ألم قلم : هل يُسرق النّصر من الشعب الفلسطيني


مرت العديد من الشعوب الإسلامية بتجارب مريرة؛ مختلفة في ظاهرها متفقة في جوهرها، إذ أن كل الشعوب الإسلامية التي خاضت الجهاد ضد المستعمر خاضته باسم الاسلام وباسم الدفاع عن الاسلام وعن العروبة أيضا بالنسبة للشعوب العربية. لكن، بعد أن يكبد المجاهدون المستعمرين خسائر فادحة يضطر معها إلى الانسحاب وهو يجر أذيال الخيبة يأتي أناس يركبون موجة النصر يُظْهِرُون ولاءهم للاسلام في الظاهر وللمستعمر في الباطن، يبتسمون لشعوبهم في العلن، ويمدون أيديهم للمستعمر في السر، ويتمكنون من الوصول إلى الحكم بمساعدة المستعمر ودعم منه وفي غفلة من الشعوب وما إن يمسكوا بزمان الحكم حتى يديروا ظهورهم لشعوبهم، بل وقد يعلنون الحَرْب عليه بتكميم الأفواه وخنق الحريات ومحاربة الاسلام واعلان الولاء المطلق للمستعمر السابق بشكل أو بآخر. هذا ما حدث في العديد من الشعوب الاسلامية.

ويبدو أن التجربة ذاتها ستتكرر في فلسطين بعد ما أعد الأطراف العُدَّة وأحكموا اللُّعْبة. يقدم الشعب الفلسطيني مآت الشهداء والآلاف من الجرحى والمعطوبين. وهم مصممون على عدم التراجع، ويعلنون أنهم عازمون على بذل النفس والنفيس من أجل الأقصى، بل حتى الحركات التي كانت من قبل تشكك في جدوى الانتفاضة عادت اليوم لتعلن أنها متمسكة بالانتفاضة، وتعلن أنها قد نسقت مع كامل الحركات الوطنية والاسلامية من أجل استمرار الانتفاضة، بل قد نقلت بعض الأخبار أن جميع الحركات بما فيها حركة فتح قد اتفقت مع حزب الله من أجل التعاون والاستفادة من تجارب حزب الله.

وهذا كله يدل على تماسك الشعب الفلسطيني ووحدته من أجل هَدَفِه ومصيره، ونبذه لمسلسل الاستسلام الذي لن يؤدي إلا لمزيد من الذل والهوان.

ومع كل هذا تعلن السلطة الفلسطينية من حين إلى آخر، وفي عز الانتفاضة، بما يوحي أنها على وئام تام مع الاسرائيليين وأنها تود عقْدَ اتفاق معهم قبل أن يخرج الرئيس الأمريكي من البيت الأبيض. وبعد أن أعلن باراك عن استقالته بدأت الأنباء تتسرب عن عقد لقاءات سرية وأخرى علنية بين السلطة والإسرائليين، وفي الوقت ذاته تصرح أنها مع إرادة الشعب الفلسطيني،  فماذا يعني هذا؟؟

هل يعني أن السلطة تضغط على المفاوضين اليهود بتحريك الشعب الفلسطيني ودفعه إلى المظاهرات، واطلاق المعتقلين من حماس، وما أن يبدو للسلطة أن قناة الاسرائليين قد لاَنَتْ حتى يضغطوا على الشعب من جديد، ويعتقلوا حماساً وغير حماس كتعبير عن حسن نية في هذه المفاوضات؟ هذا ما تقوله بعض وسائل الاعلام، ويبدو أنه هو الواقع. مما يعني أن السلطة لا تعود إلى الشعب إلا إذا رأت أن الكفة في غير صالحها في المفاوضات الاستسلامية.

إن هذا السلوك غير مقبول، وأي اتفاق على حساب الشعب الفلسطيني أو على حساب المقدسات الاسلامية سيؤدي إلى ثورة عامة للشعب الفلسطيني وللشعوب الإسلامية بأجمعها لأن الأقصى ملك للمسلمين جميعا، وحتى إذا سُرق النصر من الشعب الفلسطيني في هذه الحقبة من واقع المسلمين الحرِج والمهين، فإن الانتقام آت ولابد، وما أظن أن الشعب الفلسطيني المسلم الذي تحرك وتحرك معه العالم حينما دنس شارون المسجد الأقصى سيسكت إذا ما دُنّست حقوقه أو دُنست مقدسات المسلمين. وعلى السلطة الفلسطينية أن تكون ذاكرتها قوية لتستوعب التاريخ القريب والبعيد على حد سواء، وخاصة تاريخ بني اسرائيل الذين عرفوا بنقضهم للعهود وقتلهم للأنبياء وهتكهم للحرمات وتدنيسهم للمقدسات.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>