مع كتاب الله عز وجل : تفسير سورة التحريم {يا أيَّها النّبِيء  جَاهِدِ الكُفَّارَ والمُنَافِقِينَ واغْلُظْ علَيْهمْ ومَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وبِيسَ  المَصِير} بعض أحكام الجهاد في الاسلام


المسلمون مطالبون بالاستعداد العلمي للجهاد

هناك مجهود حربي دفاعي سلمي وهناك مجهودات حربية هي في ظاهرها تجارب سلمي.ة هذه الأعمال تقدم العلم، لكن ليس العلم فقط، هي أشياء مدنية سلمية لكن كل نتائجها تستخدم لأغراض عسكرية، مرْصد “هافن” مثلا، الذي وُضِع في الفضاء واستطاعت أمريكا أن تتجسس به على كثير من الدول حتى قالوا إنهم يستطيعون أن ينظروا إلى ساعة رئيس الاتحاد السوفياتي سابقاً، هذا مرصد دقيق يمكن أن يلتقط عقارب ساعة رئيس موسكو، هذا مجهود مدني ولكنه في نهاية الأمر يوظف في الحرب أو نتائجُه توظف في الحرب لأنه كلما ارتفعت مركبة فضائية، فإنها تحمل أغراضاً عسكرية، ولو أنها مدنية فالجانب العسكري موجود في ذلك كله، والتسابق نحو حرب النجوم معروف، إذن الدول العظمى تنفق جزءاً كبيراً من طاقاتها ومما تملك من أجل الاستعداد للحرب وهي آمنة، فَلِمَ ينكر على المسلمين أن يجمّعوا شيئا من مالهم ويقوموا بالتعبئة من أجل أن يكونوا -على الأقل- في المستوى العسكري المطلوب منهم. هذه أُولَى، ثم لابد بعد ذلك من ترشيد الاقتصاد وتكوين الرجال عن طريق الاكثار من الأكاديميات ومراكز التكوين العسكري أي الكليات العسكرية، ولابد كذلك من التوغل في الصناعة العسكرية بمعنى صنع الآلات العسكرية لأن الذي يستورد السلاح لا يمكن أن يقاتل أو يكون مقاتلا، لأن العدو لا يمكن أن يبيعك شيئا يمكن أن تقتله به، إنما يمكن أن يبيعك شيئا يُمْكِن أن يَسْتَنزِف به فقط قُدْرتَك الشرائية، إذن فَمن هنا يبدأ الجهاد، بالتعبئة الشاملة، بالاستعداد بتطوير المستوى ثم بعد ذلك يأتي الموقع الذي تكون الأمة مهيأة لأن تقاتل وأن تجاهد.

أحكام الجهاد

هذا كله يقع في دائرة الاستعداد، لكن الدخول في المعركة له أحكام، فمرة يكون على سبيل الوجوب العيني، ومرة على سبيل الوجوب الكفائي، ويكون على سبيل الوجوب العيني إذا داهم الكافر بلاد المسلمين مثله مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج تماماً، ويصير الجهاد حينئذ فريضة الوقت أي على كل المسلمين أن يجتمعوا على الجهاد، ويصير الجهاد كذلك فرضاً عينيا إذا ظهر أن الكافر يريد البطش ببلاد المسلمين فلا ننتظر حتى يهجم علينا، فيخلف فينا ضحايا أو يحطم قدرتنا الاقتصادية والعسكرية، فحتى إذا تبين لنا أنه يتحرش بنا وأنه يريد أن ينقضّ علينا مباشرة نُعاجله بذلك، فيكون الحكم حينئذ هو الفرضية العينية.

كذلك في حالة ثالثة يصير الجهاد فرض عين إذا عجز الذين يلُونَه من المسلمين فإذا هجم العدو على منطقة من بلاد المسلمين صار الجهاد فرض عين عليهم، لكننا نحن بحكم درايتنا وخبرتنا وتقديرنا للأمور، علِمْنا مثلا أن المسلمين في الشيشان أقل قوة من الروس لأن روسيا الآن هي القوة العسكرية الثانية في العالم، والشيشان بإمكانهم أن يثبُتُوا مدة طويلة، يمكنهم أن يعذبوا هؤلاء الروس، يمكنهم أن يطيلوا معاناتهم وأن يَصُدُّوهم ولكنهم في نهاية المطاف يبقون أقل عدة وعدداً من الروس، أي لن يكون لهم النفس الطويل الذي يُمَكِّنهم فيما بعد بشن حرب العصابات ويدافعوا عن بلادهم، فهم بوضعهم ذلك ينقلون لنا الفرْضيّة العينية، فيصير واجباً على المسلمين الذين علموا حالهم أن يعينوهم على الجهاد، ويكون الفرض حينئذ فرْضَ عيْنٍ علينا، ولذلك قالوا إن الجهاد إذا فرض على جهة ما من بلاد المسلمين فعجزت تلك الجهة عن المواجهة ينتقل إلى المسلمين الذين يلُونَهُم، فإن عجز الذين يلُونهم أو قعَدوا ينتقل إلى الذين هم أبعد منهم، ولازال الجهاد يتوسع ويتضخم تدريجيا حتى يعم كل بلاد المسلمين بلا استثناء.

