هنا في هذه الأدغال، وسط هذه الغابات الكثيفة في خط الاستواء من افريقيا وجدنا القرآن الكريم يشق طريقه إلى قلوب الناس وبيوتهم، وجدنا روح الأمة الكتاب العزيز تلهج به الألسنة حفظاً وتعليما، عثرنا على مساجد لجمعية الفجر الإسلامي أصبحت مصابيح مشرقة بنور وحي السماء، تملأ صدور الناشئة بهداية القرآن، هنا على حدود ليبيريا حيث الشجر الكثير الملتف، واشتباك النبت الأخضر الباسق وجدنا هذه المدرسة القرآنية للفجر الإسلامي، فرأينا فيها ما بشر بحياة الأمة وقتها، ويحفظ لها قائدها ومبادئها ويعلي درجات أبنائها، طبقا لقول النبي : >إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين< (رواه مسلم) وجدنا هذا الشيخ أمام ما يزيد على أربعمائة طفل يحفظون القرآن في جو رائع خاشع يضمن للأمة بقاءها، ويحرسها في قرآنها، ويلمع بالإشعاع الهادي وسط هذه الأدغال، وهذا من أرفع ألوان الجهاد المبارك، فالناس في هذه البلاد أحوج إلى من يعرفهم بالدين القيم، حتى إذا انشرحت به صدورهم، وتنورت به أرواحهم، وسعد به عيشهم، تطلعوا إلى ما ترثه ذريتهم من بعدهم فلم يجدوا أفضل من مشروع المدرسة القرآنية الذي تكفل بغرس حقائق الوحي الإلهي في نفوس الأجيال، وتحويلها من خراب إلى عمران قال : >إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب<(رواه الترمذي وقال حسن صحيح).
وقد تطوعت جمعية الفجر الإسلامي من تلقاء نفسها فجندت جيشاً من الشباب المسلم الغيور لخدمة القرآن، فأحيت عشرات المدارس لتحفيظ القرآن، والمراكز لنشر الدعوة، فاستدعى ذلك صحوة إسلامية نفعت البلاد والعباد.
ثم انطلقنا في جولات عبر المدارس القرآنية تستقبلنا حشود الصبيان، والرجال، والنساء، كلما وصلنا إلى مدرسة أقمنا مهرجاناً إيمانيا، وعرساً قرآنياً، وكم كنت أقف متهيبا وسط هذه الجموع خشية ألا أصل إلى قلوبها بأسلوبي القاصر، وهي متعطشة للسماع منا، وتحسبنا أشباه الصحابة، بل أشباه الأنبياء!!
فهل تأخذ العبرة الجمعيات الإسلامية الناطقة بلغة القرآن، من هذا النموذج السراليوني، وهل تستطيع القيام بمثل هذا العمل الذي هو أوقع عند الله أجراً من أي عمل آخر، لأنه أوسع في الحياة أثراً وذكراً.