المحجة تحاور الدكتور محمد عبد النبي من جامعة الجزائر


< بديع الزمان سعيد النورسي والحوار الذاتي

< على الحركة الاسلامية أن تعود إلى محاضنها التربوية والثقافية

> هلا تحدثتم لنا عن فلسفة الحوار عند الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي؟

< < في الحقيقة، الكلام عن الشيخ الأستاذ بديع الزمان النورسي، يطول، وأسس الحوار عند النورسي، الأسس الفكرية والنفسية نجدها مبثوثة هنا وهناك في ثنايا رسائله. وأركز هنا على الحوار الداخلي -إن صح التعبير- الحوار مع النفس، مع المنتسبين إلى الهوية الواحدة والعقيدة الواحدة. ولقد حاولت في بحثي من خلال فكر النورسي أن أتلمس بعض عناصر السبق عنده حول الموضوع. ووجدت أن الرجل يركز في مقاربة للحوار على ضرورة أن يلتزم المسلم، وعلى إنسانية الإنسان قبل الالتقاء على الدين، تفهماً واحتراماً وحفظاً للحقوق. وبهذا يقضي على نظرة دارجة تصنف الناس وفق المعتقد أو القومية، وعندما يركز على إنسانية الإنسان، يدعونا إلى احترام هذا الإنسان حتى ولو كان كافراً، وهذا هو الذي أزعم أننا لم نستطع أن نتفهم مثل هذا الموقف. ولذلك فإن هذه التقسيمات التي يعيشها العالم الاسلامي ضيقت واسعاً.

> في نفس السياق، هل يمكن أن نقول بأن النورسي كان سابقاً لوقته -كما قلتم- وزمانه في كثير من الطروحات الفكرية، فهل دعوة جارودي إلى حوار الحضارات شبيهة بما كان يدعو له النورسي من حوار بين الشرق والغرب؟ ثم إن تحديد الشرق والغرب هل هو تحديد ثقافي، جغرافي حضاري أم ماذا؟

< < بغض النظر عن اختلاف المفاهيم حول المصطلح واستحضار إيحاءاته المختلفة الثقافية والفكرية و… فأنا لا أدعي أن بديع الزمان النورسي كان يدعو إلى حوار الحضارات بالشكل المطروح الآن، لا يجب أن نقوّله ما لم يقل، أو أن ننسب له سبقاً لم يفكر فيه أصلا ربما، لكن أقول : إن نظرته للحوار ككل تعبر عن نسق فكري عام يؤدي بالضرورة إلى أن الرجل لا يمنع فتح باب الحوار مع الآخر، حتى لو كان هذا الآخر لا يدين بديننا، فعندما يقول بأن بعض خلال الكافر وصفاته لا تنبع بالضرورة من كفره، معنى ذلك أنه يدعونا إلى أن نبحث في بعض المواقع المشتركة لعلنا نجد خصلة نفيد منها ومن خلالها نفتح قناة حوار مع هذا الآخر حتى ولو كان يظهر أو يخيل إلينا أنه ممحض للشر.

> بديع الزمان النورسي مفكر وداعية مغمور بالنسبة للحركة الإسلامية والصحوة الإسلامية عموماً، مثله مثل مجموعة من المفكرين، وبالتالي لم تستثمر آراءه وتصوراته وأفكاره بالشكل المطلوب في عملية التغيير.

< < هذا الأمر صحيح، يبدو أن موقع النورسي البعيد واللغة التي كتب بها معظم كتبه جنت عليه، إضافة إلى أمر آخر، هو أن الفصيل الآخر وهو حركة الإخوان المسلمين داخل العمل الاسلامي وما أخذه من حضور في الوسط الاجتماعي والسياسي، يبدو أنه غطى نوعاً ما -حتى ولو من غير قصد- على دعوته. وهذا ما سميته بهيمنة المركز (الحركة الاسلامية الأم بمصر وسوريا) على الأطراف، أي إن زخم المركز والحضور الواقعي والإعلامي الذي حَضِيَ به، كل هذا ساعد على التعتيم على بعض الأطراف الأخرى سواء في تركيا أو في غيرها.

