الافتتاحية : { إنما يَعْمُر مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ  } (سورة التوبة : 18)


المساجد بيوت الله تعالى، أضافها – سبحانه- إلى نفسه تشريفا لها وتكريما وتقديسا، ولقُدْسِيَتِهَا لا يَدْخُلُها إلا المُتَطَهِّرون حِسًّا ومَعْنًى للعُرُوج بالرُّوحِ إلى الله تعالى في أفْضَل عبادة تتوفَّرُ في هيآتها  (وقوف، وركوع، وسجود، وقنوت) كَامِلُ أنواع الخشوع والخضوع والتذلل والتضرع لنَيْل المغفرة والرضوان من الرحمان يوم وقوف العبيد بين يديه مجرَّدين من كُلِّ حَول وطَوْل، وذلك هو الفوز الكريم في المشهد العظيم. قال تعالى :{يَأيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (سورة النساء :46).

والخمر رجس مادِّيٌ ومعنويٌْ، أمَّا ماديٌ فلأن الخمر خبيثة الطعم والمذاق والرائحة، وأما معنوي، فلأنها تُفْقِدُ شاربها العَقْلَ والتمييزَ والسُّلوكَ القَويم، وبذلك يصبح السكران أحط من الحيوان، ومن كان بهذه المثابة من السفالة والنذالة والخسة والنجاسة لم يُناسِبْه دُخُولُ بيوت الرحْمان بعقل شارد ولهان، ولاَ مُنَاجَاةُ  المنَّان واسْتِمْدَادُ الرحمة والغفران، فالله عز وجل طيب لا يَقْبَلُ إلاَّ طيِّبا، ولا يُرْفَعُ إليه إلا الكَلِمُ الطيِّب، من الجسد الطيب، والروح الطيِّبة.

وأنْجَسُ من السكير المشركُ والكافرُ، سواء أشرك بالله الأصنام من الأحجار والأشجار والشموس والأقمار، أو الأصنام من الملائكة والأولياء والأنبياء، فالذي قال عُزَيْرُ بْنُ الله، كالذي قال عيسى بن الله، وأمه البتول صاحبة الله، والذي اعتقد أن هُبَلَ يشْفعُ له يوم القيامة ويقَرِّبه إلى الله زُلْفَى كالذي يتمسح بالأضرحة راجيا منها الشفاعة والصحة والرزق والولد.

فالمشرك أفْقَدَهُ هَوَاهُ عَقْلَهُ، حيث أصبح هواه صنما مغروسًا داخل عقله يَحْجُب عنه رؤية الله تعالى الذي خلقه  ورزقه، فلذلك كان المشركُ أَخَسَّ من السَّكران، أخْبَثَ وأرْجَسَ من الحيوان، لسُكره بالهوى الذي زيَّن له الفسق والفجور والإفسادَ في الأرض عُلوّاً واغتراراً واستكباراً {أرَايْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأنْتَ تُكُونُ عَلَىْهِ وَكِيلاً أمْ تَحسِبُ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمُ إلاَّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمُ أضلُّ سَبيلاً}(الفرقان : 44) ويوم القيامة نجد جميع الأصناف من المشركين يعترفون بحمقهم، ويُقرّون بخطإهم وانحرافهم {وقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أو نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أصْحَابِ السَّعِير}(الملك : 10).

ومن هنا كان رواد المساجد هم من المومنين أما المتنجسون نجاسة معنوية بالشرك والإلحاد والكفر فلا يحق لهم ارتياد المساجد للصلاة، إذ لا صلاة مع الكفر والشرك ولهذا قال تعالى : {يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا المسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}(التوبة : 28). ولا مفهوم للمسجد الحرام -عند كثير من العلماء- إذ كُلُّ المساجد لها حُرمة المسجد الحرام من حيث أنها بيوت الله، يعمُرها عباد الله، بالصلوات والدعاء وذكر الله تعالى، ولا قبول لذكر ولا دعاء ولا صلاة ممن لا يعرف الله تعالى ولا يعترف له بالربوبية والعبودية.

عندما نضع هذا وأكثر من هذا في اعتبارنا نعرف مقدار الاستهزاء بدين الله تعالى من قوم لا يومنون بالاسلام ويدخلون إلى الأزهر الشريف لتأدية الصلوات، وتلاوة الأدعية -حسبما نشرت بعض المجلات أن وفدا صهيونيا دخل الأزهر للصلاة- فماذا وراء هذا الاستهزاء والاستخفاف بالمسلمين وأماكن عبادتهم، ومنابر علمهم؟؟، وكيف سُمِحَ لهؤلاء؟؟ وعلى ماذا اسْتَنَد من سَمَحَ لهم؟؟، وماذا يُرجى من وراء هذا السماح؟؟ أسئلة كثيرة، والأحسن من التساؤلات السكوتُ وتفويض الأمر إلى الله تعالى، فعليه وحده نتوكل في أن يحفظنا ويقينا شرور الزيغ والنفاق والعمالة والخيانة لله والرسول. اللَّهُم إنا نَجْعَلُك في نحُور كُلِّ مَنْ يَتَرَبَّصُ بالمُسْلِمينَ الدَّوائِر، وكن لنا ولا تكن علينا، ولا تُهْلِكُنا بِمَا فَعَل السُّفَهَاءُ مِنَّا {إنْ هِيَ إلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وتَهْدِي من تَشَاءَ أنْتَ ولِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا وأنْتَ خَيْرُ الغَافِرِينَ} (الأعراف : 155).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>