مجرد رأي : شروط المشروع وضوابطه


…إن أي مشروع إصلاح أو تخطيط مهما بلغ من الدقة، ومهما بُذل فيه من جهد ومهما توفّرت له من أسباب النجاح فلا يمكن أن يؤتي أكله ويُترجم إلى واقع ملموس إلاّ إذا توفرت له ثلاثة شروط أساسية :

-1 أن ينطلق من ثوابت وأصالة الأمة أو المجتمع المستهدف.

-2 أن يتوفر له العنصر البشري الصالح والمالك للرؤى الصحيحة والسليمة للأهداف والمرامي.

-3 أن تتوفر له الإرادة الحقيقية والصادقة والمنتجة للتّعامل معه بإيجابية وبحماس، والإرادة هاهنا يُقصد بها الإرادة السياسية والاجتماعية، بحيث يصبح المشروع أو المخطط همّاً يحترق من أجل تفعليه الجميع حُكّاماً ومحكومين، قمّة وقاعدة، وعِبْأً يسهر على تطبيقه الجميع.

فلا يجوز عقلا ولا نقلا أن يتحمس الناس لمشروع أو مُخطط مُنْبَث لا أصل ولا هوية له فالناس يحترقون ويتحمسون لشيء يجدون فيه ذواتهم ويشمون من خلاله هويتهم وأصالتهم فيحصل لهم الاطمئنان والثّقة على استمرارية أصالتهم وقيمهم ومنظومتهم الفكرية والوجدانية، وفي استمرارية هذه الأشياء استمرارية لوجودهم عبر أبنائهم من بعدهم.

أما بخصوص شرط صلاح العنصر البشري فلا يجوز عقلا ولا نقلا أيضاً أن يتحمس الناس لمشروع لا يقوم عليه ويُشرف على تطبيقه العنصر البشري الصالح، فوجود الصالح في أي عمل كان يُكسبه الثقة، والثقة تُكْسب الحماس وتلهب المشاعر من أجل إنجاح هذا العمل. يلاحظ ذلك جليا في العديد من الأعمال الاجتماعية والخيرية، فنجاح هذه الأعمال يقاس بمدى الثقة والصلاح الذي يتوفر في الفرد أو الأفراد القائمين على هذا العل لالاجتماعي أو غيره.

والصلاح المُتحدث عنه اهنا ليس وصفا هلاميا كما يتبادر إلى الأذهان، بل الصلاح له ضوابط في تصورنا الإسلامي، هذه الضوابط تتحدد في خاصيتي القوة والأمانة. وهما مأخوذتان من قوله تعالى حكاية على بنت شعيب : {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْت القَوِيُّ الأَمِين} والقوة هنا المقصود بها القوة العلمية والقوة الإدراكية المرامي ومقاصد وأهداف المشروع لمراد تطبيقه. ويتبع ذلك القوة التدبيرية أو (اللّوجيستكية) بتعبير اليوم لإنزال المشروع على الواقع بأقل تكلفة وأعلى مردودية.

أما الأمانة فهي تلك المنبعثة من الحرْص الشديد على خدمة هذه الأمة واستنفار أقصى الجهد للعناية بأجيالها والحِفاظ على هويتها وثوابتها الدينية واللّغوية والحضارية حتى تكون بحق أمة معتزة بعقيدتها مستقلة بهويتها فخورة بانتمائها الحضاري، وفي مستوى التحديات العصرية، فاعلة في الحضارة الانسانية مُشعة بكل خير تحقيقا لدور الشهادة على الناس الذي كلفت به مِن لدن الله عز وجل {وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وسَطا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ على النّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}(البقرة : 141).

وبعد؛ فهذه الشروط التي ينبغي أن تتوفر لدى أي مشروع أو مخطط يراد تطبيقه، فمن وجد خيراً فليحمد اللّه، ومن وجد غير ذلك فليراجع حسابه مع الله ولا يلومن إلاّ نفسه ولا يلومن معه أحداً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>