افتتاحية : أمل الأمة في مؤتمر القمة


لقد كاد مُؤْتمرُ القمة الإسلامية يفشَل في انعقاده بالمرّة، أو ينعقدُ مشْلُولا مأزوماً مُتنَافراً متدابراً، بسبب المكتب التجاري الاسرائيلي المفتوح بدولة قطر الشقيقة، ولكن الوقفة الشجاعة من إيران أولا، والسعودية ثانيا، وبعض الدول الإسلامية ثالثا، جعلت قطر تراجِعُ حسابها فتفضِّل -ربما- التضامُن الإسلامي، وتحرص عليه، وتُضحِّي بالمصالح الآنية الموهومة من وراء الارتباط بالمعتدي الذي تفتحت شهيتُه لالْتِهام الجسم العربي، وإعطاب الجِسْم الاسلامي.

وكان موقف قطر أيضا لا يخلو من الشجاعة السياسية والأدبية، فشجاعة المستجيب للحق لا تقلُّ أثراً عن شجاعة المنادي بالحق، فكلا الموقفين الشجاعين سَتُثمِران انسجاماً وتناغما وتوادُداً وتراحماً يُودّىان في النهاية إلى تصافي القلوب، وجَممْ الكلمة، وتأسيس قِلاع الاعتصام بالوحْدة الإسلامية المكسِّرة لكُلِّ أنواع التدابُر الغريب عن جِسْم الأخوة الإسلامية.

فلقد كان التهافُتُ -إلى عَهْدٍ قريب -على فتح المكاتب وربط العلاقات مع المعتدي يَشِي بتدَهْور الجسم الإسلامي والعربي، إنْ لم يكن يُنذِر بقرب الاحتضار أو الوفاة، ولكن يشاء الله عز وجل أن يبعث الشهداء الأحياء المنعَّمين عند ربهم بالخلود في المقام الأعلى، ناصحِين من خلفهم باللّحوق بهم إلى “دار السلام” و”دار الكرامة” كُلُّ واحِدٍ منهم يُحَمِّل رَبَّه الرحيم الكريم رسالة للمتشوقين للشهادة -كما فعل الشهداء السابقون- فتولّى الله عز وجل -في كتابه الكريم الخالد- تبْليغ هذه الرسالة من كُلِّ شهيد لكل عاشِقٍ للشهادة، مضمون هذه الرسالة {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي منَ المُكْرَمِين}(يس : 28)، {ويَسْتَبْشِرُون بالذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِنْ خَلْفِهِمْ ألاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِم ولاهُمْ يَحْزَنُون}(آل عمران : 170)، {إنَّ هَذَا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُون}(الصافات : 61).

ولعَلَّ اشعاعاً من نور رسالة الشهداء قد يغْمُر قاعة المؤتمر الإسلامي، وقلوب المتمرين، فيخرجون بقرارات تناسب رسالة الإسلام، وجدّية الإسلام، ورحمة الإسلام، وسلام الإسلام، وصَرَامة الإسلام مع أعداء الإسلام.. وتُنَاسِبُ مستوى تطلُّعات الشعوب الإسلامية المتلهفة على فَكِّ قيود الاستعباد للبَشَر/ الحَجَر/ البَقَر، ومُعَانَقَة العبودية لله الواحد الرزاق القهار الغفار القادِر على إيواء الأمة التائبة وصُنْعِها وإخراجها من جديد لتَتَولّى مسؤولية الخلافة، بمقتضى الإذن الربّانيّ المفتوح، والوعد الربّاني المطلق من كل زمان ومكان {وعَدَ اللَّهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُم وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم في الأرْضِ كَما اسْتَخْلَفَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِننَّ لَهُم دِينَهُم الذِي ارْتَضَى لَهُمْ وليبدلنهم منْ بَعْدِ خَوْفِهم أمْناً}(النور : 55).

ولعل روحاً من البعث الإسلامي يرفرف على القلوب المتردّدة بالمؤتمر فيملأها عَزْماً وتصميماً على الانسلاخ من عصور الذّل والتبعية فتخرج بقرارات : التضامن التام، والإعلاء التام لدين الله تعالى في المؤسسات الدستورية والتعليمية والاقتصادية، والجهاد التام لأعداء الله تعالى السّريّىن والعلنِيِّين {ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُومِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ}(الروم : 5).

فهل ستكون القمة في مستوى آمال الأمة؟

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>