تفقه في دينك : الحلال والحرام في المطعومات والمشروبات وغيرهما مبادئ أولية


من كتاب سمات الحلال والحرام

سنخصّص لهذا الركن حلقات لمسائل تتعلق بالحلال والحرام في المأكل والمشرب والملبس والقول والتعامل.. لعدة اعتبارات منها :

-1 أن الكثير من هذه المسائل والتعاملات يجهلها المسلم لتغريبه وتجهيله بثقافته الأصلية التي لا غنى له عنها.

-2 أن الانغماس في الحرام عن جهل أو دون مبالاة واهتمام، أو عن قَصْد ومجاهرة بالمعاصي، هو سَبَبُ البلاء، وسبب الفتنة وسبَبُ الحرمان من المَدَدِ الرباني نصراً وتأييداً ورخاءً اقتصاديا، وعَدْلاً اجتماعيا، لأن مسالك الاستجابة والإمداد مسدودة بالمعاصي والموبقات القاتلة للعزة والكرامة والمروءة والسكينة الإيمانية.

-3 أن الانغماس في الحرام في المجتمعات الاسلامية يعتبر من أقوى وأوضح رُموز الغَزْو الإلحادي القاتل، لأن المجتمعات الإسلامية -مهما كان ضعف تدينها- لم تعرف -خلال تاريخها- هذه الجراءة على حدود الله تعالى بهذا الشكل الذي أصبحت عليه هذه المجتمعات اليوم، فلا حشمة في بيع العرض والمتاجرة فيه، ولا شعور بالإثم من التعامل بالكذب وممارسة الغش والخداع في كل شيء، ولا حياء من إعلان الكفر والمروق من الدين والخلق وإعلان التبعية الاقتصادية والسياسية.. إلى غير ذلك من سمات الغزو الكفري المدمِّر.

وقبل الدخول إلى المسائل بالتفصيل لابد من تقديم بعض التعاريف للحلال والحرام بجميع أنواع درجاته مع ابراز بعض المبادئ الضرورية في هذا الباب.

أ- معنى الحلال والحرام :

الحلال : هو المباح الذي أذن الشارع في فعله ولم يرد أمْرُهُ بحظره، أو هو ما ليس ممنوعا منعا باتا بدليل شرعي فهو أعم من المباح.

والحرام : هو الذي نهى الشارع عن فعله نهيا قاطعا بحيث يتعرض من خالف النهي لعقوبة الله في الآخرة، وقد يتعرض لجزاء شرعي في الدنيا ومن ثم فالحلال والحرام في الإسلام متقابلان، على ما تفصح عنه نصوص القرآن والسنة، مثل قوله تعالى في سورة النحل آية 116 : {ولا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا على اللهِ الكَذِبَ}.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد والنسائي عن أبي موسى الأشعري في شأن الذهب والحرير : ((هذان حل لنساء أمتي محرم على ذكورهم)).

والمكروه تحريما : ما كان إلى الحرام أقرب وكان النهي عنه غير قاطع.

والمكروه تنزيها : هو فعل خلاف الأولى.

والمحرمات : منها ما هو حرام لذاته وهو ما جاء تحريمه قاطعا كالخمر والميتة والخنزير والقمار والميسر وغيرها من المحرمات في الزواج وفي الأموال والأقوال والأفعال ونحو ذلك.

ومنها ما كان محرما لما يقترن بها، أو ما تؤدي إليه من باب سد الذرائع ومثال هذه الأخيرة ما جاء في قول الله تعالى في سورة الأنعام آية 108 : {ولا تَسُبُّوا الّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَىْرِ عِلْم}.

حيث وجه الله المؤمنين في هذه الآية إلى أن يتعاملوا مع غيرهم بأدب فلا يسبوا آلهتهم مخافة أن يردوا بسب الله سبحانه.

فهو نهي تحريم من باب سد الذرائع.

ب- مبادئ الحلال والحرام :

ولقد حدد الإسلام أمر الحلال والحرام وأقامه على مبادئ من صنع الله سبحانه. واستنبط علماء المسلمين من آيات الله في كتابه في هذا الشأن ما يلي من المبادئ :

-1 أن الأصل فيما خلق الله من أشياء ومنافع هو الحل والإباحة، وأن الحرام لا يكون إلا بنص صحيح وصريح، يدل لهذا ما جاء في سورة البقرة آية 29 من قول الله تعالى : {هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُم مَا فِي الأَرْضِ جِمِيعاً}، وفي سورة لقمان آية 20 : {ألَمْ تَرَوْا أنَّ الله سَخَّر لَكُم ما فِي السَّمَواتِ وما فِي الأرْضِ وأسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُظَاهِرَةً وبَاطِنَة}، وفي سورة الجاثية آية 13 : {وسَخَّر لكُم ما في السَّمَاواتِ وما في الأرْضِ جَمِيعا منه}.

وأن مقتضى تسخير الله للإنسان كل ما خلقه أنه أحله، وأنه خلقه له وأنعم به عليه وما حرمه من هذه المخلوقات كان لحكمة وبأمر صريح وواضح، فما لم يجىء نص محرم كان الحل والإباحة.

وفي بيان هذا جاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث أبي الدرداء الذي رواه الحاكم وصححه : {ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن ينسى شيئا، وتلا قول الله تعالى : {وما كان رَبُّك نَسِيّا}(مريم : 64)}.

وهذه القاعدة : (أن الأصل الحل والإباحة) ليست مقصورة على الأشياء والأعيان فحسب، بل تمتد فتشمل الأفعال والتصرفات مما يدخل تحت (العادات  والمعاملات).

