لا غرو أن يهتم الإسلام بأحوال الأسرة، وأن يتعهد نماءها بالوصايا التي تجعل امتدادها زمانا ومكانا، خيرا ونعمة..”(1).
الجو المستقر والحب بين الزوجين أساس التربية السليمة
لا شيء ييسر التربية السليمة ويجعلها أقرب إلى إتيان بالثمرة المرجوة من الجو المستقر حول الطفل، والحب المرفرف حوله من خلال الأبوين. ولا شيء يفسد التربية ويجعلها أبعد عن إتيان ثمرتها من جو القلق العصبي والنفسي والفكري والروحي، والجو المشحون بالبغضاء والشقاق والتوتر..
وفي كتاب الله وسنة رسول الله أوامر مؤكدة بين أفراد الأسرة كلهم.. فإن العناية بسلامة الأسرة هي وحدها طريق الأمان للجماعة كلها.. وهيهات أن يصلح مجتمع وهت فيه حبال الأسرة..
وقد نوه القرآن الكريم بجلال النعمة السارية في أوصال هذه القطعة من المجتمع الكبير فقال : {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات، أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون}(النحل : 72).
إن الزوجين وما بينهما من علاقة، أو الوالدين وما يترعرع في أحضانهما من بنين وبنات لا يمثلان أنفسهما فحسب، بل يمثلان حاضرال أمة ومستقبلها.
في الشورى الأسرية
“وهناك مسألة التشاور بين الزوجين في القضايا التي تهم الأسرة، علما أن الشورى خلق يحرص عليه المسلم في جميع مجالات حياته، داخل الأسرة وخارجها، وفي الأمور الخاصة والعامة وذلك امتثالا لقوله تعالى : {وأمرهم شورى بينهم}. وكما ينبغي أن يستشير الرجل زوجه في بعض شؤون الأسرة، فكذلك ينبغي أن تستشير المرأة زوجها. وكما تكون المشورة بناء على طلب من أحد الزوجين أحيانا فيمكن أن تكون بمبادرة أحيانا أخرى. ومن أمثلة المبادرة، تلك المشورة المباركة التي قدمتها أم سلمة لرسول الله يوم الحديبية.
وفي جانب التعاون بين الزوجين من أجل كمال أداء مسؤولية تدبير شؤون البيت نقول : إن مسؤولية المرأة عن تدبير شؤون المنزل، أو بتعبير الحديث الشريف : >المرأة راعية على بيت بعلها<، لا يعني أن تقوم بنفسها بجميع أعمال البيت، من إعداد الطعام إلى غسل الثياب وكيها، إلى تنظيف وترتيب وتجميل البيت، إنما يعني مسؤوليتها عن الإشراف على كل ذلك، أما أن تقوم هي به أو يقوم به -أو بعضه- آخرون من خدم أو أبناء وبنات وأقارب، أو يتولى المساعدة الزوج نفسه، فهذا أمر يتوقف على عوامل كثيرة، مثل القدرة المالية، ومدى الوقت المتيسر لبذله في أعمال البيت عند كل من الزوجة والزوج والأبناء والبنات. كذلك يتوقف على مدى قدرة الزوجة على إنجاز تلك الأعمال دون إرهاق، ودون تعطيل لواجبات أخرى مثل رعاية الأطفال وتربيتهم، ومتابعة المشاركة المحمودة في نشاطات ثقافية واجتماعية تحافظ على شخصيتها وتنميها. المهم أنه ليس هناك إلزام شرعي للمرأة للقيام بكل تلك الأعمال، إنما ظروف الأسرة هي التي ترسم الطريقة الصحيحة. مع العلم أن التعاون بين جميع أفراد الأسرة يظل عاملا أساسيا وضروريا في كل الظروف والأحوال، وهو كفيل بإنجاز أعمال البيت بسهولة ويسر من ناحية، وتوفير الوقت اللازم ليقوم الجميع بنشاطاتهم وواجباتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية فضلا عن الترويحية من ناحية أخرى.
