أقامت هيأة الأمم المتحدة احتفالا بمناسبة الدخول في الألفية الثالثة، حضره معظم قادة دول العالم مُهَلِّلين مستبشرين.
واللافت للنظر في هذا التجمُّع الاحتفالي أن الدُّول الإسلامية شاركت مشاركة سلبية كغيرها من الدّول الفقيرة ماديا ومعنويا، كأن هذه الدُّول لا تَمْلِكُ أعْظَمَ مشروع حضاري وحْدَه الكفيلُ بإنقاذ البشرية من الفساد الخُلُقِيّ الذي ترَدَّتْ فيه مُنْذُ إدْبَارِها عنْ تَأْلِيهِ الله تعالى الخالق الرازق، وتقديسها لطاغوت المال والهوى الذي سيقود الإنسان إلى الدَّمار المحقّق إذا لم يَتَدَارَكْهُ الله تعالى بهَدْي الإسلام ونوره الماحِي لكل أنواع الزيغ والضلال.
وإذا كان القرن الأخير من الألفية الثانية قد حقق فيه الإنسان طَفرات متعددة سواء في ميدان التنظيم السياسي، أم التنظيم الاجتماعي، أو التنظيم الاقتصادي… أو في ميدان التقدم العلمي سواء في الناحية الصحية، أم البيولوجية، أم الإعلامية،…أو في ميدان التقدم التكنولوجي الذي سَهَّل اختراق الآفاق وغَزْوَ الفضاء،.. إلى غير ذلك من الميادين التي تعتبَرُ بحقٍّ فخراً للإنسان ونعمة تَسْتَوجِبُ الشكر الدائِم لو كان هذا الإنسان يعقل ويتدبّر.. فإن هذه الطفرات كلها يشوِّهُ صورتها ما ارْتكِب في هذا القرن من جرائم فظيعة في حق الإنسانية بصفة عامة والمسلين بصفة خاصة، إذ لا يُمكن أن ينسى التاريخ فظاعة الحربين العالميتن، وفظاعة الحقد الشيوعي، وفظاعة الأهوال الاستعمارية، وفظاعة الحروب المجردة على العالم الإسلامي في الباكستان، وأفغانستان، ومصر وسورية، واليمن، والخليج، والمغرب، والجزائر، وغير ذلك من المناطق التي مازالت تلعق جراحها لحد الآن.
كما يُشَوِّهُ صورتها التآمر الرهيب الرامي إلى مَحْو آثارِ الإسلام وحضارته من الوجود، حيث عمل سَدنةُ الاستعمار والمال على إسقاط الخلافة، وغَرْس الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي، وتمكين العلمانيين من التحكم في مصائر الشعوب الإسلامية عن طريق العسكر -غالباً- أو الديمقراطية المصنوعة أحيانا، ونشر الانحلال وجميع صور الفساد في المجتمعات الإسلامية، وفرض النظم التعليمية والاقتصادية على الشعوب الإسلامية رغم أنها تناقض مبادئ دينها تناقضا تاماً..
فهل غاب عن قادة شعوبنا هذه الصور الرهيبة فذهبوا يحتفلون مع المحتفلين بدون مشروع يَرْمي إلى تحقيق التوازن بين التقدم المادي والمعنوي، وتحقيق التوازن بين صوت القوي والضعيف، وبين كرامة الإنسان الأبيض والأسود، والشمالي والجنوبي، كما يرمي إلى تأسيس نظام عالمي لا يكيل بمكيالَيْن، ولا يتعامل بوجهين، فالحق حق أياً كان مصدره، والباطل باطل أياً كان مصدره فهل ذهبوا ليُسَجِّلُوا الحضور ويكثِّروا السَّواد ويأخذوا الرضى من غيْر رب العباد؟؟
ذلك ما يفعله من لا رسالة له في الحياة، أما الشعوب الإسلامية فقد جعل الله تعالى لها رسالة بل شَرَّفها بأعظم رسالة هي رسالة الحق والهدى والعدل المطلق، وبشّرها بالتمكين لرسالتها إذا هي فهمتْها وطبقت تعاليمها بصدق وإخلاص.
وملامح قرب تحقيق البشرى تظْهَرُ واضحة جلية فيما يلي :
1) الوصول إلى الباب المسدود، حيث أصبح قادة النظم والأحزاب والفكر عاجزين تمام العجز عن تفجير الحماس لدى الشعوب الإسلامية إن لم يكونوا أصبحوا عبئاً ثقيلاً عليها.
2) محاربة المشروع الإسلامي بفكر مهترئ لا صَدَى له ولا أثَر، أو بأسلوب بدائِيٍّ عَفّى عليه الزمان.
3) هيمنة القوى المادية، وسيطرة الظلم والهوى على مقاليد السياسة الدولية والمحلية، وكل ذلك يجعل الإنسان يتطلع إلى إشباع الجوع الروحي، وإلى التخلص من الظلم الذي لا سند له من شرع أو قانون.
إن بعض هذا وأكثر منهذا، يجعل المسلمين يأملون أن تكون الألفية الثالثة ألْفية الإسلام إن شاء الله تعالى أحَبَّ من أحب وكره من كره. {أَفَرايْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وقَلْبِهِ وجَعَلَ علَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَّكَّرُونَ}(الجاثية : 22)