المرأة المغربية المسلمة والدور التنموي المطلوب


إن النهوض بأوضاع المرأة المغربية المسلمة وإصلاح أحوالها لا يمكن أن يتم بمعزل عن إصلاح أحوال أخيها الرجل؛ فهما معا يعيشان في نفس المجتمع ويعانيان من نفس المشاكل والأوضاع.

لذلك لا ينبغي التهويل من معاناة المرأة وتصويرها دائما بأنها المظلومة والمحرومة من حقوقها، فالرجل أيضا مظلوم ومهضوم الحقوق ولا يعيش حياة هادئة ومستقرة.

صحيح أن مشاكل المرأة أحيانا أكثر حدة منها عند الرجل، ومع ذلك فهما يعانيان معا من الأمية والفقر والتسول والبطالة وتدني الدخل الفردي..الخ.

وبالتالي فإصلاح المجتمع وترقيته لن يتحقق إلا بتحسين وضع الرجل والمرأة في آن واحد لا بالتركيز على أحدهما فحسب، فإذا كانا متساويين في أصل النشأة، ومتساويين في الحقوق والواجبات فهما متساويان أيضا في تحقيق تنمية شاملة لمجتمعهما. غير أن إسهام المرأة في تنمية المجتمع تعيقه مجموعة من المعوقات التي تحول دون تحقيق التنمية المنشودة. ومن بين هذه المعوقات ما يلي :

-1 مركب النقص :

فهذا عائق ذاتي ينطلق من ذات المرأة ويتمثل في نظرتها إلى نفسها، هذه النظرة التي لم تعد مستمدة من تعاليم الإسلام وقيمه الراسخة. فالمرأة المغربية تنظر إلى نفسها على أنها ذات ناقصة بالمقارنة مع ذات الرجل التي تعتبرها “كاملة”، فإحساسها بالنقص جعلها تثور على طبيعتها الأنثوية وتحاول تقليد الرجل -”المثال” و”القدوة”- في كل حركاته وسكناته : لباسه، هيئته، مشيته، أعماله.. حتى تكون مثله في كل شيء، معتقدة أنها بهذه الطريقة ستصل إلى “الكمال” وتعوض النقص الذي تعاني منه.

إن الإسلام ينظر إلى المرأة على أنها مخلوق مكرم مساوٍ للرجل في أصل النشأة وفي الخصائص الإنسانية العامة وفي الحقوق والواجبات، ولم يفضل أحدهما على الآخر إلا بالتقوى لقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأُنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أتْقَاكُمْ}. فعلى المرأة المغربية المسلمة أن تتجاوز هذا العائق بتصحيح نظرتها إلى نفسها وبإعادة الثقة إليها، حتى تكون مشاركتها في تنمية مجتمعها مشاركة فعالة.

-2 نظرة المجتمع إلى المرأة :

من شر الأمور التي ورثها المجتمع المغربي من عصور الانحطاط تلك النظرة التقليدية التي تنقص من قدر المرأة وتحط من مكانتها وتمنعها من الخروج إلى ساحة المجتمع من أجل مشاركة أخيها الرجل في بناء هذا المجتمع وتنميته.

-3 الجهل والأمية :

إن هذا العائق يعد من أكبر المعوقات التي تعوق إدماج المرأة في التنمية، فالأمية ضاربة أطنابها بين صفوف النساء، خصوصا المرأة القروية التي تحرم من الذهاب إلى المدرسة نظراً للعقليات السائدة في المجتمع والتي لا ترى في تعليم الفتاة ضرورة ملحة كضرورة تعليم الفتى.

إن الإسلام يدعو إلى العلم ويحث على طلبه، بل ويعتبره فريضة على كل مسلم كفريضة الصلاة والصوم والزكاة.. فبدون العلم لا يمكن فهم وتطبيق الدين، قال تعالى : {فَاعْلَمْ أنَّهُ لاَ إلِهَ إلاَّ اللَّه}، فمن أجل الإيمان بالله لابد من العلم بوجوده، إذن العلم أولا ثم الإيمان ثانيا.

يجب أن نعلم المرأة ونخرجها من دائرة الأمية والجهل من أجل تحقيق أمرين أساسيين :

أولهما : تمكينها من رعاية البيت والأطفال أكمل رعاية ولتكون جديرة بحمل مسؤولياتها عند الزواج تحقيقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عنه)).

ثانيهما : تمكينها من اتقان مهنة مناسبة تمارسها عند الحاجة سواء أكانت حاجة فردية أم حاجة أسرية أم اجتماعية(1).