ونحب أن نلفت الانتباه إلى نقطتين مهمتين :
< الأولى تتعلق بمساعدة الرجل أو الأولاد في أعمال البيت، حيث تبدو غريبة على كثير من الناس، فقد توارثنا -مع الأسف- أن من المعيب أن يشارك الذكور في أعمال البيت، وأن مثل هذا عار ينتقص من قدر الرجال. ويكفي في تصحيح هذا التصور الخاطئ والمنحرف عن هدى الإسلام، ما في سنة الرسول حيث كان في مهنة أهله. ففي الأحاديث الواردة الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله.
< الثانية تتعلق بما توارثناه أيضا، من أن المرأة تقوم بجميع شؤون البيت ولو استغرق ذلك وقتها كله، بدعوى أن ليس هناك ما يشغلها أو ينبغي أن يشغلها وراء ذلك. والحقيقة أن الزمن قد تغير وأصبح واجب المرأة المسلمة أن تشارك قدر الإمكان في النشاطات الثقافية والاجتماعية والسياسية، لتنمية شخصيتها ووعيها بالعالم الذي تعيش فيه، والذي تُعِد أولادها للعيش فيه، هذا من ناحية، ولخدمة مجتمعها من ناحية أخرى. ونحسب أن معاونة الزوج لزوجه أساسية هنا، حتى يخفف عنها بعض ساعات لتجد الفرصة لممارسة تلك النشاطات الطيبة، وإلا حبست المرأة تماما وحرمت -وحرم المجتمع معها- من كل نشاط خيّر. ولعمري كيف يريد الأخ المسلم أن يرى زوجته حركية وعاملة في حقل الدعوة وهو لا يعطي وقتا لمساعدتها والأخذ بيدها، بل يبخل حتى بالكلمة الطيبة المقدرة لما تقوم به المسكينة في البيت من أعمال وأشغال مرهقة ومضنية في أحايين كثيرة؟…”(2).
اهتمام المسلم بزوجته من أهم
مظاهر المعاشرة الطيبة
وفي إطار المعاشرة الطيبة، نشير إلى أهمية اهتمام الأخ بزوجته في جانب التكوين والتربية وتحصيل العلم النافع. فهذا ضمن المعاشرة بالمعروف التي نتحدث عنها… إذ الملاحظ أن الأخ غالبا ما ينسى أهله بدعوى الاشتغال بأمر الدعوة أو غيرها..
أخرج الحاكم وصححه على شرطهما عن علي ] في قوله تعالى : {قوا أنفسكم وأهليكم ناراً} قال : علموا أهليكم الخير (الترغيب)، وأخرجه الطبري في تفسيره بلفظ : علموهم وأدبوهم..
وأخرج البخاري في الأدب عن مالك بن الحويرث ] قال : أتينا النبي ونحن شيبة (جمع شاب) متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتهينا أهلينا فسألنا عمن تركنا في أهلينا، فأخبرناه -وكان رفيقا رحيما- فقال : >ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم وليؤمكم أكبركم<.
إننا نجد أن عائشة رضيالله عنها قد حصّلت نصف علم رسول الله وذلك باهتمامه بها من جهة، وحرصها على تحصيل العلم من جهة أخرى، فقد كانت رضي الله عنها تفتي في قضايا كثيرة وذلك فيما نعرفه في السيرة من خلال علاقتها واتصالها بالمهاجرات والأنصاريات.. ونعلم كذلك أنها روت عدة أحاديث عن النبي الكريم عليه السلام..
والأمثلة كثيرة في هذا الصدد، والمقصود هو أن مجموعة من المسلمات ضربن المثل في التحصيل العلمي والتربية والتكوين.. والأمر راجع بالدرجة الأولى لاهتمام الزوج بها وتنمية الرغبة لديها في هذا الاتجاه.. أضف إلى هذا أن الأخ إذا اهتم بزوجته وحرص على أن تكون في مستوى التكوين التربوي المنشود في كل أمر، فإننا سنكون بذلك قد قطعنا شوطا طويلا في عملية التربية في سياق راشد يضرب في أعماق المجتمع…
——–
(1) من كتاب (هذا ديننا) للشيخ محمد الغزالي رحمه الله.
(2) من كتاب (اتحرير المرأة في عصر الرسالة) ج 5، ذ. عبد الحميد أبو شقة.