ابن عرضون والزوجة العاملة في مال زوجها


نعود مرة أخرى للحديث عن عمل المرأة في مال زوجها. ونؤكد في البداية أن المشهور والذي به الفتوى في الفقه المالكي أن الزوجة لا يلزمها العمل في مال الزوج والأخذ منه، فلا يلزمها حرث ولا درس ولا لقط زيتون ولا قطف ثمار ولا رعاية ماشية ولا غزل ولا نسج ولا غير ذلك من الأعمال خارج البيت للتكسب له وتنمية ماله، ومن حقها أن ترفض ذلك. من واجب القضاء الوقوف إلى جانبها وحمايتها من ضغوط الزوج إذا أراد فرض ذلك عليها وإكراهها عليه، ولو كانت عادة البلد جارية بذلك على الصحيح، خلافا لمن أفتى بإلزامها بالخدمة الخارجية المعتادة في بلادها لأنها دخلت على ذلك وأن العرف كالشرط. والمسلمون عند شروطهم، لأن مراعاة العرف في هذه الحالة والعمل بمقتضاه يؤدي إلى فساد النكاح لاجتماع النكاح والإجارة في عقد واحد فكأنه تزوجها واستأجرها للعمل في متاعه. والنكاحوالإجارة لا يجتمعان، لأن الأول مبني على المكارمة والثانية مبنية على المشاحة. ولأن الصداق بعضه في مقابل النكاح وبعضه في مقابل العمل، وقد تفوق أجرة العمل ما قدمه من صداق فيؤدي إلى نكاح بدون صداق وهو فاسد أيضا.

لذلك كان الصحيح أنه لا تلزمها الخدمة الخارجية ولا يراعى العرف الجاري بها. لكن يبقى لماذا اختارت بإرادتها وحريتها العمل في مال الزوج والمشاركة في تنميته واستثماره ثم قامت بعد ذلك تطالب بأجرة عملها أو بنصيبها فيما نتج عن خدمتها من الغلل والنماء الذي ساهمت بمجهودها فيه وحدها أو إلى جانب زوجها، فهل تعطى أجرة مثلها؟ أو تعطى نصيبا في نماء مال زوجها؟ أو تحرم منهما ولا تعطى شيئا مقابل عملها؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه من خلال موقف الجمهور وفتوى ابن عرضون.

اختلاف حكم عمل المرأة في مال زوجها باختلاف طبيعته وآثاره الناتجة عنه

ولتحديد موضع النزاع نشير إلى أن العمل الذي تقوم به الزوجة في مال زوجها يختلف حكمه باختلاف طبيعته وآثاره الناتجة عنه والمترتبة عليه، لذلك نقسمه إلى قسمين :

-1 عمل صناعي : مثل  خياطة كتانه ونسج وغزل صوفه أو شعره، دبغ جلوده، حياكة الزرابي من صوفه وصناعة الخيام من شعره أو صوفه وغير ذلك من الأعمال الصناعية التي تقوم بها الزوجة في مادة أولية مملوكة للزوج. وتحولها إلى أشياء مصنعة أو نصف مصنعة مما يزيد في قيمة المادة الأولية المملوكة للزوج، ولكنها زيادة غير منفصلة عن مال الزوج.

والمشهور المعمول به في هذا القسم أن الزوجة شريكة للزوج في المتاع المصنوع الذي صنعته خاصة، هي بقيمة عملها، وهو بقيمة متاعه قبل تصنيعه، لا تظلم ولا تظلم، ولا تتعدى شركتها المتاع المصنوع، ولا تتجاوز حصتها قيمة عملها، ولا تنقص عنها وقوفا مع مبدأ العدل الذي هو حق  لهما معا.

إلا أن تعمل ذلك تطوعا أو تتطوع بذلك بعد العمل أو بجري العرف بالتطوع وعدم محاسبة الزوجة زوجها بما فعلته له من أعمال فإنه لا شيء لها حينئذ، لأنها إذا تطوعت بالعمل وصرحت بذلك قبل العمل أو بعده فهي متبرعة بعملها على الزوج باختيارها، والمتبرع لا رجوع له في تبرعه إذا ندم لحديث : >العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه<.

