خطورة الخطة الحكومية على النمو الاقتصادي والسكاني


خطرها على الاقتصاد :

الخطة في حال تطبيقها وخاصة الشق المتعلق بإعطاء الزوجة نصف الثروة المكتسبة خلال الزوجية ستخلق في النفوس عزوفا عن الادخار، ورغبة في الانفاق والاسراف والتبذير وربما الزهد في العمل والميل الى الكسل واستسلاما للراحة والدعة فأكثر الناس سيكونون عزابا، ليس لهم أسرة، ولا أطفال يدفعونهم للعمل لتأمين سعادتهم حاضرا ومستقبلا، والقلة القليلة المتزوجة يخافون من مقاسمة الزوجات لهم فيما استفادوه بعرق جبينهم. ولا يحب أحد أن يشقى ليسعد غيره بشقائه وعلى حسابه، ولا يرضى عاقل أن يطاله المثل الشعبي القائل : >اخدُمْ يا تاعِس للناعس<. فالرجل الذي يرى نصف ثروته صائراً إلى غيره بالرغم من أنفه تقل في نفسه حوافز العمل أو تختفي، وتتضاعف لديه دوافع الكسل. وتاريخ المعسكر الشيوعي خير شاهد على ما نقول، حيث كان العمال يتملصون من العمل ويتهربون منه. أَوْ لاَ يُخْلِصون فيه، رغم ما كانوا يتعرضون له من ضغوط وعقوبات قاسية في بعض الأحيان، كانوا يتحملونها، ويفضلونها على أن يروا غيرهم يتمتع بخيرات عملهم وثمار تعبهم.

ولاشك أن وضعا كهذا تقل فيه حوافز العمل والرغبة في الادخار من شأنه أن يلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد المغربي الذي سيحوله إلى اقتصاد استهلاكي أكثر مما هو عليه الآن.. تتقلص فيه فرص الاستثمار الوطني لقلة الادخار وتتفاقم فيه البطالة وتكنسه الواردات، وتقل فيه الصادرات ويتضخم العجز التجاري بالإضافة إلى مصاريف الوقاية والعلاج من الأمراض الخبيثة التي ستفرزها الخطة. وتكاليف إيواء المنبوذين والمتخلى عنهم الذين سيتكاثر عددهم عند تطبيقها وهي وضعية صعبة طالما تمناها الآخرون للمغرب، وعجزوا عن تحقيقها، وأخاف أن يمكِّنهم تطبيق الخطة من بلوغها، وبأيد مغربية فيصدق عليه المثل القائل : “عَلَى نَفْسِهَا جَنَتْ بَرَاقِشُ” وقوله تعالى : {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ}(الحشر : 2).

خطر الخطة على استقرار المجتمع :

المغرب بلد مسلم، ومجتمعه مجتمع مسلم متجذر في الإسلام، والإسلام متجذر فيه وهو قضيته الأولى منذ آمن بهذا الدين، هو الذي نشره في الأندلس وإفريقيا، ولن يتخلى عن ريادته وقيادته، ولن يستسلم هذا الشعب المومن الأبي لخصوم دينه، ولن يتنازل بسهولة عن شريعته، ولن يفرط في هويته وحضارته، وسيتصدى بكل قوة لمحاولة تغريبه وتدجينه، ويقاومها بكل وسائله، وسيتولد عن ذلك صراع التيارات الذي بدأت بوادره تلوح في الأفق، وهو صراع ليس في مصلحة أحد، ولن يكتوي بناره إذا اندلع إلا المغاربة على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، ثم هو صراع لا مبرر له والشعب في غنى عنه والفتنة نائمة لعن الله موقظها، لكن ما يدريك؟.

فقد يكون من بين أهداف هذه الخطة المصَدَّرة افتعال هذا الصراعلضرب استقرار المغرب الذي ينعم به الجميع ويسوء الآخرين ولا يريحهم.

والمتتبع للأحداث المغربية القريبة والبعيدة واستجوابات الصحفيين الأجانب للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله، لا يمكنه أن ينسى أو تغيب عن ذهنه تلك الأسئلة التي كانت تمطره بها مختلف وسائل الإعلام الأجنبية عن الحركات الإسلامية والأصولية في المغرب والتطرف الديني في كل لقاء تجريه معه، وتتساءل بإلحاح وبإحراج في بعض الأحيان بحثا عن سر هذا التعايش السامي والتفاهم المشترك بين التيارات الاسلامية والمقدسات الوطنية والمجتمع الوطني بكل مقوماته، وهو أمر يوحي بأنها كانت في كل ندوة تبحث عن الخيط الذي يؤلف بين الجميع لتقطعه، وتفتش عن ثغرة يمكنها التسرب منها لضرب هذا الاستقرار وإشعال نار الفتنة، وخلق الظروف المواتية لظهور التطرف الديني لتغذيه وتحتضنه وتفجر عنفه لتغرق هذا البلد الأمين في بحار من الدماء كما أَغْرَقَتْ وتُغْرِقُ بلدانًا اسلامية في الشرق والغرب لتتحكم أو تبقى متحكمة في سيادتها وثرواتها.

