أولادنــا أكبـادنـــا حظ الأكباد من سموم الاستشراق


جلست منذ أيام أمام التلفاز، لأتابع إحدى حلقات الرسوم المتحركة التي تقدمها إحدى القنوات العربية رغبة في التعرف علي مضمون ما يقدم لأطفالنا الأبرياء.

ولقد أصبت بخيبة أمل مصحوبة بألم شديد نتيجة ما كنت أسمع وأرى. لقد كانت تلك السلسلة من الرسوم مصوغة على طريقة كليلة ودمنة، حيث تصب قضايا الإنسان في قالب الحيوان وتعالج من خلاله. ولكنها -بسبب أصلها الأوربي ودلالتها الغربية- جعلت موضوعها هو الإنسان العربي المسلم لتفرغ فيه خلاصة تصورها المشوه عن الإسلام والمسلمين. وهذا يعكس مدى الهجمة الاستشراقية الشرسة الجديدة التي تستغل كل الوسائل، وتمتد عبر القنوات العلمية والتعليمة والإعلامية والثقافية الموجهة نحو الكبار والصغار على حد سواء.

تدور القصة حول صراع بين أمير عربي يلبس زيا خليجيا، نزل بإحدى الدول الغربية بطائرة خاصة صحبة أبيه السلطان، ومعهما زوجاتهما الكثيرات. ويفيد سياق القصة أن غرضه من هذه الزيارة هو تصيد فتاة شقراء يضيفها إلى ذلك العدد الضخم. وقد وقع اختياره على فتاة كانت تعيش مع مجموعة من المشردين بين حطام السيارات في مكان مهجور. فاستغل الأمير حاجتها وأغراها بالهدايا وما لذ من الطعام والشراب، وحين حاول أصحابها انتشالها من سكرتها واضطروا إلى مواجهة الأمير سلط عليهم عصابته المتوحشة فأشبعتهم ضربا!!

ثم لما قفل راجعا إلى طائرته -فرحا بغنيمته- أفصح للفتاة عن مصيرها الذي ينتظرها، مما جعلها تنتفض وتبدأ في المقاومة، وفي هذه اللحظة التي أفاقت فيها من نشوة الإغراء، يبرز بطل القصة -وهو صديق الفتاة الأصلي- مترئسا للمجموعة التي كانت تعيش معها، فيدبر خطة تنتهي بإنقاذ الفتاة وهزم الأمير ورجاله بطريقة ساخرة!! ثم تنتهي القصة برجوع الفتاة مع صديقها إلى مكانهما معبرة له عن سعادتها بالحرية ولو مع شظف العيش.إن خلاصة ما ينطبع في ذهن المتلقي لهذه القصة ما يلي:

- أن الإنسان العربي رجل مشغول بغرائزه، وأن همه الغالب عليه هو تكثير الزوجات، حتى لو وصل العدد إلى العشرين أو زاد عليه قليلا!!!

- أنه يستغل حاجة الآخرين وبراءتهم لتحقيق مآربه الخاصة دون اعتبار للمشاعر الإنسانية.

- أنه إنسان ماكر يعتمد علي الخديعة والحيلة لتحقيق أغراضه، فإن فشل في ذلك، أو حاول أحدهم مراجعته أو صده فإنه يواجهه بالعنف والإرهاب.

- أنه -وإن كان مخادعا- إلا أنه بليد لا يصمد أمام الأذكياء، ويظهر هذا بوضوح في تلك الهزيمة النكراء التي ألحقها صاحب الفتاة بالأمير ورجالاته.

إن هذه التصورات هي عينها التي تتردد في كتابات المستشرقين الحاقدين على العرب والمسلمين، وقد جرت العادة بذلك عندهم حتى أصبحت مألوفة. ولا عجب في أن يهيأ الكاتب أو الفنان الأوربي مادة شرقية يسلي بها أطفاله، فهم المقصودون أساسا بهذا الخطاب لتشويه صورة الإسلام في أذهانهم منذ البداية. وإنما العجب العجاب والسؤال الذي ليس له جواب هو كيف تصبح أكبادنا هدفا لتلك السهام المسمومة، وكيف تتحول الشاشة الصغيرة مرآة تعكس له ذاته بصورة مقلوبة فيتفرج عليها ويضحك منها وهو البريء لا يدري أنه يضحك من نفسه ومن آبائه!!. ولله در الشاعر  إذ يقول :

أولادنـــا أكـبــادنــا  < < تمــشي عـلـى الأرض

إذا هبت الريح على بعضهم

امتنعت عيني عن اغمض

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>