وإذا كان العرف جاريا بذلك، فالعرف كالشرط والمسلمون عند شروطهم، وكان من حقها أن لا تتقيد بذلك العرف، وتطلب حقها أو أجرتها قبل العمل، ولا تعمل إلا بعد اتفاق مسبق مع الزوج، فلما عملت دون شرط كان ذلك التزاما منها بالعرف الجاري. ولا يبقى لها حق المطالبة بالتعويض على عملها لأنها فرطت فيه بنفسها، إلا أن تكون الزوجة سفيهة فإنه لا يلزمها العرف الجاري بالتطوع ولا تصير ملزمة بالتطوع وقت العمل أو بعده لأن تبرعات السفيه مردودة غير لازمة له.

هذا هو المشهور وبه وقعت الفتوى من المحققين (حاشية الرهوني 39/4 المعيار الجديد -510/6-511 -552 -577/7 578 532/3).

وهناك رأي آخر وفتاوى أخرى، أنه ليس للزوجة في هذا القسم إلا أجرة المثل ولا تشارك الزوج فيما صنعته بدون اتفاق سابق بينهما على المشاركة. وهي الموافقة للقاعدة الفقهية أن من عمل لغيره عملا لم يكن له إلا أجرة المثل ولا يكون شريكا له، لأن الشركة عقد يحتاج إلى الإيجاب والقبول، وهما منتفيان معا فلا تثبت بدونهما. كما أن هنا فتوى ثالثة أنه لا شيء للزوجة لا أجرة ولا نصيب، لأن الشركة والإجارة كلاهما عقد معاوضة لايوجد إلا باتفاق قبل العمل. نوازل العلمي 189/1.

وبناها بعضهم على القول بوجوب الخدمة الظاهرة المعتادة على الزوجة، والواجب لا أجرة عليه، وهو بناء ضعيف.

-2 عمل غير صناعي : مثل الفلاحة وتربية الماشية والتجارة وغير ذلك من الأعمال التي يترتب عليها نماء وزيادة منفصلة عن المال الذي تعمل فيه مثل نتاج الحيوان وثمار الأشجار والزرع وما يشترك بذلكالنماء.

وهو موضوع خلاف أيضا لكن الحق والصحيح الذي تدل عليه الأدلة أن الزوجة لا تشارك الزوج في نماء ماله وغلة أصوله وكل ما نتج عن عملها فيه. إلا أن هناك من يرى أنه لا أجرة لها. وهناك رأي آخر يرى أصحابه أنها تستحق أجرة المثل بالغة ما بلغت.

والرأي الثالث : أنها تشاركه فيما نتج عن عملها من نماء، ومن بين هؤلاء ابن عرضون الذي أثارت فتواه ردود فعل عنيفة من طرف الفقهاء المعاصرين له والمتأخرين عنه وخاصة المحققين منهم، وما تزال هذه الفتوى تثير أطماع المشاغبين ولعاب العلمانيين في الإحتماء بها واتخاذها مظلَّة لتحقيق أغراضهم في إشعال الفتنة ونار الحرب داخل الأسرة المغربية بإغراء الزوجة وتحريضها على المطالبة بحقها في مال الزوج وثروته المكتسبة بعد الزواج بحجة فتوى ابن عرضون ومن سار في ركابه من المفتين الذين قلدوه أو توسعوا في الموضوع أكثر منه. رغم شذود فتواه وضعفها ومخالفتها لنصوص الشريعة وقواعدها العامة ومناقضتها لفتواه في نظائرها.

ولمعرفة حقيقة هذه الفتوى نخصص حلقة دراسية لتحليلها ومناقشتها على ضوء المقاييس العلمية الصحيحة بعيدا عن المزايدات والحساسيات مسلطين الضوء على الجوانب التالية منها :

< موضوع الفتوى.

< توثيقها.

< سلف ابن عرضون فيها.

< مبرراتها.

< مناقشتها.

< مواقف العلماء منها.

< تناقض فتاوي القائلين بها.

موضوع فتوى ابن عرضون

موضوع هذه الفتوى يتعلق بالمرأة البدوية التي تعمل في الزرع عمل الرجال، تحصده وتدرسه، تم يموت زوجها، فإنها تعطى نصيبها في الزرع بقدر عملها بعد مراعاة وسائل الانتاج الأخرى من أرض وبقر وآلة.