ومن هنا فماذا ننتظر من المرأة الجاهلة أن تُعَلم أطفالها سوى الجهل والكسل والخمول؟!! وصدق الشاعر حين قال :

وإذا النساء نشأن في أمية

رضع الرجال جهالة وخمولا

وتجدر الإشارة إلى أن حرمان المرأة القروية من التعليم لا يرجع فقط إلى العقليات الموروثة من عصور الانحطاط بل كذلك إلى بعد المدرسة -إن وجدت- عن المكان الذي تقطنه الفتاة القروية مما يكلفها عبور الوديان والجبال وقطع المسافات الطوال للوصول إلى هذه المدرسة، هذا بالإضافة إلى المخاطر التي قد تعرض لها في الطريق خصوصا وقد أصبحت طرقا غير آمنة.

إذن يجب اخراج المرأة القروية من التهميش والعزلة المفروض عليها من طرف السياسات المتعاقبة، التي قتلت فيها طاقاتها الابداعية.

ولن يتم ذلك إلا بتنمية العالم القروي بمده بجميع المرافق العمومية أو التجهيزات الضرورية حتى يتمكن الرجل والمرأة القرويان من المساهمة الجادة في التنمية الراشدة للمجتمع المغربي.

ونخلص في الأخير إلى أن الجهل والأمية هو العائق الحقيقي الذي يقف في وجه التنمية لا مدونة الأحوال الشخصية كما تدعي بعض الاتجاهات النسوية العلمانية التي لم تدرك بعد ساحة الصراع الحقيقية، حيث يجب تظافر الجهود من أجل القضاء على الأمية التي يزيد استفحالها في واقعنا المغربي يوما بعد يوم.

-4 الدخول في صراع مع الرجل :

إن علاقة الرجل بالمرأة هي علاقة تعاون وتكامل لا علاقة صراع وصدام، فكلاهما نصف للمجتمع وكلاهما مكمل للآخر، ولا يمكن لهذا المجتمع أن يعرف الرقي ما لم يكن هناك تعاون وتشارك وتآخٍ بين نصفيه.

((فمشاركة المرأة إنما تكون متجهة نحو التنمية والبناء إذا كان عملها وإسهامها متكاملا مع عمل وإسهام أخيها الرجل، لكن إذا انقلب ذلك إلى نوع من التنافس السلبي، بحيث كل يعمل على فرض غلبته على الآخر وكل يعمل على أنه الأقوى والآخر الأضعف، فمثل هذه المشاركة حينئذ ستكون متجهة نحو الهدم والتدمير وتبديد الجهود والطاقات وإماتتها!))(2).

-5 التغريب والعلمنة :

وهذا من أخطر المعوقات التي يجب مقاومتها والتصدي لها لأنها تهدف إلى سلخ المرأة المسلمة من محيطها الإسلامي وإلحاقها بالغرب المادي وثقافته الإباحية، وحتى تكون صورة طبق الأصل للمرأة الغربية.

ولعل هذا يبدو  جليا وبشكل واضح فاصح في ما يسمى “بمشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية” الذي يسعى إلى ضرب الشريعة الاسلامية في العمق عن طريق علمنة المجتمع المغربي المسلم والاتجاه بالمرأة المغربية المسلمة نحو الانحدار الأخلاقي والتدني الاجتماعي.

فعلى هذه المرأة أن تعي جيداً خطورة ما يحاك لها في الخفاء لسلخها من ذاتها وهويتها وشخصيتها الاسلامية حتى ترتمي في أحضان الغرب وتذوب كليا في بوثقته.

هذه إذن بعض المعوقات والعقبات التي تقف في طريق المرأة المغربية المسلمة نحو بناء الصرح الحضاري للمجتمع المغربي، وما لم تتمكن هذه المرأة من التغلب على هذه المعوقات، فإنها لن تؤدي واجباتها نحو مجتمعها على أكمل وجه، أما بخصوص ميادين مساهمتها في تنمية مجتمعها تنمية شاملة، فإن ساحة المجتمع العريضة والواسعة كلها ميدان لتشق طريقها نحو الفاعلية والعطاء. ونذكر من بين هذه الميادين والمجالات على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :

أ- الميدان الاقتصادي :

((ينبغي أن تستثمر المرأة وقتها كاملا وأن تكون عنصراً منتجا مفيداً للمجتمع ولا ترضى لنفسها البطالة في أية مرحلة من مراحل حياتها شابة وكهلة وعجوزاً، وفي جميع حالاتها، بنتا وزوجة ومطلقة وأرملة، فما زاد من وقتها عن حاجة البيت استثمرته في عمل نافع سواء كان عملا مهنيا أو غير مهني. قال تعالى : {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى وهُوَ مُومِنٌ فلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ولنَجْزِيَنَّهُم أجْرَهُم بأحْسَنِ ما كَانُوا يَعمَلُون}(النحل : 97)))(3).