فهل تكون هذه الخطة إحدى القنابل الذكية الموجهة لنا؟ وهل جاء دورنا لاستقبالها بأرضنا؟ إننا خائفون ومتشائمون، والعاقل من اتعظ بغيره والمومن لا يلدغ من الجحر مرتين، والدين النصحية. والخطة لن تبشر بخير ولن تدمج المرأة في التنمية، ولكنها ستدمج الأمة في صراعات مُدمية، يتحمل مسؤوليتها مستوردو الخطة ومروجوها.

خطورتها على النمو السكاني وتركيبته :

والخطة الحكومية بِتَبَنِّيها منع تعدد الزوجات والحَدّ من الطلاق ورفع سن الزواج إلى ثماني عشرة سنة ميلادية لا قمرية، وإعطاء الزوجة المطلَّقة نصف مال الزوج المستفاد خلال الزوجية تكون بفعلها هذا تخطط بطريقة ماكرة في تحديد النسل وتعمل بدهاء وفي خفاء على الحد من النمو السكاني بشكل فعال عن طريق زرع هذه الألغام في طريق الزواج، الوسيلة الشرعيةالوحيدة للتناسل والتوالد.

وهي بذلك تخالف نصوص الشريعة الإسلامية وروحها وتتحدى تعاليمها في الحث على التوالد والتكاثر وافساح المجال أمام ذلك بإباحة التعدد والترغيب في الزواج المبكر والتشجيع عليه والتحذير من تسويفه وتأخيره إذا توفرت أسبابه ودواعيه، وتُحَمِّلُ الأولياء والآباء مسؤولية انحراف أبنائهم وبناتهم، وتشركهم في آثامهم إذا قصروا في حقهم ولم يبادروا بتزويجهم عند أول فرصة مواتية لهم كما دلت على ذلك السنة النبوية الشريفة والقرآن الكريم، مثل حديث : >يَا مَعْشَرَ الشَّبَابَ مَن اسْتَطَاعَ منكم الباءة(1) فلْيَتَزَوَّجْ ومن لَمْ يستطِعْ فعليه بالصوم فإنه له وجاء<(رواه البخاري الفتح : 112/9) وحديث : >إذا خَطَبَ إليكُم من تَرْضَوْن دِينَه وخُلُقَه فزوِّجُوه، إلا تفعلُوا تكُنْ فِتْنَةٌ في الأرض وفساد عريض<، قالها  ثلاثا، وحديث  : >يا علي: ثلاثٌ لا تؤخِّرْها : الصلاةُ إذا أتَتْ، والجنازةُ إذا حَضَرَتْ، والأيِّمُ إذا وجَدتَ لَها كُفْئًا<(رواه الترمذي : -269/2 274).  وقوله  تعالى  : {وانْكِحُوا الآيَامَى(2) مِنْكُمْ}(النور : 32) والأمر يدل على الفور عند كثير من العلماء ولهذا نهى الرسول  عن الأيْمَة(3)، وكان يتعوذ من كساد الأيامى ويدعو لهن بالنّفاق(4) (رواه سعيد 187/2)، وقال تعالى : {يَا أيُّها الذِينَ آمَنُوا قُوا أنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَاراً وقُودُها النَّاسُ والحِجَارَةُ }(التحريم : 6) ومن وقايتهم التعجيل بزواجهم.

ثم الخطة باختياراتها المناهضة لروح الشريعة وتمسكها بها وإصرارها عليها تعرض المجتمع المغربي للشيخوخة والهرم، وترشحه لأن يصبح في يوم ما شعبا شائخا محروما من السواعد الشابة التي تحميه وتنهض به صناعيا وتجاريا، وعسكريا وتحافظ على قوته ومناعته وتطوره.

