حوار مع ذ. محمد بلبشير الحسني


المحجة : باعتباركم أحد الذين انشغلوا بقضية التربية والتكوين والتعليم بصفة عامة منذ وقت مبكر، وكذلك من الذين جاهدوا بكل قوة من أجل تأسيس شعبة الدراسات الاسلامية بكليات الآداب بالمغرب، ما منظوركم التقويمي بصفة عامة لمشروع الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من حيث ايجابياته وسلبياته؟

ذ. بلبشير : في الحقيقة إن الاجابة عن مثل هذا الموضوع لا يمكن أن تنجز في بضع دقائق أو بهذه السرعة، ذلك أن المشكل بالنسبة لهذا المشروع هو أننا نخشى أن لا تكون خلفياته متصلة اتصالا شديداً بالمرجعية الاسلامية، بالرغم مما ذكر في ديباجته، ونذكر من سلبياته الخطيرة موقفه من التعليم الأصيل وجامعة القرويين. إذ كيف يعقل أن لا تعطى الأهمية الكبرى لهذه الجامعة التي كان لها الفضل في تبليغ الرسالة الاسلامية وتمتينها وتجذيرها في الغرب الاسلامي بكامله وكذلك في غرب افريقيا. فكيف لا يدعو المشروع إلى احيائها وبعثها من جديد، سواء فيما يتعلق بمصلحة العلوم الشرعية نفسها أو حتى بالنسبة لساحة المغرب الدبلوماسية والسياسية. وأريد أن أذكر هنا إلى أنني شخصيا حضرت حفلا أقيم في الجامعة الاسلامية بقسنطينة بالجزائر بمناسبة منحي جائزة ابن باديس، وقد وجدت من بين الدروس التي تقدم في العلوم الشرعية دروس الرياضيات والعلوم البحثة والفلسفة، وهذا أمر مهم كنتُ قد دعوت إليه شخصيا لتطبيقه في شعب الدراسات الاسلامية بالمغرب، ولكن للأسف لم ألق آذانا صاغية بخصوص هذا الموضوع. ولذلك أقول، لماذا لا تتضمن جامعة القرويين كليات أخرى للطب والزراعة وغيرها، كما هو الشأن بالنسبة لجامعة الأزهر بمصر. وأتذكر أنه من جملة ما حاولنا في بداية السبعينات وكان المرحوم محمد الفاسي ساعتها وزيراً للشؤون الثقافية والتعليم الأصيل، حاولنا ايجاد صيغة جديدة للدراسة في جامعة القرويين، ومن جملة الاختيارات التي كانت موضوعة، والتي حررنا بخصوصها رسالة وجهناها للجهات العليا، موضوع احداث كليات من هذا النوع. كما أتذكر أنه بايعاز من المرحوم الفاضل بن عاشور، وعلال الفاسي وعبد الله گنون حاولنا إحداث كلية للفكر والحضارة الإسلامية، ومع الأسف رُفضت لأنهم لم يفهموا بُعد النظر في هذه القضية.

أما الآن فالمشكل القائم بالنسبة للتعليم الأصيل، والتعليم عموما في المغرب هو الحاجز الذي يوضع بين العلوم الإسلامية وبين العلوم الأخرى، لأنه لا يمكن ان تُجزأ المعرفة في المنظور الإسلامي. وتعلمون أنه في شعبة الدراسات الإسلامية في الرباط حاولت منذ نشأتها أن تمد جسورا بين العلوم الإسلامية والعلوم الأخرى، كالاقتصاد والطب والعلوم البحثة، لإزالة هذا الحاجز، ولو عن طريق الندوات. وكنا نأمل أن يُنشأ معهد للبحوث الإسلامية ليكون مركزاً لهذا الجمع من جديد بين العلوم الإسلامية وباقي العلوم، لاسيما في ميدان العلوم الطبية حيث هناك انعكاسات على المجال الشرعي بالنسبة لكثير من القضايا المطروحة على الطبيب…

المحجة : في نظركم إلى أي حد يمكن النظر إلى مشروع ميثاق التربية والتكوين في علاقته بالمجال السياسي؟

ذ. بلبشير : فيما يتعلق بمشروع إصلاح التعليم أو خطة إدماج المرأة في التنمية، كلا المشروعين لهما ارتباط بخلفية ترتكز على ما يسمى بالمجتمع الدولي والعولمة وحقوق الإنسان والنظام الديمقراطي، وما إلى ذلك، والحقيقة أن للمجتمع الإسلامي خصوصياته، ولابد من اعتبارها. وأنا شخصيا دائما عندما تُطرح قضية ترتبط بالقوانين، وخاصة بالقانون الدولي، أعتبر أن القانون الإلهي، الذي هو المرجعية الأساسية في الإسلام، هو فوق كل اعتبار قومي أو دولي. فمجتمعنا ضمن المجتمع الدولي ولكن لنا خصوصياتنا، ولنا شريعتنا التي لها الأولوية في تشريعاتنا، نحن لا نرفض القوانين والمواثيق الدولية، وإنما نرفض ما يتنافى مع شريعتنا التي لها الأولوية في دستورنا وقوانينا على القانون الدولي.

المحجة : هل يمكن أن نتحدث في كلا المشروعين، سواء مشروع ميثاق التربية والتكوين أو خطة إدماج المرأة في التنمية عن مفهوم “الوطنية”؟

ذ. بلبشير : أولا هذا النعث ليس صحيحا، فلا الميثاق ولا الخطة يمكن أن نقول بأنهما وطنيان، فلو أمكن أن يكون هناك استفتاء شعبي عن الموضوعين لتبين أن الشعب المغربي ضد المشروعين، لأنهما لا يرجعان إلى مقوماتنا وحضارتنا الإسلامية، وإنما يدخلان في توجه علماني ينتسب إلى مرجعيات وخلفيات أجنبية.

المحجة : نشكركم أستاذ عن هذه الأجوبة وإلى فرصة أخرى بحول الله.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>