فلم تعد تخفى علينا مساهمة المرأة المغربية كيد عاملة في الاقتصاد المغربي خاصة النساء اللواتي فقدن معيلهن أو اللواتي يساهمن في اقتصاد الأسر إلى جانب الرجال.

فهذه المرأة تعتبر طاقة منتجة حيوية وفاعلة يجب الاستفادة منها في عملية التنمية.

ب-الميدان السياسي :

((المرأة المسلمة -مثل الرجل- مدعوة إلى الاهتمام بشؤون السياسة في مجتمعها، كذلك مدعوة للإسهام في حدود ظروفها وقدر طاقتها في انهاض مجتمعها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل التضحية، أي بتدعيم الإيجابيات ومقاومة الانحرافات، وهذا نوع من الجهاد المأجور لتحقيق رشد السلطة وعدلها))(4).

أما عن أهم مظاهر الأنشطة السياسية التي يجب على المرأة أن تشارك فيها فهي كالتالي:

((أ- المشاركة الفعلية في اختيار الحاكم.

ب- المشاركة في اختيار ممثلي الأمة في المجالس التشريعية.

جـ- إبداء الرأي بالتأييد أو الإعتراض على أعمال السلطة التنفيذية والتشريعية وذلك عن طريق الخطابة والكتابة والمظاهرات والإضرابات والتوقيع على العرائض.

د- الإشتراك في نشاط الأحزاب والقوى الوطنية.

هـ- الترشيح لعضوية المجالس المحلية والتشريعية))(5).

فالمرأة المغربية لها رأي يجب أن تقوله وفكر يجب أن تعبر عنه، ولن يتم ذلك إلا بانخراطها في العمل السياسي والنقابي حتى تتصدى لكل أنواع الحيف والتعسف الذي يمارس عليها.

وتأسيسا على ما سبق ينبغي على المرأة المغربية المسلمة أن تتجاوز تلك المعوقات التي تقف حجر عثرة في طريقها نحو التنمية الراشدة لمجتمعها. فعليها أن تتخلص من كل رواسب عصور الانحطاط وأن تتصدى لكل المشاريع التغريبية التي تريد إبعادها عن قيم دينها وإلحاقها بقيم الغرب الإباحي، ومن ثم يمكنها أن تخرج إلى ساحة المجتمع كي تشارك أخاها الرجل جنبا إلى جنب في بناء مجتمع فاضل راق.

يقول الأستاذ عبد الحليم أبو شقة : ((المرأة شريكة الرجل في تعمير الأرض أكمل وأطهر عمارة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((النساء شقائق الرجال)) لذا كان لابد لها من المشاركة بجد واحتشام في مجالات الحياة، ولما كانت مجالات الحياة بطبيعتها لا تخلو من وجود الرجال بل للرجال في معظمها الدور الأكبر، لم تحرج شريعة الله على المرأة أن تلقى الرجال فتراهم ويرونها وقد يتبادلون الحديث معها، وقد يتعاونون على عمل من الأعمال مادامت تلتزم بالآداب الشرعية))(6).

ويقول أيضا : ((إن لقاء النساء والرجال بآدابه الشرعية هو ما يمكن أن نطلق عليه حسب التعبير الشائع الآن (الاختلاط المشروع) وهو ظاهرة صحية، ونعني به ممارسة المرأة الحياة الجادة لا العابثة، النشيطة لا الخاملة، الطاهرة لا الخبيثة، الخيرة لا الشريرة، ويأتي لقاؤها الرجال نتيجة لازمة من لوازم ممارسة هذا النوع من الحياة، ومن هنا تنتفي كل صور اللقاء التي تدعو إليها داعية الشهوة والمتعةوتثبت كل صور اللقاء الجاد سواء كان عفويا يحقق يسر الحياة أو كان مقصوداً هادفا يحقق خيراً أو يقدم معروفا))(7).

ومن هنا نخلص إلى أن خروج المرأة إلى ساحة المجتمع لمشاركة أخيها الرجل في عملية التنمية يجب أن يكون خاضعا للآداب والضوابط الشرعية حتى لا يكون حق أريد به باطل.

إعداد : حياة البرهماني وحياة الزخنيني

——

-1 تحرير المرأة في عصر الرسالة ج2، ص .351 عبد الحليم أبو شقة.

-2 مجلة الفرقان ع 36، 1416هـ ص : 23، عنوان المقال “أساسيات لترشيد إسهام المرأة في التنمية” صاحب المقال : محمد الروگي.

-3 تحرير المرأة في عصر الرسالة ج2، ص .353 عبد الحليم أبو شقة.

-4 نفسه، ص .441 //  -5 نفسه، ص .440

-6 نفسه، ص .15  // -7 نفسه، ص .16

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>