رسائل من شخصيات معاصرة إلى الفقيد : رسالة من الأستاذ محمود محمد شاكر


يا أخي أبا الحسن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لم يزل فضلك غامراً بهداياك حتى أعجزتني عن شكرك، ولولا أني قليل الحركة، مقيد الخطى، مصروف عن الخير لكنت أسرع شيء إليك، ولست أزعم عذراً أمهده ليتغمد تقصيري ولكنه فيما أرى هو الحق.

وقد قرأت هذه الكلمات عن شاعرنا العبقري محمد إقبال فتعلمت منها أنه من البلاء على المرء أن يعيش غافلا عن حقيقة حياته، وأن ينسى مصائب أمته وما نزل بدينه وأهل دينه من البلاء، وكان أعظم ما أدهشني رفض إقبال أن يدخل مسجد باريس ومقالته أن هذا المسجد ثمن رخيص لتدمير دمشق، فلولا أن الرجل كان يعيش في حقيقة صريحة وفي ذكر دائم لا ينقطع لما نزل بنا وطم، لما خطر له هذا الخاطر، وكم من غافل ساه منا ومن قومنا يعرض له أن يحيى تاريخ نفسه وتاريخ دينه بمثل هذه الكلمة، ثم لا تراه إلا حيث يكره الله من الذل والضعة والعبودية، والفتنة بما زين له أعداء الله وأعداء رسوله.

هذه كلمة عاجلة لولا صديق عزيز ذكرني بما لك علي -أنا صاحب الدار وأنت الضيف- لما وصلتك، هذا صريح الحق، وإن كان الحق أحيانا ثقيلا على سامعه، مثقلا لقائله، وهذا هو الصديق عبد الحفيظ الصيفي، سوف يستودع هذه الكلمات صندوق البريد، وكان حقها أن تكون سعياً إليك حيث كنت، فتقبل من أخيك مودة لا تبلى ولا تنقطع.

محمود محمد شاكر

مصر الجديدة : 15 شعبان 1370هـ الموافق 21 مايو 1951م

رسالة من الأمير عبد الكريم الخطابي

حضرة صاحب الفضيلة العلامة الجليل الأستاذ الشيخ عبد العلي

رئيس ومدير ندوة العلماء بلكهنؤ، بالهند

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فقد بلغتني رسالتكم الكريمة المؤرخة في 1956/7/17م وأنا أشكر فضيلتكم شكراً جزيلاً على تفضلكم بالكتابة إلي وعلى عواطفكم النبيلة، وعلى أخوتكم الاسلامية الصادقة التي أملاها عليكم حسن ظنكم وقوة إيمانكم.

أما ما ذكرتم بشأن التبرعات التي جمعت للمجاهدين في الجزائر، فإني أولا أقدم الشكر الخالص لاخواننا المتبرعين والقائمين بهذا المسعى الحمد، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأحيط سيادتكم علماً بأنه من الصعب عليكم هناك العثور على شخص أمين مستوف للشروط يبلغ الأمانة ويوصل التبرعات إلى المجاهدين، وبهذه المناسبة أحذر سيادتكم من هؤلاء السماسرة الذين يتجرون بالوطنية، وبكفاح المجاهدين، ويجعلون ذلك وسيلة لجمع الأموال وابتزازها.

فإذا لم تجدوا أحداً موثوقاً به، ورأيتم أن ترسلوها إلي فإني سأحاول إيصالها إلى المجاهدين وإلا أعدتها إليكم ثانية، أو حسبما تشيرون.

سدد الله خطانا جميعاً، ووفقنا لما فيه سعادة الدارين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبد الكريم الخطابي

القاهرة في أول غشت 1956م.

رسالة من الشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي

إلى الأخ العزيز أبي الحسن الندوي، لازال الخير إليه يأوى.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعلى السيد محمد الحسني وجماعة “البعث الاسلامي” والندوة. أما بعد! فقد طلع على جوابكم الكريم دالا على سلامتكم وعافيتكم أدامهما المولى، ومنه علمت وصول جوابي الأخير إليك وأنت سالم.

وأما ما شكوته من الأحداث الأخيرة (إشارة إلى كارثة فلسطين) فهو مؤلم حقاً، ولكن أسبابه التي كانت تجري قبلها جهاراً على أعين الناس، ليست أقل منه إيلاماً، والمسببات تابعة لأسبابها ولابد، وهذه النتيجة الأليمة لتلك الحركة الطائشة التي حرض عليها أعداء الاسلام الأولون لم تفاجئني، فقد كنت أراها بعين بصيرتي رؤية تكاد تساوي رؤية البصر، وأخبرت بها تلاميذي الثقات قبل وقوعها، فشاركوني في التوقع، وكل من يؤمن بكتاب الله، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، يعلم ذلك، ونحن غرباء قبل تلك الأحداث وبعدها، والمسلمون العالمون بالاسلام، وبنو إسرائيل يعلمون أن الاسلام لم ينهزم فيما مضى، ولن ينهزم في المستقبل ولا في الحال، فأعطني إسلاماً أعطك نصراً على الدوام، ولو كان الاسلام ينهزم لكثرة أعدائه انهزم في الحروب الصليبية، أما الاشتراكية والتقدمية والثورية التي تصم الاسلام بأنه رجعي فهو غير الاسلام، وهزيمتها غير هزيمة، بل هزيمتها تدل على صدق وعده ووعيده.

