إنما الأعمال بالنيات


عن عمر بن الخطاب ] قال : سمعت رسول الله  يقول : >إنما الأعمال بالنية -وفي رواية : بالنيات- وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه< (رواه البخاري ومسلم).

هذا الحديث أحد أركان الإسلام، وقواعد الإيمان، قال الشافعي : يدخل في هذا الحديث ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه، وقال الإمام أحمد : إنه ثلث العلم، وقال عبد الرحمان بن مهدي : يدخل في ثلاثين بابا من الإرادات والنيات، وقال أبو عبيد : ليس شيء من أخبار النبي  حديثا أجمع وأغنى وأكثر فائدة وأبلغ من هذا الحديث.

معنى الحديث :

(إنما) : أداة حصر، و(الأعمال) : حركات البدن، ويتجوز بها عن حركات النفس. و(الباء) يحتمل أن تكون سببية ويحتمل أن تكون باء المصاحبة.

و(النية) لغة : القصد، تقولالعرب نواك الله بحفظه، أي قصدك الله بحفظه.

وشرعا : قصد الشيء المأمور به تقربا إلى الله تعالى مقترنا بفعله.

و(إنما لكل امرئ ما نوى) أي من نوى شيئا يحصل له، وما لم يَنْوِهِ لا يحصل له، والمراد بالحصول وعدمه بالنسبة إلى الشرع.

(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته…) : أي أن أمر العبادة متوقف على النية.

(ومن كانت هجرته لدنيا….) إن كانت نيته الدنيا حصل له منها ما يريد.

فمعنى الحديث أنه لا يعتد بأي عمل شرعا وإن وقع حقيقة ما لم يقصد به التقرب لله تعالى، وقد يقوم شخصان بنفس العمل، ينال أحدهما بعمله الآخرة، وينال الآخر الدنيا، لاختلاف نيتهما وتباينهما، وهذا أصل عظيم من أصول الدين.

من فوائد الحديث :

- صحة النية شرط من شروط قبول العبادة، فلا تصح العبادة إلا بالنية.

- من أغراض النية تمييز العبادات عن العادات، كالتمييز بين المغتسل تبردا والمغتسل تعبدا، وتمييز رتب العبادات بعضها عن بعض، كتمييز المؤدي للفريضة عن المؤدي للنافلة.

- فيه دليل على أنه لا يجوز الإقدام على الفعل قبل معرفة حكمه، لأنه لا ينتفع بالعمل بغير نية التقرب إلى الله بما شرعه، ولا يتصور ذلك إلا بعد معرفة المطلوب.

- فيه دليل على أن الإنسان يؤاخذ بنيته، فلو حلف : (والله ما رأيت زيدا) وهو ينوي أَنْ لم يُصِبْ رئته، و(ما كلمت محمدا) يريد : (ما جرحته) كان على ما نوى.

- فيه فائدة بلاغية، وهي أن ما يكره ويذم لا يستحب تكراره في الكلام، فإن النبي  أعاد ما بعد الفاء الواقعة جوابا للشرط بلفظ الأول، أعني قوله >فهجرته إلى الله ورسوله< ولم يعده في قوله >ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها< بل قال : فهجرته إلى ما هاجر إليه< ،وما ذلك إلا للإعراض عن تكرير ذكر الدنيا والغض منها وعدم الاحتفاء بأمرها.

- لو وطئ الرجل امرأة يظنها أجنبية فإذا هي مباحة له أثم، ولو اعتقدها زوجته وهي أجنبية فلا إثم، وكذلك لو شرب مباحا يعتقده حراما أثم، وبالعكس لا يأثم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>