ونص فتوى ابن عرضون في الموضوع كما جاءت في نوازل العلمي 101/2:  >سئل أبو عبد الله سيدي محمد بن الحسن بن عرضون عمن تخدم من نساء البادية خدمة الرجال من الحصاد والدراس وغير ذلك، فهل لهن حق في الزرع بعد موت الزوج لأجل خدمتهن؟ أوليس لهن إلا الميراث؟

فأجاب الذي أجاب به القوري مفتي الحضرة الادريسية شيخ الإمام ابن غازي أن الزرع يقسم على رؤوس من نتج عن خدمتهم، زاد عليه مفتي البلاد الغمارية جدنا سيدي أبو القاسم بن خجو على قدر خدمتهم وبحسبها من اتفاقهم أو تفاوتهم، بعد مراعاة الأرض والبقر والآلات، فإن كانوا متساوين فيها أيضا فلا كلام وإن كانت لواحد حُسِبَ له ذلك<.

وقد نظم هذه الفتوى صاحب العمل الفاسي في قوله :

وخدمة النساء في البوادي

للزرع بالدراس والحصاد

قال ابن عرضون لهن قسمة

على التساوي بحساب الخدمة

لكن أهل فاس فيها خالفوا

قالوا لهم في ذاك عرف يعرف

فهي كما ترى فتوى محدودة جدا في مكانها وموضوعها وأهلها، فهي أولا خاصة بنساء البادية دون الحاضرة، وبالنساء العاملات عمل الرجال في الفلاحة دون غيرهن، ثم هي خاصة بالزرع الذي يحصدنه ويدرسنه، دون غيره من الأموال، وأخيرا هي خاصة بحالة الوفاة وليس فيها إشارة إلى حالة الطلاق ولا إلى حالة الوفاق والحياة.

ولكن الذين جاؤوا بعده توسعوا فيها ولم يقفوا عند هذا الحد الذي رأيناه، بعدما فتح لهم ابن عرضون الباب فانطلقوا في سباق محموم لتحقيق ما يسمونه : إنصًافَ المرأة من الرجل ومساواتها به.

توثيق الفتوى

إن المتتبع لهذه الفتوى في مصادرها المنقولة منها يلاحظ فيها بعض الاضطراب في نسبها والاختلاف في تعيين صاحبها.

فصاحب العمل الفاسي لم يزد  على أن نسبها لابن عرضون، وبنو عرضون كثيرون، وشارحه الفلالي لم يقف عليها ليتعرف على صاحبها وظنها لأحمد بن الحسن ابن عرضون. وهو أخ لصاحب الفتوى، وقال : إنه لم يقف عليها في اللائق. بينما نسبها العلمي في نوازله مرة لمحمد بن الحسن بن عرضون ومرة للحسن بـن أحمد بن الحسن بن عــرضون 103/2، وهو ابن أخ لصاحب الفتوى، ولم ينسبها لأحمد بن الحسن بن عرضون كما توهم بعضهم، أما الوزاني فنقل في نوازله المعيار الجديد 560/7 نص العلمي في نوازله وأبدل الحسن بن أحمد بن الحسن بن عرضون التي وردت في نوازله بمحمد بن الحسن بن عرضون.

مستند ابن عرضون

و سلفه في فتواه

ليس لهذه الفتوى التي افتى بها ابن عرضون أصل في الشريعة الاسلامية ولا سند لها في الفقه رغم محدوديتها بشهادة كبار الفقهاء واعتراف بعض القائلين بها، وإنما اعتمد فيها على ما نقله عن القوري وابن خجو فهما سنداه وسلفاه فيها كما بدا ذلك واضحا في فتواه السابقة العارية من كل دليل يدعمها وتابعه من قلده فيها.

ولابد هنا من إثارة بعض التساؤلات وهي :

1) أن العلمي نقل في نوازله عن ابن خجو فتوى سئل فيها عمن مات وترك أولادا وزرعا.. وفيها، وكيف إذا مات وترك زرعا قائما؟. فأجاب : مرت الفتوى بقسمة ذلك على رؤوس من يباشر الخدمة. ولا أعلم أصل مأخذها سوى مراعاة الدواب فعليكم بالامام المحقق سيدي عبد الواحد الونشريشي أبقى الله بركته. (نوازل العلمي 101/2).

2) أن هذه المسألة شديدة الشبه بمسألة الزوجة مع الزوج لأن في كل منها مات صاحب الزرع وخدمه الورثة.

3) أن هذا الجواب اخبار منه بما جرت به الفتوى من غيره، وليس افتاء منه لأنه أحال السائل على الونشريسي وحثه على الأخذ بفتواه.

