من معجزات هذا الدين انتشاره بإذن ربه بين أقوام كنا نستبعد أن يُلِمَّ بديارهم أو أن يشم أحدُهُم رائحته إلا أن يكون طائرا عليهم غير أصيل لما خبرنا من تشبتهم بقوميتهم ودينهم ولما بَلَوْنَا منهم من شدة وصلابة واعتزاز ودهاء. ولكن القلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء سبحانه… فقد فُجئت في العشر الأُول من المحرم ببضعة نسوة مع بناتهن وبعض من أمهاتهن يغشين مجالس القرآن والدين حرصا على تعميق علمهن بالإسلام ومعرفتهن بالدين وحرصهن على إتقان قراءة القرآن وحفظه وتجويده وترتيله وذلك بمدينة شفشاون التي انعقدت فيها دورة علمية قرآنية للداعيات الإسبانيات المسلمات وإذا بثلة من تلك النسوة من برشلونة أي من القومية الكاطَلونية التي تعتبر من أقوى القوميات وأدهلها وأكثرها اتحادا وإلتحاما .. وقد كنّ أحرصَ أو أشدهن حرصا على الطلب مع التأثر الشديد، وعندتفسير القرآن الكريم كان بعضهن يتجاوبن مع تلك المعاني السامية إلى حد الفهم الدقيق والتأثر الشديد الذي تبرزه الدموع الغزيرة والخشوع والوقار وما يبدو عليهن من سكينة روحية نفتقدها حتى في كثير من أوساطنا الإسلامية العريقة فقلما نعثر عليها.
وقد أطلَعْنَنَا على أحوال الدعوة الإسلامية بمنطقة كاطلونيا وما تلقاه من ترحيب في أوساط النساء.. ومن أهم وسائل التأثير في وسطهن حسن سلوك المسلمين وسمو أخلاق الإسلام وما فيه من توحيد لا شائبة فيه ومن تشريعات عظيمة وعبادات سامية كريمة وروحانية مشرقة عميقة، وهن يستغربن من جنوح بعض النسوة من المجتمع الإسلامي عن هذا الدين العظيم. وعندما تكلمتْ إحداهن عن سير نشاط دعوتهن في أوساط النساء الاسبانيات وموقف السلطات منهن أجابت بأنهن يدعون إلى الاسلام بحرية وبدون خوف أو وجلٍ ولا يعوقهن عن مضاعفة النشاط الدعوي سوى قِلَّةِ الإمكانيات المادية والبشرية.. مع أن الاستجابة إلى هذا الدين قوية والحمد لله، ونظرة الناس إليه عندنا تتحسن باستمرار وقد أخبرتنا أن الكثير منهن أدين مناسك الحج هذه السنة ضمن خمسمائة من المسلمين والمسلمات بأروبا، وكان ملتقاهم أولا بدمشق حيث انطلقوا من هناك إلى الحجاز عبر الأردن وقد سأل الخمسمائة ربّهم هنالك في عرفات وفي بيت الله وفي المشعر الحرام وفي المناسك كلها سألوا الله أن يثبتهم على الهدى وأن يتم نعمته عليهم في أوربا حتى يدخل الناس في هذا الدين أفواجاً.. ونسيت أن أسألهن هل دعوا الله لنا ولحكام المسلمين أن يهدينا سواء السبيل فنتعاون على نصر هذا الدين ونشره وعلى أن يرفعوا -أي الحكام- عنا أذاهم وعسفهم وظلمهم وأن يتركونا أحراراً للدعوة إلى الله كما هو الحال عندهم في بلادهم رغم أن حكامهم نصارى وأن كنيستهم من أعتى الكنائس في العالم!!