إعلان النفير العام عند المداهمة

فالجهاد في الشيشان مثلا فريضة على كل المسلمين ولو كانوا في باكستان أو في جنوب إفريقيا أو في أمريكا، كل واحد يمكنه أن يفكر في المشاركة في الجهاد على الأقل في جانب من الجوانب، على الأقل في الجانب المالي، هنا يكون الجهاد قد صار فرْضَ عين ونتيجة ذلك أنه لا يُعْفى منْه أحد، يخرج له الكبير والصغير والمرأة والطفل على حد سواء، يخرج الجميع ولذلك يسمونه النفير العام، أي إذا كان على سبيل الفرضية العينية يتحول إلى نفير عام.

أما في حالات أخرى إذا كان المسلمون الذين يلونه قادرين ولمْ يُداهِم الكافر بلاد المسلمين، ولم يهجم عليها، فإنه يبقى فرضاً، ولكن يبْقَى على الفرضية الكفائية، إذا قام به البعض سقط عن الباقي، وإذا كان فرضاً كفائيا فإن هناك أناساً في هذه الحالة لا يتوجه إليهم بالخطاب، أناسٌ لهم عُذْرٌ منهم الأعمى والمُقْعَد والأقطع الذي ذهبت يده، ومن له عاهة تشبه هذه العاهات فإنه لا يطالب بالجهاد أبداً لأن وضعه يدل على أنه ليس مستعداً وليس قادراً على ممارسة هذه الفريضة. وفي حالة الكفائية يرفع الجهاد عن الزوجة التي لها زوج لكن إن أذِن لها الزوج بالمشاركة في الجهاد فإنه حينئذ يصبح واجباً عليها لكنه لا يجب عليها وجوباً عينيا، وإنما وجوباً كفائيا. ويُعفى منه أيضا أالمَدين الذي له دَيْنٌ كبير وصاحبه يطلبُه، لأن واجِبَ الدّيْن واجب عيني، إن لم يُؤده حُرِم من دخول الجنة، ولذلك قال رسول الله  لبعض الناس >أدوا عن ميتكم فإنه محبوس عن الجنة< أي وجبت له الجنة لكنه ظل محبوساً عنها حتى يؤدّى عنه الدّين حتى لو كان من الصالحين أو من الشهداء، والدين هو أول ما يخرج من التركة، فلو ترك مثلا بيتاً وعليه دَيْن وجب على الورثة أن يبيعوا البيت ويؤدوا عنه الدّين وإلا اعتُبِرُوا غاصبين لحق الغير..

وقالوا كذلك لا يخرج من تعيّن وجوده في الأمة، مثلا لو فرضنا أن مدينة أو أمة ليس لها إلا فقيه واحد يفتيها في أمر الحلال والحرام والأنكحة، فهذا لا يخرج (وهذا لا يوجد إلا في بلاد الأعاجم.) لأن موضعه من الفتوى يعتبر بالنسبة إليه فرضاً عينيا فلا يخرج إلى الفرض الكفائي، لأن ما هو فيه من الفرضية العينية أهم من الفرضية الكفائية وهذا من ترتيب الأولويات في الدين.

إذن هذه الحالات كلها أعذار تجعل الانسان غير مطالب بالجهاد ومع ذلك فقد كان المسلمون مع هذه الأشياء لا يقنعون بهذه الأعذار (هذه أعذار لهم وليست عليهم) ومع ذلك كان الكثير منهم لا يتمسكون بها، مثلا عمرو بن الجموح ] كان صحابياً أعرج شديد العرج، وكان له أربعة أبناء كالأسود في الحرب، ثم جاءت غزوة أحد فأراد الخروج فقال له أبناؤه : “إنك معذور إن الله قد عذرك ونحن نقوم مقامك ونجاهد في سبيل الله نيابة عنك. فخرج عمرو بن الجموح إلى رسول الله  يشتكي ويتظلم قال : أبنائي أرادوا أن يحبسوني عن المشاركة في الجهاد وإني أريد أن تطأ عرجتي هذه الجنة. قال   : لك ما شئت. وتركه عليه الصلاة والسلام وشارك مع عرجته الشديدة مع المسلمين في الغزوة واستشهد ووطئ الجنة بعرجته تلك.