4) أن احالته السائل على الونشريسي واعترافه بتحقيقه دليل على رفضه للفتوى التي حكاها بقسمة الزرع على الرؤوس، ودليل أيضا على اختياره لفتوى الونشريسي أنه لا شيء للزوجة في الزرع، خاصة وأنه قد قال في الفتوى بقسمه على الرؤوس : إنه لا يعرف لها مأخذا.

فهل يمكن القول على ضوء هذا إن أبا القاسم بن خجو رجع عن الفتوى التي نقلها عنه ابن عرضون بعد تشككه في أصلها ومأخذها، وبعدما بلغه رأي الونشريسي فيها؟ أم أن ابن خجو تمسك برأيه وظل يفتي بما يعتقد ضعفه ورجحانه؟ ولعل الاحتمال الأول هو الأقرب والأليق بعلمه ودينه، وقاعدة منع الافتاء بالقول الضعيف فضلا عما لا يعرف له أصل ولا مأخذ، كما أنه الأوفق بفتواه في الولد الذي يخدم مال أبيه أنه إذا لم تكن بين الأب وابنه مفاوضة ولا شركة معتبرة شرعا أنه لا شيء للولد فيما نما بعمله وإنما له أو لورثته أجرة المثل. (المنح السامية 301/3).

فلم يجعل الابن شريكا بعمله في مال أبيه، ولا فرق بينه وبين الزوجة، فكل منهما يعمل في مال غيره ممن يعيش معه على مائدة واحدة. فكما لم يجعل الولد شريكه إلا إذا كانت بينهما شركة معقودة قبل العمل فكذلك يجب أن يقول في مسألة الزوجة بمثل قوله في الابن وإلا تناقض في فتواه. ولهذا استدل بعض الفقهاء بمسألة الابن على مسألة الزوجة، فكما لا يعد الابن شريكا بعمله لا تعد الزوجة شريكة بمجرد عملها.

وأما القوري فلم أقف فيما بَيّن من الكتب والنوازل على فتواه في خصوص الزرع، ولكنه سئل عن خدمة الزوجة لزوجها بصفة عامة، فأجاب بما حاصله أن الزوجة لا تشارك الزوج فيما عملته من الغزل والنسج إذا صرحت بالتطوع عند العمل أو بعده وكانت رشيدة. وإن لم تصرح بالتطوع ولا بالاشتراك فإنها تشاركه فيما غزلت أو نسجت من صوفه أو شعره بعد حلفها أنها لم تفعل ذلك تطوعا وإنما فعلته لترجع بحقها أو أجرتها ويقضي لها بذلك وتكون شريكة بقيمة عملها.

ولم يشر في فتواه هذه على طولها الى الزرع رغم عموم السؤال الوارد عليه والذي جاء فيه. سئل الإمام القوري عما يفعله نساء البوادي وغيرهن لازواجهن من أنواع اللباس وسائر الخدمة إذا تشاحوا في ذلك وتشاجروا فيه، هل يجبرون على ذلك أم لا؟ وهل لهن فيه نصيب وحق أم لا؟..

فالسؤال عام والجواب خاص بالغزل والنسج، فهل تكون له فتوى أخرى في موضوع الزرع اطلع عليها ابن عرضون ونقل عنها ما نسبه له صراحة؟ أم يكون ابن عرضون توسع في فتواه في الغزل والنسج فعداها الى الزرع بطريق القياس وتساهل في نسبتها له مخالفا بذلك القاعدة الأصولية أن القول المخرج لا ينسب لمن خرج على قوله إلا مقيدا. ومخالفا للقاعدة الفقهية أن القول المخرج لا يعمل به في فتوى ولا قضاء. ولعل الاحتمال الثاني هو الظاهر وأن ابن عرضون توسع في فتوى القوري كما توسع من بعد ابن عرضون في فتواه أيضا ويؤكد هذا :

أولا : أنه من المستبعد أن يفتي القوري وهو مفتي فاس وشيخه بقسمة الزرع على الرؤوس ثم يجمع فقهاء فاس على خلافه ولا ينسبون القول بقسمته على الرؤوس إلا لابن عرضون ومن وافقه من شيوخ الجبل متجاهلين فتوى القوري دون أن يذكرها أحد منهم أو يشير إليها.

ثانيا : كما يبعد أن يخالف القوري عرف بلده ويفتي بخلافه وهوالعرف الذي أشار له في العمل الفاسي بقوله  :

“لكن أهل فاس فيها خالفوا

قالوا لهم في ذاك عرف يعرف”

والعرف المشار إليه هو أن المرأة تتشاح مع زوجها في خدمة الزرع، لاتطالبه بشيء مقابل عملها له.