أما العبادات فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يؤخذ إلا من طريق الوحي فلا يعبد الله إلا بما شرع، أما العادات والمعاملات فهي من صنع الناس، والشارع يصحح ما انحرف منها أو يهذبها، ويقر الصالح منها.

-2 إن التحليل والتحريم مختص بالله وحده ذلك ما يشير إليه قول الله سبحانه في سورة يونس آية 59 : {قُل أَرَأَيْتُم ما أنْزَلَ اللَّهُ لَكُم مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وحَلاَلاً قُلْ اللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أمْ على اللهِ تَفْترون}، وقوله في سورة النحل آية 116 : {ولا تَقُولُوا لما تَصِفُ أَلْسِنَتِكُم الكَذِبَ هذا حلالٌ وهذاَ حَرامٌ لِتَفْتَرُوا على الله الكَذِبَ، إنّ الذِينَ يَفْترُون على الله الكذب لا يُفْلِحُون}.

ومن هذه الآيات وغيرها وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف المسلمون أن التحريم والتحليل إنما يكون بحكم الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولقد درج الأئمة المجتهدون على أن يقولوا في الفتوى فيما لميرد فيه نص بالحل أو بالتحريم : هذا أكرهه أو لا أحبه أو لا يعجبني أو لا أستحسنه، توقيا من أن يقولوا بغير ما جاء في القرآن وثبت من السنة.

-3 تحريم الحلال، وتحليل الحرام كالشرك بالله تعالى.

ففي الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه.. {إني خلقت عبادي حنفاء وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا ما لم أنزل به سلطانا}.

-4 التحريم أساسه الخبث والضرر في كل ما حرم من شيء أو عين أو قول أو فعل، أو عادة أو معاملة. ففي سورة الأعراف آية 32 قول الله سبحانه : {قُلْ مَنْ حَرَّم زِينَة الله الّتِي أخْرَجَ لِعِبَادِه والطَّيِّبَاتِ من الرِّزْق}. وقوله سبحانه في ذات السورة آية 33: {قُلْ إنّما حرّم ربِّي الفوَاحِشَ ما ظَهَر مِنْها ومَا بَطَنَ والإِثْمَ والبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقّ وأن تُشْرِكُوا باللَّه ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وأن تَقُولُوا على اللَّهِ ما لاَ تَعْلَمُون}، وفي سورة المائدة الآيتان -87 88 قول الله تعالى : {يا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ ما أحَلَّ اللهُ لَكُمْ ولاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِين، وكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُم الله حلاَلاً طَيِّباً واتَّقُوا الله الذِي أنْتُم به مؤمِنُون}.

وإذا تتبعنا آيات التحريم في القرآن نجدها قد فصلت المحرمات وأمرت بالبعد عنها تشريعا من الله فهو سبحانه الحكيم الرحيم بعباده وكما قال في سورة البقرة آية 220 : {واللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ منَ المُصْلِح}.

-5 في الحلال ما يغني عن الحرام، فقد حرم الله الربا وأحل التجارة الرابحة، وحرم الجلوس إلى السحرة والمنجمين، وشرع الاستخارة، وحرم القمار والميسر، وأباح المسابقة بالخيل والإبل والسهام وغير هذا من المسابقات المشروعة، فكل محرم نجد له بديلا مباحا حلالا طيبا.

-6 ما أدى إلى الحرام كان حراما، ذلك أن الإسلام حين يحرم أي شيء يحرم ما يفضي إليه من وسائل، فحين حرم الزنا حرم مقدماته من تبرج النساء وعريهن، والخلوة بين المرأة وغير زوجها ومحارمها والاختلاط العابث والصور العارية والغناء الفاحش، إذ كل أولئك من دواعي هذا الفساد. وحين حرم الخمر لعن شاربها وعاصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها. وفي الربا لعن معطيه وآكله وكاتبه وشاهديه.

-7 التحايل على الحرام حرام :

وهذا التحايل يصور بعضه مثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد : ((ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها))، وقوله : ((يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع))(رواه الأوزاعي).

ومن قبيل ما شاع من تغيير لاسم المحرمات في هذا العصر :

إطلاق اسم الفن على أنواع من الرقص الخليع والغناء الفاحش والتصوير الماجن، واطلاق اسم المشروبات الروحية على أنواع الخمور وتسمية الربا بالفائدة.

وكلمة الفن تطلق ويراد بها التطبيق العملي للنظريات العلمية بالوسائل التي تحققها ويكتسب بالدراسة والمران، كما تطلق على جملة الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة المشاعر والعواطف، وبخاصة عاطفة الجمال كالتصوير والموسيقى والشعر، والغناء، والتمثيل وشاعت عرفا في هذه المتنوعات الأخيرة.

هذا : والنية الحسنة لا تبرر الحرام ولا تحله، فالحرام محرم مهما حسنت نية فاعله وشرف قصده ولا يقر الإسلام أن يتخذ الحرام وسيلة إلى غاية محمودة. لأن الإسلام يحرص على شرف الغاية وطهر الوسيلة معا.

واتقاء الشبهات خشية الوقوع في الحرام من واجب المسلم سدا للذرائع، والإسلام قد بين الحلال والحرام في الأطعمة والأشربة وفي اللبس وفي أدوات المنزل وفي الكسب والاحتراف وفي العلاقات الاجتماعية…

ومن المحرمات لغيرها الغناء والموسيقى إذا صاحبتها معصية أو كانت تدعو إليها وهذا باتفاق العلماء..

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>