وكان أبو ذر الغفاري ] قد خرج مع المسلمين في غزوة تبوك فتخلفت راحلته وأبطأ ولم يستطع أن يصل مع المسلمين وانطلق الركب وهو يعالج ناقته التي كانت مريضة ولا تستطيع أن تحمله، فطالت معالجته لها ولم يتخذ ذلك عذراً وإنما أخذ رحْل الناقة ووضعها فوق ظهره وتركها حيث كانت في الصحراء، وذهب يقتفي أثر رسول الله ، حتى كان النبي عليه السلام ببعض المواضع فرأى بعض الصحابة رجلا يمشي، فقال  هذا رجل يمشي وحده وقال عليه الصلاة والسلام: كن أبا ذر، فاقترب فإذا هو أبو ذر ] فقال النبي  : >رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده ويبعث وحده<، معنى هذا أنالمؤمنين وإن كانت هذه أعذار لهم فقد تجاوزوها ولم يلتفتوا إليها رغبة منهم في المشاركة في هذا الواجب.

والنساء وإن كن كذلك حلائل، فقد كان الكثير من الأزواج لا يمنعون النساء من المشاركة في الكثير من المعارك، ولذلك كانت النساء تشارك في المعارك مشاركة واضحة بينة، في غزوة أحد حضرت أربع عشرة امرأة وشاركن فيها وكن يعالجن أمور الرجال ويخلفن الرجال في رحالهم وينضجن الطعام ويعالجن الجرحى، وأم سليم كانت كذلك تفعل، وعائشة رضي الله عنها، وفاطمة، وكل هؤلاء شاركن في المعارك وحضرن في هاته الغزوات، ولم يأخذن بالعذر في أن النساء لا يشاركن في المعارك، بل شاركن وكانت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازنية امرأة تشارك مشاركة الرجال في المعارك، وقد شاركت في يوم أحد ودخلت المعركة تريد أن تشارك فيها كالرجال فحينما انهزم الرجال وتراجعوا وقفت تذود عن الرسول  وقد أخدت ترمي بالنبال كالرجال، وكانت تصرعهم وتدافع عن الرسول  وتقف دونه وتضرب بما تستطيع أن تضرب به، وقد ضربت الرجل الذي كان يريد أن يهجم على الرسول  وهو عمرو بن قميئة، كان يصرخ أين محمد؟ أرونيه أقتله، فاعترضت سبيله، وضربته ضربة وضربها هو ضربة ورأت رجلا يُقبِل نحوها وعرفت أنه الذي كان قد قتل ولدها فاعترضت سبيله وضربته بسيفها فقطعت ساقه وأسقطته أرضاً ثم اجتمعن عليه (أي مجموع من ساعدها) فقتلن هذا الرجل. ورآها رسول الله  فابتسم وقال عليه الصلاة والسلام : >ومن تطيق مثل ماتطيقين< وقد شاركت هذ الصحابية في معارك متعددة من معارك الاسلام، المهم أن العذر قائم ومع ذلك فقد كن يردن المشاركة.

الجهاد هو الطريق

لإعلاء شأن الأمة

المهم من هذا هو أن الله تعالى يأمر نبيه بالقيام بهذه الفريضة في مواجهة الكفر والكافرين لا من أجل العدوان، لأن العقيدة لا تفرض بالسلاح وإنما من أجل أن يكون للأمة الاسلامية كيان موجود وأن تحترم وأن تبقى عقيدتها مصونة.

بالجهاد يمكن للأمة أن ترد الصاع صاعين، وهذا الاستعداد للجهاد يعطيها ولاشك مكانة بين الأمم، وبتلك المكانة يمكنها أن تخترق الأمم الأخرى وأن تتصرف في أشياء كثيرة ولا تعيش على هامش التاريخ ولا على هامش الأحداث، وإلا كانت أمة مهينة ضعيفة حقيرة كما هو وضع الأمة الاسلامية الآن التي تعيش هذا الضعف بسبب أنها تركت وأهملت الالتزام بكتاب الله في كل الجوانب وفي كل القطاعات بما فيها هذا الجانب الذي يدعو الله فيه إلى الاستعداد العسكري.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>