أما ما شهدت به وأعجبت به من علم والدكم، وفصاحته، وحسن تصنيفه وبلاغته وجمال أسلوبه، فقد جاء عفواً، ولم أقصد به المدح والثناء وسرني مجيئه في الوقت المناسب، والعجب من الذين شكوا في علمه وتحقيقه، ولا شك أن الحامل لهم على ذلك هو قصورهم في اللغة العربية، وبسبب جهل اللغة العربية في الهند، نشأت القاديانية وفرية المدعين لاتباع القرآن، وضلالة (باليرية) أتباع مصطفى الباليري وغيرها، ولذلك صبرت على البقاء معكم بضع سنينلتعليم اللغة العربية تعليماً صحيحاً مع ما أصابني من الشدائد، وكنت عازماً على أن أطيل المكث عندكم، أكثر من ذلك، لولا أن الحمى النافض (ملاريا) أصابتني في مدة قصيرة خمس عشرة مرة، ولكنني تركت، والحمد لله تلامذة نجباء يخلفونني، ونقلك ما حكيته لك عن أستاذنا الرباني عبد الرحمن بن عبد الرحيم إلى أفضل تلامذته عبيد الله الرحماني حسن فأنقل إليه تحياتي أيضاً….

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مكناس، 1387/3/8هـ تقي الدين الهلالي

رسالة من الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي

سماحة الأستاذ الداعية الاسلامي الكبير السيد أبي الحسن الندوي حفظه الله، ومد في عمره في خدمة الاسلام.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.

فيسرني أن أبلغكم باسمي واسم إخواني هنا من العلماء وأساتذة كلية الشريعة في جامعة قطر خالص التهنئة بحصولكم على جائزة الملك فيصل العالمية بخدمة الاسلام، وإن كنت أرى -دونمجاملة- أن الجائزة تشرف وترتقي بحصول مثلكم عليها، فقد عرفناكم منذ نحو ثلاثين عاماً داعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، عاملا على إعلاء كلمة الاسلام، بالكلمة المسموعة والمقروءة وبالعمل الايجابي البناء في كل مجال، جواباً للآفاق في سبيل الله، محاضراً، ومحدثاً، ومحاوراً، وواعظاً وهادياً، ومشاركاً بالرأي والفكر في المجالس العلمية، والمجامع الجامعية والمؤسسات الاسلامية التي اختارتكم، وفي المؤتمرات والندوات التي دعتكم للاسهام فيها، وآخرها مؤتمر السيرة النبوية والسنة، المنعقد في قطر والذي أجمع أعضاؤه على اختياركم نائباً لرئيسه ومتحدثاً باسم وفوده.

ولقد لمست ولمس معي كل من عرفكم -ولا أجاملكم- ما أنعم الله به عليكم من فضائل، هي من خصائص ورثة النبيين وخلفاء الرسل، ومجددي الدين، تتمثل هذه الفضائل في وضوح الفكرة، وحيوية الكلمة، وحرارة الدعوة، واستقامة السلوك، والصدقمع الله ومع النفس، كما تتجلى في الاعتدال والتوازن التي عرفتم به في الأوساط الاسلامية، والذي جعل لكلمتكم تأثيرها، ولكتبكم قراءها، ولشخصيتكم قبولها العام بين المسلمين والجماعات الاسلامية على اختلاف مشاربهم وتنوع وجهاتهم ومذاهبهم، حتى من خالفكم أو خالفتموه في الرأي أو الوجهة، لا يملك إلا أن يقدركم حق قدركم، ويثني عليكم ويعترف لكم بالفضل، وهذه من نعم الله الكبرى.

ولا غرو أن رأينا شيخنا أبا الحسن مثالا متميزاً للعالم المسلم، الداعية المجدد، مثالا بين رقة الربانيين وتوحيد السلفيين، والتزام السنيين، وثقافة المعاصرين، ومن ينابيع القرآن والسنة المطهرة علماً وفهماً، وتذوقاً وعملا حتى ارتوى وروى، متضلعاً من الأدب العربي والفارسي، والأردوي، ممتلئاً من كنوز التراث الاسلامي الغني، آخذاً منها ما صفا، وتاركاً ما كدر، ممثلا خير تمثيل لشعار الندوة المباركة “الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع، وبين الايمان الراسخ والعلم الواسع”.

شيخنا الجليل لقد عرفتكم قبل أن ألقاكم من كتابكم المبارك “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” ثم سعدت بلقائكم يوم سعدت بكم بمصر في سنة 1951م، وأنا طالب في كلية أصول الدين بالأزهر، فرأيت فيكم نموذجاً للعالم العامل المعلم “الرباني” الذي يدعى عظيماً في ملكوت السماوات، كما روي عن المسيح عليه السلام “أحبكم كذلك والله حسيبكم ولا أزكي على الله أحداً”.

