نحو مشروع بديل عن خطة إدماج المرأة في التنمية


-1 في المنطلقات :

إن مسألة تنمية المرأة وتحررها، بل تنمية الإنسان المغربي وتحرره قلبا وقالبا مسألة لا يجادل في وجوبها الشرعي وضرورتها الواقعية إلا معاند جاهل، إلا أن السؤال المطروح : ماهو منطلق هذه التنمية، وهذا التحرر، وكيف ينبغي أن يتم ذلك وما سبيله، وما المقصود منه؟

إن جوهر المشكلة هي أننا نريد التنمية والتحرر من منطلق الواجب الذي يمليه علينا ديننا وقيمنا، وأولئك يرغبون في ذلك من منطلق ما تمليه عليهم المؤسسات المالية الدولية وقوى الاستكبار العالمية.

- نريد ذلك من منطلق الواجب الوطني والإخلاص الصادق للبلاد والعباد، وأولئك المتغربون الغرباء يريدونه من منطلق ما تمليه عليهم عمالتهم ووفاؤهم لأعداء الدين والوطن والشعب.

- نريد ذلك من منطلق الشعور بالمسؤولية والأمانة الملقاة على عواتقنا، وهم يريدونه من منطلق التملص والفرار من المسؤولية.

- نريد ذلك من منطلق الشعور بأن عزتنا ونهضتنا وتحررنا لا تتم إلا بالدين والأخلاق فهما أساس كل تغيير حضاري وتنمية شاملة، وهم يريدونه من منطلق الشعور بأن عزتهم وتحررهم في تقليد الآخرين وأن الدين والفضيلة هما سبب التخلف والرجعية.

هذه حقائق ينبغي أن يعلمها جميع المغاربة الأحرار حتى يتميز المواطن المغربي المسلم الحق من المتنكر لوطنيته وإسلامه.

-2 في المقتضيات :

ومن ههنا فإن المشروع التنموي التحرري للمرأة المغربية وللإنسان المغربي عامة يقتضي منا ما يلي :

أ- الإستقلالية التامة في الفكر والسلوك والقرار، ومن ثم التبرؤ من التبعية لدوائر الإستكبار والإستعلاء في العالم، ومن ههنا فإنه لا يمكننا أن نتحدث عن تنمية حقيقية شاملة بمعزل عن الإرتباط بهوية الشعب وثوابت مقدساته الدينية، حيث إن أي تجاوز لها سيؤدي حتما -كما هو واقع حال الخطة- إلى التبعية ومن ثم إلى تشييء الإنسان المغربي وضياع عزته وكرامته، وفي مقدمة ذلك المرأة حيث ستصبح مجرد سلعة للإغراء والإشهار دون كرامة.

ب- وضع اليد على مواطن الخلل ومعيقات التنمية بجرأة وجدية، والعمل على بلورة الحلول النظرية والعملية الناجعة بهدوء وروية.

ج- أن يكون التحرر والتنمية شاملين بحيث لا يقتصران على جوانب دون أخرى، تحرر للفكر والعقل من قيود التخلف والجهل وأغلال التبعية، وتنمية لهما بالعلم والإستقلالية، تحرر للنفس من قيد الهوى وتنمية لها بالتهذيب والتقويم والتربية والتعليم. تحرر للذات كلها من كل التقاليد والموضات المخالفة للدين القويم وتنمية لها بنور الوحي الرباني وهدي أحكامه وتعاليمه. ومن ثم تحرر للإنسان ككل من الكلية والجمود وتنمية له بالتفعيل والتجديد والإجتهاد، تحرر له مما يعانيه من شظف في العيش ونكد في الحياة وتنمية له بتوفير وسائل العيش الكريم وباستغلال ثروات البلاد أحسن استغلال، وبالتوزيع العادل لها، وبالتخطيط الإداري الهادف للحاضر والمستقبل، وبالتوعية المستمرة بالاعتماد على الذات والجد في العمل وعدم الرضى بمد اليد والتسول للمؤسسات الدولية التي تطمح إلى كسر كل طموح يهدف إلى التحرر من أصرها وأغلالها.

د- الدعوة إلى مراجعة صحيحة لمدونة الأحوال الشخصية، وإلى تغيير وتعديل جميع القوانين المغربية، بما في ذلك قوانين المسطرة المدنية والقضائية وغيرها حتى تصبح إسلامية لا تتعارض مع ما جاء في الدستور من أن الإسلام هو الدين الرسمي للبلاد، فهذا يقتضي أن يكون الاسلام وتشريعاته هي الحاكمة في جميع الميادين وفي جميع المؤسسات الدولية والمجتمع، وبمقتضى هذا يتم التصرف على الرعية وفق ما  تستلزمه المصلحة الشرعية في كل المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية…

هـ- منهجيا لا بد من العناية اللازمة بمسألة التربية والتعليم والعمل بمقتضى الشعارات التي كانت ترفعها الحركة الوطنية : التعميم، المجانية، التعريب، والمغربة، فإذا أراد أصحاب مشروع الخطة الإدماج الحقيقي للمرأة في التنمية فليعلموا أن بوابة ذلك هي العلم والتربية، ومن ثم فلتتوجه إرادتهم إن كانت لديهم إرادة صادقة -وهم اليوم في الحكومة يشرعون وينفذون- إلى الإعتناء بقضية التربية والتعليم، والدفع في إصلاح المناهج والبرامج حتى تتلاءم مع دين الشعب وحضارته، وكذا العمل على توسيع دائرة القراءة في الأمة لتشمل جميع المغاربة في أفق القضاء على الأمية التي تفوق 54% من المواطنين حسب الإحصائيات الرسمية، بدل رفع شعارات الإصلاح والتنمية الرنانة، في حين توضع الحواجز والسدود أمام معظم المغاربة الفقراء في القرى والبوادي وفي المدن أيضا، مما ينذر في المستقبل القريب إن لم يتدارك الأمر بالإرتفاع الصاروخي للأمية.

