أضحى لازما على الطالب قبل تخرجه من الجامعات والمعاهد أن يكون فقيها بالواقع الذي يعيشه من بطالة وعجز سوق الشغل عن الطلب وتردي الظروف المعيشية وغير ذلك حتى لا يصدم ولا يتسرب باليأس إلى نفسه، ثم عليه أن لا يعقد أكبر الآمال على الشغل ضمن الوظيفة العمومية لكثرة الحديث عن القطاع الخاص كبديل تنموي ولتعالي الأصوات بالتشغيل الذاتي.
ثم عليه أن يقنع نفسه بأمر الواقع ويعمل في الآن نفسه على فرض ذاته في المجتمع كأداة فاعلة، وليهتم قبل ذلك بتكوين ذاته تكوينا جيدا.
ولعل أكثر الشباب الذين أغلقت في أوجههم كل الأبواب يلجون قطاعات متباينة لعلها تضمن لهم نيف من الدريهمات ومن أكثرها ورشات البناء التي تتطلب الجهد الفكري والعضلي على حد سواء فهل هذا كان مطمحهم؟ ومتى يتكيفون مع واقع كهذا؟.
أهم ما يميز مجتمع ورشات البناء وما ضارعها تدني المستوى الثقافي والأخلاقي.. بخلاف المؤسسات التربوية الأخرى موجهة أو غير موجهة فإذا انتشل خريج جامعة أو معهد من جامعته أو مدرسته وأدمج في عالم ورشات الجهد العضلي خاصة يجد ذاته غريبة وحيدة ضمن عالم كله فجور وفسق وتدني الوعي وسيادة الجهل وبداءة الألفاظ وميوعتها، ومما يؤسف له أن كثيرا من الجهال يحسبون كل ذلك من ضروريات الحياة العملية بل الأكثر من ذلك يجعلون الاحتيال والاثرة وحب الذات والتهور من لوازم الحياة وضرورتها ومن دونها يصبح صاحب القيم غريبا، إنه عالم يبيح التجرد من القيم الانسانية.
لقد ألفت أنفس هذا النوع من العمال تلك الدعاية التي يعتبرونها غذاءاً للروح وتكيفا مع الواقع وذلك ما نهى عنه الله ورسوله لأن ذلك تشهير بالمنكر، وإشاعة للفاحشة وتزينها في النفوس والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ((إذا ابتليتم فاستتروا)).
والذي ينسجم ويندمج مع مثل هذا الواقع بسرعة إما لأنه فاسد الأخلاق وعديم التربية أو لتفريطه وسرعة تأثره وعدم تأثيره على المجتمع وهنا لابد للمرء أن يضع نصب عينيه قوله تعالى : ((وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم)) (النساء : 140).
يشاكل هذا ما ورد في السنة النبوية من مراتب تغيير المنكر باليد أو اللسان أو القلب، وبيانه أن يغير مجرى الحديث إن استطاع وإلا غادر المجمع بعدم تزكية الرذيلة من القول كما هو مبين من ظاهر الآية أو بتجنبه تجنبا فعليا، وللاشارة فإن ألوان المبيقات التي يحتويها المجتمع تتظافر وتتعاضد في مجتمع الورشات السالفة الذكر من أنانية وحب للذات وسيادة للتجسس كما هو الحال في كل الأوساط غافلين عن نهي الرب جلت قدرته : ((ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا..))(الحجرات : 12).
فلابد إذن من الاصلاح الاجتماعي انطلاقا من اصلاح الذوات كما قال بن الخطاب : ((أقيموا دولة الله في قلوبكم تقم على أرضكم)).
عبد رب النبي بوشام