ولا زلت أذكر تلك الحارة أو ذلك الزقاق الضيق المتفرع من شارع الموسكى في حي الأزهر، وتلك الحجرة المتواضعة التي نزلتم فيها مع من رافقكم من إخوانكم، تعيشون فيها عيشة الخشونة والزهد، رافضين ما أراد الكثيرون أن يكرموكم به من النزول في أحد الفنادق الفاخرة أو المريحة على الأقل، وأبيتم إلا أن تعيشوا عيشة طلبة العلم الفقراء.

وإن أنس لا أنسى لقاءاتكم الخصبة مع شباب الدعوة الاسلامية ومبيتكم معهم، كواحد منهم، تعطيهم من فكرك وقلبك، وتبث المعرفة التي تنير العقول، والايمان الذي ينير القلوب، ويأخذون عنكم العلم النافع والعمل الصالح، والروح المشرق، ويرون فيكم سمة المسلم، وصدق المؤمن، وصبر المجاهد، وقوة الزاهد، وعزة العلم، وروح الداعية، الذي جعل صلاته، ونسكه، ومحياه ومماته لله رب العالمين.

ولقد لقيتكم بعد ذلك مرات ومرات في قطر وفي الهند، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وفي أمريكا وغيرها، فما وجدت الأيام زادتكم إلا ثباتاً في الأمر وعزيمة على الرشد، وإصراراً على الحق، ومضياً في طريق التجرد الذي سميتموه بحق “ربانية لا رهبانية”.

كما ألقاكم دائماً في كل جديد يصدر من قلمكم وبحوثكم، وعلى صفحات المجلات الاسلامية، في مقالاتكم المسلسلة المتمتعة، فأجد في كل ذلك نفحة حسنية ندوية، تجمع دائماً بين نظرات العقل الناقد، وإشراقات القلب المؤمن، وتجمع كذلك بين معرفة العالم الواسع الاطلاع، وأداء الأديب المتمكن من ناصية البيان.

كل هذا مع تواضع جم، وورع بالغ، وأدب فارع، وإخلاص نادر، وحرص على البناء لا الهدم، وعلى البذل لا الغنيمة، وعلى العمل الصامت بعيد عن الأضواء، وبريق الأسماء والألقاب، في عصر قصم فيه الظهور حب الظهور، وتعبد الناس فيه للمناصب والعناوين.

وما نسيت يوم لقيتكم أخيراً في مؤتمر السيرة والسنة في قطر، وكان من أدبكم أن سألتموني رأيي في كتابكم الأخير الذي صدر بعنوان “التفسير السياسي للاسلام” وفيه نقد لبعض كتابات الأستاذين المودودي وسيد قطب، وقلت لكم فيما قلت : كنت أود أن يكون عنوانه غير هذا العنوان الذي يحمل إيماءًا خاصاً، قد يستغله بعض العلمانيين استغلالاً سيئاً، وأنا لا أنكر أن ينتقد العلامة المودودي، أو السيد قطب الشهيد، فلا عصمة لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل واحد بعد ذلك يؤخذ من كلامه ويترك، وهما مأجوران فيما اجتهدوا فيه أصابا أو أخطأا، وقد رحبتم وجزاكم الله خيراً بهذه الملاحظة وتمنيتم لو سمعتموها قبل أن يصدر الكتاب بالعربية، فعنوانه بالأردية غير هذا العنوان.

والمهم عندي هنا أنكم لا تضيقون بالنقد صدراً بل تطلبونه وتقبلونه ممن هو أصغر منكم سناً وقدراً، مقتدين بعمر رضي الله عنه الذي كان يقول :

((رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوب نفسي<

أستاذنا الجليل! إن الحديث إليكم بل الحديث عنكم ليعذب ويحلو، ولكن الاستماع إليكم أعذب وأحلى، وإذا كان لمثلي عدة يعتد بها، فهي حب الصالحين الربانيين من أمثالكم على نحو ما قال الأول :

أحب الصالحين ولست منهم

عساني أن أنال بهم شفاعة

وأكره من بضاعته المعاصي

وإن كنا سواءاً في البضاعة

فعسى أن يكون من ثمرات جنانكم في الدنيا دعوة منكم صالحة بظهر الغيب، وفي الآخرة شفاعة حسنة عند الله.

وختاماً أرجو أن تتفضلوا بتبليغ تحياتي إلى الاخوة الأحباب من الحسنيين والندويين، الذين أسأل الله تعالى أن يعز بهم ويعزهم وأن يجعلهم من الذين أخلصهم الله لدينه وأخلصوا دينهم لله كما أبلغكم تحيات وأشواق ودعوات إخواني هنا جميعاً.

كما أسأله تعالى أن يمد في عمركم، ويبارك في جهادكم وجهودكم وأن يمنحكم الصحة والعافية والتوفيق، ويتم عليكم نعمه في الدنيا والآخرة. وأن ينفعنا بعلمكم وعملكم، إنه سميع قريب مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخوكم الفقير إلى رحمة الله

يوسف القرضاوي 1400/4/1هـ

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>