إلا أن سيدي المهدي الوزاني نفى أن يكون العرف المشار إليه هو لأهل فاس، وقال إنما العرف لأهل الجبل وهو العرف الجاري بتشريكها في الغلة وخطأ صاحب العمل الفاسي وأصلح نظمه على الشكل التالي :

قال ابن عرضون لهن قسمة

على التساوي لحساب الخدمة

قالوا لهم في ذاك عرف يعرف

لكن أهل فاس فيها خالفوا

ويرده :

1) أن الأصل في الكلام عدم التقديم والتأخير، فلا يصار إليه إلا بدليل قوي وهو غير ثابت.

2) أنه لو كان مقصود الناظم الاشارة إلى عرف أهل الجبال لقال. قال لهم بضمير المفرد العائد على ابن عرضون في البيت قبله، أما أهل الجبال فلا ذكر لهم في كلامه حتى يعيد الضمير عليهم.

3) أن ابن عرضون في فتواه السابقة لم يستند فيها إلى عرف ولم يشر إليه أصلا في كلامه، فكيف ينسب اليه ما لم يقله.

4) أن ما نفاه من عرف أهل فاس لا يصح لأن صاحب العمل أثبته وشرحه شارحه على ظاهره، والمثبت مقدم على النافي.

ثالثا : أن القوريسئل عن أخ غني قال لأخ له فقير : تعال أشارِكْك فيما بيدك من المال فنتعاون على أمور الدنيا، فأقاما على ذلك مدة فبدا لصاحب المال فيما قال لأخيه.  ما الواجب في ذلك؟

فأجاب : ليس للأخ المعاون إلا أجرة المثل فيما أعانه فيه(المعيار الجديد 511/6).

فإذا كان القوري لم يجعل الأخ الفقير شريكا لأخيه فيما عمله رغم قوله له :تعال أشاركك فكيف يجعل الزوجة شريكة للزوج فيما عملت ولم يوجد من الزوج ما يدل على تشريكها معه.

إن هذه الفتوى تتنافى مع ما نقله عنه ابن عرضون في الزوجة من قسمة الزرع على الرؤوس. لأن كلا منهما عمل في مال غيره ونمّاه بعمله، فإما أن يعطي لكل منهما أجرة المثل كما أفتى به في مسألة الأخ مع أخيه، وإما أن يجعل كلا منهما شريكا بقدر عمله كما أفتى به في الزوجة تحصد وتدرس حسبما نقله عنه ابن عرضون، وإلا تناقض في فتواه وهو أمر مستبعد من إمام مثل القوري.

وهكذا تتبين هشاشة استناد ابن عرضون للقوري وابن خجو.

بقي أن نشير إلى أن بعض الباحثين ذكر أحمد البعل. ومحمد التالي الخالدي في جملة سلف ابن عرضون دعما لفتواه وتأييدا لها وحشرا لعلماء معروفين في عداد القائلين بها.

وهو أمر مؤسف وعار من الصحة والدقة. فالعلامة أحمد البعل من كبار  منتقدي هذه الفتوى وهو القائل في حقها : “لم أزل أستثقل القسمة على الرؤوس في هذا المعنى الذي ذكرت إذ هي خارجة عن الأصول. فكيف يعد بعد هذا النقد الشديد من أنصار الفتوى وسلفا لابن عرضون فيها؟ وأما التالي الخالدي ففتواه هي في موضوع الولد الذي يعيش مع أبيه على عولة واحدة إذا طلب قسمة الغلة فأفتى فيها بقسم الزرع على من يطيق خدمته ويخدمه (نوازل العلمي : 101/2). وهي عبارة تشمل الابن وزوجته التي تعمل معه، ولكن زوجة الابن بالنسبة إلى الأب أجنبية عنه لا يلزمها خدمته ولم تجر العادة بالتطوع له. بخلاف زوجة الرجل فإن شأنها التطوع ومساعدة زوجها، فلا يلزم من استحقاق زوجة الابن نصيبها في زرع أبي زوجها استحقاق الزوجة نصيبا في زرع زوجها. ولهذا لم يذكر الوزاني التالي الخالدي بالاسم في جملة القائلين بفتوى ابن عرضون، ولم يذكر ابن عرضون نفسه غير القوري وابن خجو سندا لفتواه فلو كان هناك من سبقه لذلك غير هذين الامامين لذكرهما.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>