لاشك أن للإسلام كبير الأثر في ذيوع الثقافة ونشر العلم، وإحداث اليقظة الفكرية، الشيء الذي عكس على نفوس أبناء الأمة الشغف بكتب العلم وتحصيل المعرفة منها، فأصبحت أنوار العلم تبدد ظلام الجهل في كل بيت ومسجد ومدرسة.
وقد كان السلف رضوان الله عليهم يفضلون قراءة الكتاب ومطالعته على مجالسة الملوك، وغشيان الخلفاء، طلب أحد الخلفاء بعض العلماء ليسامره، فلما جاءه الخادم وجده جالساً وحواليه كتب يقرؤها، فقال له : إن الأمير يستدعيك، فأجابَه : قل له : عندي قوم من الحكماء أحادثهم، فإذا فرغت منهم حضرت، فلما عاد الخادم إلى الخليفة وأخبره بذلك قال له : ويحك من هؤلاء الحكماء الذين هم عنده؟ قال الخادم : والله يا أمير المؤمنين ما كان عنده أحد، فقال : أحضره الساعة، فلما حضر العالم قال له الخليفة : من هؤلاء الحكماء الذين كانوا عندك؟ قال يا أمير المومنين :
هم جلساء ما تمل حديثهم
أمينون مأمونون غيباً ومشهداً
إذا ما خلونا كان حديثهم
معينا على نفي الهموم مؤيداً
يفيدوننا من علمهم علم مامضى
وعقلاً وتأديباً ورأياً وسؤدداً
فلا ريبة تخدش ولا سوء عشرة
ولا نتقي منهم لسانا ولايدا
فإن قلت أموات فلست بكاذب
وإن قلت أحياء فلست مفندا
فعلم الخلية أنه إنما يعني بالحكماء الذين اجتمعوا معه كتب العلماء والحكماء فلم ينكر على تأخره.
وقد شاعت هذه الروح العلمية في أمتنا فأصبح العلم مفضلاً عند الأمراء والعلماء على حد سواء.
سمع الحكم أمير الأندلس بكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني فأرسل إلى مؤلفه ألف دينار من الذهب ثمن نسخة واحدة، فأرسل إليه أبو الفرج بنسخه فقرئ الكتاب في الأندلس قبل أن يقرأ في العراق موطن المؤلف.
وهكذا كان حب الأمراء والعلماء للكتاب مشعراً بعظمة الأمة ويقظتها.