> إذا نظرنا إلى فلسفته للتغيير وقارناها ببعض الرؤى والتصورات السائدة مثل ما طرحه البشير الابراهيمي وعبد الحميد بن باديس في الجزائر.

< < لابد أولا من القول بأن لكل موقع خصوصية، ومع ذلك لاشك أن للحركات الاسلامية جميعاً بعض الجوانب المشتركة باعتبارها دعوات إصلاحية أساساً، مع ملاحظة فارق يبدو لي مهماً عندما نقارن بين النورسي والإبراهيمي مثلا. فالإبراهيمي أديب كبير، ما كان له ذلك الحضور التربوي الكبير في حركة عبد الحميد بن باديس الإصلاحية، فهو معروف بأدبه وبلاغته أكثر، والمقارنة تصح بين ابن باديس والنورسي، مع استحضار الفوارق أيضاً، فابن باديس لم يعتمد على الكتابة أساساً، وإنما اعتمد على التربية المباشرة، كان يباشر الأمر التربوي اليومي، وما وجد من كتابات إنما هي في غالبها عبارة عن دروس كانت تلقى في المسجد، لم تكن له خلوات يفكر فيها ويسُوح فيها في الكون ويصدر آراءه الفلسفية و.. كما حصل للنورسي، ثم إن الظروف تختلف إلى حد ما، ظروف المستعمر في الجزائر، والحركة الكمالية في تركيا.

وفي هذا السياق يمكن ذكر مالك بن نبي أيضا الذي لم ينتشر بالشكل المطلوب ولم تستفد الحركة الاسلامية من فلسفته

في التغيير، لأسباب متعددة منها أن أصل جل كتاباته بالفرنسية، وأنها موجهة أساساً إلى النخبة، فكره نخبوي بخلاف فكر ابن باديس والنورسي، وبطبيعة الحال لكل واحد دوره في هذا المجال وله تأثيره في طبقات معينة قد تتسع هنا وقد تضيق هناك.

> تحدثنا عن تأثير النورسي.. فهل يمكن القول بتأثره بالحضارة الغربية؟

< < في حدود مطالعاتي المتواضعة لكتابات النورسي، لم ألحظ أن هناك تأثراً، بالعكس، الشيء الذي أسجله له، وأسجل سبقه فيه هو انطلاقه في كتاباته من فعل، كتاباته تصدر عن فعل وليس عن رد فعل رغم أنه خضع لظروف كان من الممكن أن تؤدي به إلى ردات فعل قوية، لكنه لم يفعل.

معنى ذلك أنه كان واعياً باللحظة الحاضرة، وكان في كلامه وتوجيهاته وسياحته الفكرية إن شئت كان يصدر عن موقع الفعل، ولا يخفى عليك ما في ردات الفعل وما جلبته ردات الفعل على العالم الاسلامي.

> في العقود الأخيرة برزت ظاهرة جنوح الحركة الاسلامية إلى العمل السياسي على حساب التكوين التربوي والإشعاع الثقافي، من خلال التجربة الجزائرية في هذا المجال، كيف يقيمون هذا الجنوح؟

< < هذا واقع، ولا أستطيع أن أجافي الواقع وأدعي أن هذا لم يحصل، ونظراً لظروف عديدة نلاحظ ضمور الحركة الثقافية، وجعلت الثقافة ككل تضمر وتضيق ساحاتهاومساحاتها، لكن أيضاً محاولات الدخول في مجالات جديدة غير المجالات التقليدية المعروفة سابقاً.. ويمكن أن نقول بأنه قدمت بعض التنازلات في هذا المجال، تنازلات عن طواعية واختيار وأخرى أملتها الظروف والسيرورة الطبيعية للأحداث.

> ألا تتوقعون عودة الحركة الاسلامية إلى معاقلها التربوية والثقافية؟

< < أتصور وأتوقع -وإن طال الزمن- أن يعود البعض إلى المحاضن التي هجروها والتي فرط فيها، أتوقع أن يكتشف البعض عقم بعض مسارات التجربة الحالية والتي بولغ في السير فيها. لعل البعض قد يؤوب إلى نوع رشد يستعيد به المواقع السابقة كان فيها أكثر جدوى.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>