مجرد رأي : بليّة..


 

 

…أزعم أن أعظم بلية ابتلي بها العالم الإسلامي بعد سقوط الخلافة، هي بلية أصحاب الفكر العلماني الذين ما فتؤوا يعملون ويجتهدون دون كلل ولا ملل من أجل عرقلة ومحاصرة المشروع الاسلامي ومضايقة أهله بشتى الوسائل والطُّرق تماشيا مع تعليمات الفكر الغربي وعملاً لانجاحه حتى وإن لم يُطلب منهم ذلك في كثير من الأحيان، تحقيقاً لتنبؤات دهاقنة هذا الفكر الغربي خاصة منهم الياباني الأصل “فوكوياما” الذي يقول بنهاية التاريخ وبسيادة النموذج والحضارة الغربية وتفوقها على باقي الحضارات الأخرى…

العلمانيون خاصة منهم اليساريون أصبحوا من أخلص سَدَنة هذا الفكر وهذا التوجه، خاصة بعد انهيار قبلتهم الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

الغريب في الأمر حقا أن أصحاب الفكر العلماني هذا كانوا بالأمس القريب من ألّد أعداء الفكر الغربي، فقد كانوا ينعتونه بأبشع النعوت وألذع الصِّفات، فقالوا في حقه ما لم يقله مالك رحمه الله في الخمر.. فوصفوه بالامبريالية والرجعية والتّخلف والبرجوازية المتوحشة وهلم جرا مما أضيف إلى قواميس السّب والشتائم.

وبِقُدْرة قادر تحول هؤلاء من مناضلين ضد الامبريالية … و… إلى عمداء أوفياء لها يروجون فكرها ويخدمون مشروعها ويفرضون حداثتها بكل اخلاص وتفاني حتى وإن تعارض ذلك مع قيم وثوابت أوطانهم والتي يدّعون أنهم يخدمون شعوبها ويناضلون من أجل كرامتها وعزّتها ويذودون عن مكتسباتها و…

تتجلى هذه الخدمة للمشروع الغربي في أبهى تجلياتها فيما يطلع به علينا هؤلاء من حين لآخر وعبر الوطن العربي والإسلامي من اجتهادات وتقليعات غريبة تهدف إلى فصل الشريعة وإبعادها عن حياة الناس تحت مُسميات وشعارات مريبة؛ تارة باسم حقوق الانسان وتارة باسم الحداثة وهكذا…

آخر هذه الاجتهادات وما تفتق عنه تفكير عباقرة القرن من العلمانيين والعلمانيات ما سمي بخطة إدماج المرأة في التنمية. وهي تسمية مُغرضة ومريبة في حد ذاتها بحيث تفترض سلفا أن كلّ من وقف ضد الخطة فهو بالضرورة ضد ادماج المرأة في التنمية وبالتالي متخلف وغير متحضر!!

الخطة الضّرار هاته تهدف إلى إدخال تغييرات غريبة على مدونة الأحوال الشخصية لتخليص المرأة مما يعتبرونه قيوداً وأغلالا تحول دون تقدمها وادماجها في التنمية، من هذه القيود -كما يقول مشايخنا العلمانيون- قضية تعدد الزوجات والارث، والعصمة وغيرها من القضايا التي جاءت بها المدونة، والتي حان الوقت لتغييرها واستبدالها بقوانين غربية تتماشى وروح العصر ومتطلبات العولمة تمهيداً لابعاد واقصاء الشريعة الاسلامية عن حياة الناس والبداية طبعاً من الأسرة وعلى رأسها المرأة، إذ بإبعاد الأسرة عن الشريعة وتفكيك روابطها يتم تفكيك المجتمع والأمة وبالتالي ابعادها عن الشريعة.

ذلك باعتبار أن الأسرة هي آخر معقل من معاقل الأمة الإسلامية بقي صامداً ومُستعصيا على آلة الغزو الغربي ولذلك وجب الإجهاز عليها وتفكيك آلياتها بشتى الوسائل وخير من يقوم بذلك هم النّخب العلمانية في الأمة الاسلامية نظراً لمكانتهم الاجتماعية والثقافية ونظراً أيضاً لما قد يكون لهم من رصيد وتأثير في الأوساط الاجتماعية، ولكن هيهات أن ينخدع المسلم بهكذا شعارات، خاصة وأن نفس هذه النخب كانت تخدعنا بالأمس القريب بشعارات تقدمية وتحررية أخرى قبل أن يأفل نجم الشيوعية وينهار جدار برلين حتى أنهم نسبوا كثيراً من شعاراتهم للاسلام وألفوا من أجل ذلك الكتب ودبّجوا المقالات، حتى إن أبا ذر الغفاري وعمر الفاروق كانا عندهم من رواد الاشتراكية، بل وذهب البعض إلى لَيِّ أعناق بعض الآيات والأحاديث للتدليل على صدق مقولته، فكيف لنا أن نثق بأمثال هؤلاء وهل ذاكرتنا قصيرة لهذا الحد ورسولنا الكريم يوصينا بأن لا نُلدغ من الجُحر مرتين.

ذ . عبد القادر لوكيلي

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>