الله سبحانه أعلم حيث يجعل أصل رسالته وميراثها، وهو الذي يصطفى من يتحمل أعباءها وصعابها، ويخوض غمار جهادها وتبليغها. قال عبد الله بن مسعود ] : >إن الله نظر في قلوب العباد فرأى قلب محمد خير قلوب أهل الأرض فاختصه بالرسالة، ثم نظر إلى قلوب العباد فرأى قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبته<.
فالله سبحانه إذا علم من إنسان صدق الإقبال عليه وقوة التعلق به، والإخلاص في محبته وتوحيده، فحينئذ يؤثره برسالته ودعوته، فيجعله من رجالها وحملتها، ويكرمه بأنوار العلم النافع والعمل الصالح، فيصير هاديا مهديا، وصالحاً مصلحاً.
قال : >ما من نبيء بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون -أي خلصاء وأصفياء- وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره..<(رواه مسلم) وبعد هذا الإكرام الإلهي، والاصطفاء الرباني يأتي التأييد بالتوفيق والعون على إمضاء العقد، وتحرير البيعة لله ولرسوله على العمل الإسلامي والجهاد الدعوي.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : >بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، -أي الاختصاص بالمشترك- وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله تعالى فيه برهان، وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم<(متفق عليه).
وحيننئذ يصبح التنعُّم بنعمة العمل لدين الله أعظم لذة في متاع الحياة الدنيا، وأطيب نعم التوفيق لمرضاة المحبوب، فيا ليت قومي يعلمون طعم هذه الأذواق، وجلال هذه الأحوال، وسمو هذا المقام، فيدركون بذلك أعلى مقامات السالكين لسبيل الرشاد، وأرفع أحوال الطالبين للنجاة في يوم المعاد.
عن أبي بكر الصديق ] قال : يا أيها الناس إنكم لتقرؤون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}-المائدة : -105 وإني سمعت رسول الله يقول : >إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه<(رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح).