حديث من الفقيد إلى “المحجة” سنة 1994


على هامش الملتقى الدولي الذي نظمته مجلة المشكاة ورابطة الأدب الإسلامي العالمية، بمدينة وجدة أيام -7 -8 9 شتنبر 1994، أجرت المحجة حوارا مع الشيخ الندوي رحمه الله، ونعيد نشر بعض فقراته (النص الكامل نشر في العدد 15 بتاريخ 1994/10/1

المحجة: سماحة الشيخ ماهي وضعية المسلمين الحالية في الهند؟

الشيخ الندوي: تعرفون أن الهند كانت محكومة للمسلمين لعدة قرون واتحفوها بالحضارة اتحفوها بالعلم  واتحفوها بالثقافة كذلك والمباني العظيمة والآثار التاريخية القديمة وكان منهم حكام وسلاطين عادلون وبناءون حاذقون فالهند الآن كما هي تدين للمسلمين بما اضافوه إليها من حضارة. ولكن قد عملت بعض العوامل السياسية من أهمها واكبرها هو سيطرة أهل الهند ثقافيا وعلميا وسياسيا اكثر فنشأت هنالك حركة العداء للمسلمين وتُجُوهل دورهم الذي مثلوه في تاريخ الهند فنشأت هناك حركة إبادة جنسية وعددية على غرار ما دعا اليه المؤتمر الحديث في القاهرة في موضوع التنمية و إبادة ثقافية ومعنوية وعقائدية وباختصار مايمكن فهمه هو تحويل المسلمين الى اندلس جديدة والى اسبانيا جديدة اذن هم يعملون الآن على ان تصبح الهند كالاندلس، كإسبانيا التي كانت إسلامية في العقيدة وفي الحضارة، نعم وتدين للمسلمين في كل شيء،فهم يريدون أن يعيش المسلمون في الهند ولكن يعيشون من غير تمييز أو امتياز من غير خصائص من غير شخصية إسلامية، فرضوا التعليم الابتدائي وفيه الميتالوجيا الهندية فيها الحديث عن الأصنام، عن الآلهة، آلهة الهنود وأنهم يتصرفون في الكائنات وكذلك أرادوا أن يَحُولوا بين الناشئة الجديدة (الأطفال) وعقيدتهم التي ورثوها وتضلعوا بها وأحبوها هناك مناهج دراسية تصْبِغُ النشء الجديد صبغة جديدة فيها ميتالوجيا هندية فهم يريدون أن يقضوا على اللغة الأردية التييتكلم بها المسلمون ويكتبون بها ولهم فيها منتجات عظيمة، منتجات ليست عظيمة بالنسبة للهند فقط، وبالقارة الهندية، بل عظيمة بالنسبة للعالم الإسلامي كذلك، كان منهم مؤلفون كبار ومحققون وهم أتحفوا العصر الجديد برسائل نادرة جدا وبتحقيقات عميقة، نعم، ويُعرض الإسلام عرضا جذابا وعرضا علميا مؤثرا كالعلامة السيد سليمان الندوي، والعلامة شبلي النعماني، وعلماء كبار كتبوا بالإنجليزية وكتبوا بالأردية ترجمت كتبهم في العالم الإسلامي ونقلت إلى عدة لغات، وهم يريدون أن يفصلوا المسلمين فيقطعوا صلتهم عن ماضيهم وعن عقيدتهم وعن ثقافتهم، وعن كل المميزات فيصير عنصرا من عناصر الشعب الهندي الذي يدين بالهندوكية ويعتقد في الآلهة ويدين بالآلهة وبالميتالوجيا الهندية. هذه حركة إبادة، هي أشد خطرا من الإبادة الجنسية والإبادة العددية والإبادة القومية… إنها إبادة كلية كاملة ولكن من فضل الله تبارك وتعالى أن المسلمين قد فهموا هذا الوضع ووجد فيهم وعي وقوة المقاومة لهذه الإبادة فبدأوا ينشئون مدارس ابتدائية تعد بالآلاف والكتاتيب والمدارس ويعلمون أولادهم تعليما دينيا في البيوت كذلك وفي المساجد في أوقات الفسحة التي لا يشتغل فيها الشباب ولا الصغار بالتعليم النظامي في المدارس وكذلك، ألفوا في الهندية وفي الإنجليزية كتبا ومؤلفات لتعليم الإسلام وفيها جاذبية وفيها قوة وتأثير في العقول وبدأوا ينشرونها ويوزعونها ويرسلونها إلى المثقفين الكبار وإلى زعماء الأحزاب كذلك ثم نشأت هناك حركة بتوفيق الله سبحانه وتعالى سميت بحركة “الرسالة الإنسانية” يتجمع فيها المجتمعون على اختلاف أجناسهم وعلى اختلاف دياناتهم وعلى اختلاف ثقافاتهم. وتصور لهم أن الهند  تواجه خطراً كبيراً من التمزق ومن التخلف السياسي وفي ميزان السياسة العالمية لانفصال العنصر الإسلامي عن الهند، لعدم ارتياحه للحياة في الهند وتصور لهم ما ستواجهه الهند من أخطار من المقاومات ومن المذابح البشرية التي يسمونها اضطرابات طائفية. وكان لبعض كبار الهندوس وبعض زعماء الهندوس كذلك ولبعض الشخصيات الدينية كذلك عناية بهذا الموضوع وتقدير لهذا الموضوع وبدأوا يشاركون في هذه الحفلات وتصور لهم الهند كأنها تواجه خطراً كبيراً لو دامت هذه النزعة الطائفية، نزعة محاولة القضاء على كل ما يتميز به عنصر عن عنصر ودين عن دين وجنس عن جنس. فإن الهند في خطر ستمزق الهند، تمزقا وتفقد قوتها السياسية ومكانتها العالمية.

المحجة: سماحة الشيخ هناك بعض المفكرين وبعض المطلعين عن أحوال وتاريخ الهند، يرون أنه كان أفضل للمسلمين لو ظلت شبه القارة الهندية موحدة؟

الشيخ الندوي:كان العلماء أمْيَلَ إلى هذا الرأي، علماء الدين، ولكن في ضوء تجارب قد بدأت في آخر أيام الحكم الإنجليزي من الإضطرابات ومن هضم الحقوق ومن عدم الإنصاف نشأت في الهند خصوصاً في رجال السياسة وفي زعماء الهند العلمانيين ، نشأ فيهم حماس لتقسيم الهند لأنهم رأوا أن  الهند إذا بقيت تحت حكم واحد وبقي المسلمون في الهند ربما يعالجون أوضاعاً ويواجهون حوادث لا علاج لها لا دواء لها لأنهم يكونون عنصراً من عناصر الشعب الهندي فقط، فوجدوا الفرصة سانحة، وكانت فيه بعض الاشارة من الإنجليز كذلك، هم يطالبون بتقسيم الهند فكان فيه تشجيع من بعض ساسة الإنجليز وبعض قادتهم كذلك فهم من مصلحتهم أن تكون الهند في جزءين ويستطيعون أن يفرضوا سياستهم، يقودون الجزءين كما يشاءون لأن الشيء الوحيد، أكبر قوة والشيء إذا انقسم بين جزءين، فإنه يسهل التأثير عليه، فكان فيه إشارة أو تشجيع من الإنجليز لاحتضان الفكرة، من الزعماء السياسيين، الذين كانوا زعماء سياسيين فقط وكانوا يفكرون في أن يكون لهم الحكم ولهم السيادة، نعم ويكون المسلمون أصحاب حرية وأصحاب تصرف في جزء من أجزاء الهند.

المحجة: ماهو وزن الحركة الاسلامية في الهند؟

الشيخ الندوي: يسرني مع اعتذاري أن أصرح بأن الحركة الإسلامية في الهند قوية جداً نشيطة وقوية وواعية، هناك عدة حركات حركة الدعوة إلى الإسلام، وحركة دعوة المسلمين إلى احتضان الإسلام احتضانا شاملا كاملا واثارة الحماس الديني فيهم واثارة الشعور بفضل الدين والدعوة إلى الدين كذلك صار الأدباء أصحاب الأقلام هناك خلافا لبعض البلاد -لا أريد أن أسميها- ولكن كان للأدباء وأصحاب الأقلام في الهند نشاط وحماس وسهم  في بعث الشعور في المسلمين فيهم أدباء ومؤلفون في السيرة النبوية ومؤلفون في سيرة الصحابة ومؤلفون في تاريخ الإسلام ومؤلفون في نقد الحضارة الغربية. في الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ويوجد في الهند الآن وعي ديني ونشاط إسلامي لعله يكون أقوى من بعض البلدان الإسلامية.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>