مجرد رأي : لـو…


..لو فرضنا جدلا -لا قدر الله- أن الطفل الشهيد الذي قتله القناصة الصهاينة كان أمريكيا أو يهوديا أو حتى من جزر الواق واق ماذا كان سيحدث؟

لو حدث ذلك -لا قدر الله- لقامت الدنيا على رؤوسنا ولما قعدت، ولتمّ قصف مكثف لإحدى العواصم العربية ولقامت المظاهرات في الدنيا ولفُرضت الحصارات ولانضافت دول عربية أو اسلامية أخرى إلى قائمة الدول المساندة للإرهاب ولوقع مالا يعلم مداه إلاّ الله والمخابرات الأمريكية!! ولكن -ولله الحمد والمنة- وقع ذلك لطفل فلسطيني مسلم فلا بأس، نحن مجرد عرب ودمنا مستباح ورخيص وليس هناك من يزايد في ثمنه وقيمته بالمواقف الثابتة والشجاعة وإلى إشعار آخر…

في السنة الماضية وقع الطفل الكوبي (ايليانو گونزالس) بين أيدي شرطة السواحل الأمريكية بعدما تم انقاذه مع مجموعة من المهاجرين السريين من على أحد القوارب، قرر القضاء الأمريكي -وهو أعلى سلطة في البلاد- الاحتفاظ بالطفل في أمريكا وعدم إرجاعه إلى كوبا، فقامت الدنيا ولم تقعد، فقامت مظاهرات صاخبة في كوبا وفي العديد من المدن الأمريكية والأوروبية بتنظيم المنظمات الحقوقية الدولية، ووقف الرئيس الكوبي الشجاع أكثر من مرة يندد ويتوعد أمريكا بالويل والثبور وعاقبة الأمور، إن هي رفضت تسليم الطفل لوالده. وهكذا كان فعاد الطفل الكوبي إلى بلاده معززاً مكرما مع والده.

سُقت هذا المثال فقط للتدليل على أن عزة الانسان وكرامة دمه لا تقاس برفاه الدولة التي ينتمي إليها هذا الانسان أو ذلك فقط، وإنما تقاس بمواقف القائمين على هذه الدولة أو تلك، فكوبا دولة فقيرة وتعيش حصاراً أمريكيا جائراً منذ سنوات عديدة ومع ذلك فكرامة طفلها وإنسها وجانِّها مُصانة بصلابة ومواقف حكامها وشعبها أيضاً.

أثناء المظاهرات كان كاسترو حاضراً بل كان يقودها بنفسه في بعض الأحيان ولم يطلب باعتقال أحد من الشباب الثائر وهم يشتمون أمريكا أو يمزقون أعلامها.. ولم يتهم أحداً بالعمل على تصعيد وتوثير الأزمة ولم يجلس الى طاولة المفاوضات.. بل ترك الأمور تسير كما اختارها الشعب صاحب الكلمة في هكذا مواقف. فوقع الانسجام وبلغ الضغط مداه وتحققت إرادة شعب مكلوم. وما رجوع الطفل (كونزالس) إلى بلاده إلاَّ انتصاراً رمزياً فقط قد يكون فاتحة انتصارات أخرى على قوى الظلم والطغيان.

وبعد، فالطفل الكوبي الرمز عندنا بظُفر الشهيد محمد الذرة وهو الآن يتقلب في نعيم الجنان، أولا يستحق منا جميعا حكاما ومحكومين ومجتمعاً مدنياً مواقف أكثر صلابة واستماتة نرهب بها أعداء الله وأعداء أمتنا العربية والاسلامية، وقد طغوا وتجبروا على أمتنا فاستباحوا الأعراض وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ واستأسدوا علينا لا من قوتهم ولكن من ضعف مواقفنا وتخاذلنا، وللّه ذر القائل : ما كانت الحسناء لتضع خمارها لو أن بالجموع رجال..

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>