يرضى لنفسه مثل هذا، فإنه عليه أن يتفكر ويتدبر، ويعود إلى ربه قبل فوات الأوان، ويجمع من الزاد ما ينحيه من سخط الله وغضبه، فهو الذي خلقه، وزوده بوسائل الإدراك : (السمع)، و(البصر).. وميزان التمييز بين الصواب والخطإ (العقل)، على أن يكون بالتدرج في مراحل حياته لينتقل في مدار المعرفة الربانية من حسن إلى أحسن >علَّم< إذ أنّ >فعَّل< تفيد من جملة ما تفيده، فعل الشيء، مرحلة بعد مرحلة، لا دفعة واحدة، وهذا من لطف الله بعباده، فهو لا يكلفهم أكثر مما يطيقون، وتلك نعمة أخرى، وما أكثر نعم الله على عباده قال تعالى : {وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدو نعمة الله لا تحصوها}(ابراهيم : 34) وعليه، فنعمة العلم، التي هي منفذ لكل النعم، تستوجب شكر الله تعالى، والشكر يعني الإعتراف بنعم الله تعالى وفِعْلَ ما يجب فعله من الطّاعات، واجتناب ما نهى الله عنه من المعاصي، ويكون ذلك بالقول والعمل، لأن {الله هو الذي خلق، وهو الذي علّم، فمنه البدء والنشأة، ومنه التعليم والمعرفة.. والإنسان يتعلم ما يتعلم ويعلم ما يعلم.. فمصدر هذا كلّه الله الذي خلق، والذي علم {علم الإنسان ما لم يعلم}<(الظلال 3939/1).

ذاك هو التعليم الذي بعث الله من أجله الرسل ليبلغوه للناس بصدق وأمانة حتى يسعدوا في حياتهم العاجلة الفانية، والآجلة الدائمة، التي يغفل عنها الكثيرون من الناس، قال تعالى : {وإن الدار الاخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}(العنكبوت : 64).

وما دام العلم من نعم الله على عباده، فليس محظورا على الإنسان أن يدبر به شؤون حياته شريطة أن لا يخالف أوامر ربّه >فالإسلام دين علم وعقل.. فهو قبل أن يكلف الناس بتحصيل أي غرض من الأغراض التي تستقيم بها شؤون حياتهم يكلفهم بأن يكونوا عقلاء صحيحي الفهم، ثاقبي الفكر، جيدي البصيرة، يتدبرون الأمور قبل الشروع فيها، ويقلِّبون وجوه الرأي في مواردها ومصادرها، ومبادئها ومصايرها، فلا تقع إلا على مقتضى الحق والعدل والمصلحة والواجب، كما يكلفهم أن يكونوا علماء عارفين بأسباب المصالح، وطرق المنافع، واقفين على الحقائق الكونية، ملمين بتفاصيل التجارب العلمية.. مم يتعلق بتصحيح العقائد والعبادات، وتقويم الأخلاق والملكات، واتقان أمر المعايش والمعاملات، وترقية شأن الصناعات والتجارات، وتحسين سائر مقومات الحياة<(الأخلاق والواجبات للشيخ عبد القادر المغربي ص 46) وغير ذلك مما تهديهم إليه بفضل الله فطرتهم السليمة ولا يحتاجون فيه إلى وحي من السماء وقد مكنهم ربهم من وسائل الابداع فيه : {علم الإنسان ما لم يعلم} صدق الله العظيم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>