وهي بذلك تقدم خدمة مجانية لمن يهمهم تحجيم هذا البلد وتحطيمهذه القلعة الصامدة من قلاع العروبة والإسلام التي تحطمت على صخرتها أطماع الصليبيين والاستعماريين والمبشرين خلال تاريخه الطويل، والذين يحاولون الانقضاض عليه من جديد متسترين بشعارات مختلفة تهدف كلها إلى تحذير المغرب من تناسله وتخوفه من عاقبته، وتقدم له مختلف الوسائل حتى المحظورة لتعقيم رجاله ونسائه وإجهاض أبنائه وبناته، وحرمانهم من حق الحياة ولو لساعة، يستعجلون بذلك ايقاعه فيما وقعت فيه الشعوب الأوروبية من الهرم والشيخوخة نتيجة هذه السياسة المصدرة إلينا لتفعل فعلتها بعد ما أثبتت فعاليتها ونجاحها في الإسراع بإهرام الشعوب والتعجل بشيخوختها. ولذلك يريدون للمغاربة أن لا ينجبوا إلا في الحدود التي يسمحون لهم بها، وتحت رقابتهم وإحصائهم، ووفق مواصفاتهم، أبناء العوانس الطاعنات في السن الذين يكونون في كثير من الأحيان أضعف أجساما، وأقل مناعة، وأكثر تعرضا للأمراض وأقرب احتمالا للإصابة بالتشوهات الخلقية ولحد الإعاقة الذهنية أو الجسدية في كثير من الحالات أو بعضها عكس أبناء وبنات الشّوَابِّ الذين يكونون أصح أجساما وأقوى مناعة وأبعد تعرضا للأمراض والتشوهات، ومن ثم رغب الإسلام في نكاحهن والتبكير بتزويجهن للمحافظة على نسل جيد قوي سليم، قادر على حماية نفسه وتحمل مسؤولياته. فهل يكون هذا هدفا آخر من أهداف الخطة؟ ولم لا؟ وهي ستفرز شعبا هرما شائخا يسهل استعباده وابتلاعه، ليست له أموال يستثمرها. ولا سواعد قوية يستعملها، ولا تكنولوجيا متطورة يستخدمها أو يصدرها، ولا ضمان اجتماعي يحميه ويثق فيه، ولا دور للعجزة والمسنين تؤويه، ولا نفوذ سياسي يلجأ إليه، شعب ليس أمامه إلا الشيخوخة والفقر والبطالة سرعان ما تدب إليه الأمراض وعوامل الفناء، إنه مصير رهيب ومستقبل مظلم ترشحه الخطة للوصول إليه والسقوط في هاويته، في وقت تحاول فيه الشعوب الأوروبية التخلص من شيخوختها بشتى الوسائل ما حل منها وما حرم، وتسخر لذلك كل التقنيات المتوفرة لها، من أطفال الأنابيب واستعارة الرحم، والتلقيح الإصطناعي، وتفكر في استنساخ البشر بعد استنساخ البقر، وتنفق في سبيل ذلك الملايير، وتقدم التعويضات العائلية السخية لتشجيع التوالد، وتخصص الجوائز النفيسة لمن ينجب توأمين أو عدة توائم، وترغم الراغبين في الزواج على الالتزام بالإنجاب، وتضيق على الأجانب لتضطرهم إلى التزوج من نسائهم والتجنس بجنسياتهم، أو تستقدمهم من أوطانهم لتعويض الخصاص الحاصل عندهم في الأيدي العاملة، ثم محاولة إدماجهم وإدماج أبنائهم وبناتهم في نسيجهم الأوروبي وحضارتهم الغربية المسيحية أو العلمانية الملحدة على الأقل.

وإذا كانت أوربا لم تنهَرْ أمام هذه الأزمة، ولم تعجِّل الشيخوخة بانهيارها، وتحاولُ التخلص من مخالبها بالوسائل المشار إليها فإن المغرب لا يمكنه الصمود ولا يمكنه مجاراة أوربا في ذلك لأن دينه لا يبيح له التقنيات، ولتخلُّفه عنها اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.

وليس أمامه إلا خيار واحد، وهو الإعتصام بدينه والتمسك بشريعته التي تضمن له نموا سكانيا شرعيا وطبيعيا نظيفا غير ملوث ولا مُكلِّف وصدق الله العظيم إذ يقول : {ثُمّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فاتَّبِعْهَا، ولاَ تَتَّبِعْ أهْوَاءَ الذِينَ لا يَعْلَمُونَ، إنّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِن اللَّهِ شَيْئا، وإنّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض واللَّهُ ولِيُّ المُتَّقِينَ}(الجاثية : 18).

—–

(1) الباءة : كلفة الزواج.   //  (2) الأيامى : من لا زوج له ولا زوجة له.

(3)  الآيمة : طول التعزب .  / (4) النفاق : بفتح النون الرواج ضد الكساد.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>