ولتتوجه هذه الإرادة أيضاحتى ترفع عنها الشبهة إلى تحسين البُنَى التحتية المنهارة والمنعدمة في المناطق القروية، وفك الحصار الإجتماعي والتعليمي والتنموي المضروب على المناطق المحرومة ليتراجع مد الجهل والفقر المدقع إلى جَزْر تحل محله تنمية فعلية مادية ومعنوية يعم نفعها النساء والرجال والشيوخ والأطفال على قدم المساواة، وبهذا المشروع التنموي الشامل ستجفف مستنقعات الظلم والفساد والأمية والبطالة التي تطال المرأة وغيرها.

-3 في المقترحات والأهداف :

إن التحدي المطروح على عاتق كل الشرفاء والغيورين في هذا الوطن العزيز يتمثل في الخروج من دائرة الكلام إلى دائرة العمل العلمي المنهجي، فهذا هو الكفيل بتحدي مشاريع التغريب والعلمنة، وفي هذا الإطار لابد من تشكيل هيأة أو جبهة وطنية من أهل العلم والخبرة والصلاح في كل التخصصات الشرعية والقانونية والإقتصادية وغيرها، ويشترط في هذه الهيأة المؤسساتية أن تكون حرة ومستقلة لا علاقة لها بأجهزة الدولة ومؤسساتها ولا بالهيئات الحزبية وغيرها من هيئات المجتمع المدني، بحيث تطرح على عاتقها إنجاز مشروع بديل لتحرر وتنمية الإنسان المغربي وفي مقدمته المرأة، هذا المشروع يهدف إلى إنجاز ما يلي : -حسب ما يقتضيه الواجب الوقتي الذي تمليه الأولويات الكبرى الحالية-

أ- وضع قانون إسلامي شامل يعم جميع نواحي حياة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، حيث لا يقتصر العمل بقوانين الشريعة على ما يعرف بالأحوال الشخصية، حتى يُصبح الإسلام هو المصدر الأول والأساس لكل تشريع وتقنين داخل الوطن في السياسة والإقتصاد والإجتماع والمعاملات والتعليم والقضاء وغير ذلك من الولايات والمؤسسات التابعة للدولة والمجتمع وحتى يُزَال التعارض القائم بين القوانين ودين الشعب وفق ما ينص عليه الدستور المغربي في ديباجته.

ب- إنجاز مشروع جديد للتربية والتعليم والبحث العلمي يكون بديلا عن المشروع المطبق حاليا لأن التجربة أثبتت فشله، وبديلا أيضا عن المشروع التعليمي الجديد الذي يراد تطبيقه لفقدانه لمقومات الوطنية والإستقلالية والهوية الإسلامية، مشروع تعليمي يستمد مشروعيته من واقع الأمة، ومن استلهام مبادئه وبرامجه، ومخططاته من تعاليم الإسلام ومقاصد شريعته السمحة، كما يأخذ الصالح مما هو حديث معاصر في كل ما يعم نفعه البلاد والعباد عملا بقاعدة : “جلب الصلاح للناس ودرء الفساد عنهم”، فيكون بذلك جامعا بين الأصالة والمعاصرة معا.

وبهذا يمكننا أن ندعي التحرر والتنمية والتحضر للمرأة الإنسان والرجل الإنسان، فالتعليم القائم على المنهجية الراشدة والعلمية الراسخة هو مفتاح التحرر والتنمية وبدون ذلك تبقى هذه الشعارات كلاما في كلام.

ج- إنجاز مشروع بديل للتنمية الإقتصادية، يعتمد أساسا على قدراتنا وطاقاتنا، وعلى الإستغلال الحر والفعال لثروات وطننا المتعددةوالكثيرة.

وهنا يلتقي التعليم والبحث العلمي مع التنمية الشاملة، فلا تنمية بدون علم وبدون بحث علمي، ولا تنمية مادام المغرب يجتر سياسات التيه والضلال في التعليم والإقتصاد والتشريعات والقوانين وغيرها.

وبهذا يكون المشروع البديل مشروعا يتحدى كل المشاريع المتغربة المنقطعة الصلة بديننا ووطنيتنا وكرامتنا، وعلى رأسها “مشروع خطة إدماج المرأة”، فتتحول بهذا المعركة الكلامية الدائرة بين مناصري المشروع الإسلامي الحضاري وبين مناصري وحماة مشاريع التغريب من ذوي النفوذ والسلطة الذين حاولوا استغلال فرصة توليهم الحكم لتمرير أكبر قدر ممكن من تلك المشروعات اللادينية التي لا تخدم إلا قوى الشر والإستكبار في العالم، ولن يجني منها المواطن إلا الدمار والخراب والفتن، وصدق الله العظيم إذ يقول في مثل هؤلاء : {إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}. وجدير بهم أن يأخذوا العبرة من شرع الله وسننه في الكون والحياة يقول الله تعالى : {إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} ويقول سبحانه : {كلما أوقدوا نارا للفتنة أطفأها الله}، {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}، وسنة الله ماضية في كل المفسدين، قال عز وجل : {حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}، فهذا مصير المفسدين والظالمين ألا فاعتبروا يا أولي الأبصار.

ذ. محمد الأنصاري

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>