متى تتخلص بلادنا من صناعة سكن الموت؟!


بعد استقلاله، وجد المغرب نفسه أمام مشكلة حضرية كبيرة تتعلق بانتشار أحياء الصفيح. هذه الأحياء التي أول ما ظهرت ظهرت في المغرب ثم انتشرت في باقي بلدان العالم، ثم إن التسمية Bidon villes أخذت من أولى هذه الأحياء : كريان سنترال بالدار البيضاء وبرج مولاي عمر بمكناس. كما أن هذه الأحياء هي الرَّحِم الأساسية التي خرجت منها أعداد كبيرة من المقاومين ضد الاستعمار، لذلك كان على الحكومات الأولى أن تردّ الجميل والاعتبار لسكان هذه الأحياء، ولكن في غياب مخططات جديدة، تم الاستمرار في مخطط Ecochard المتمثل فيما يعرف بشبكات الاستقبال 8 x 8، وبالفعل بنيت في الخمسينات وطيلة الستينات آلاف الدور في مختلف المدن الكبرى، إلا أنه كان كلما قُضي على حي صفيحي ينبت حي آخر، بسبب الهجرة القروية المرتفعة وبسبب تحايل السكان للاستفادة من الدور الموزعة. مما أدى إلى استسلام وفشل الحكومات، ومما أدى أيضا إلى ظهور فكرة “السكن السري” في بداية السبعينات، وسُمّي سريا حتى لا تتحمل الحكومات المسؤولية، مع العلم أن هذا المشروع الذي غطّى كل المدن المغربية الكبرى إلى الآن، يتم بعلم الجميع وبتواطئ ثلاثي ما بين الساكن والمقاول والسلطة المحلية. ولما استفحل أمر هذا السكن، بعدما أصبح يتسبب في عدد من المشاكل على المستوى الأمني والصحي والعمراني.. تحوّلت تسميته في الثمانينات إلى “سكن غير لائق” أو “سكن عشوائي”، وبالتالي بدأت مشاريع إعادة هيكلة هذه الأحياء بإدخال الطرقات إليها والماء الصالح للشرب والكهرباء والتطهير والمرافق الصحية والإدارية والتعليمية..

ومع كل هذه الإجراءات والمشاريع ظل السكن غير القانوني المتمثل في أحياء الصفيح والسكن العشوائي يحتضن ما لايقل عن 27.2% من الأسر الحضرية :

- أحياء القصدير : 230 ألف أسرة (9.2% من الأسر الحضرية).

- السكن العشوائي : 450 ألف أسرة (18% من الأسر الحضرية).

بل نجد في بعض المدن الكبرى، أن أهم صنف سكني هو من هذين الصنفين، فتجد في طنجة مثلا 50 ألف بناء عشوائي، وفي الدار البيضاء 32% من ساكنتها يقطنون في أحياء القصدير، أي أكثر من مليون نسمة من أصل 3.5 ملايين نسمة، عدد سكان المدينة. ومجموع الأحياء العشوائية بالمدن المغربية وصل إلى 700 حي، الأمر الذي جعل البلاد بحاجة إلى بناء 700 ألف وحدة سكنية، في ظرف وجيز للقضاء على السكن غير اللائق وضمان أمن وسلامة المواطنين. ولكن ما يُنجز سنويا لا يصل إلى هذا السقف، مما يزيد في العجز السكني، ومما يشجع أكثر على تنامي السكن العشوائي خصوصا من صنف العمارات، والنتيجة الحتمية طبعا هي إنهيار هذه المباني على رؤوس ساكنيها.

وبعد أن يقع الانهيار، يأتي بعد ذلك، وبعد ذلك فقط، تدخل الدولة، بإنقاذ الضحايا وعلاجهم أو دفنهم؛ بتوزيع شقق سكنية مؤقتة على الناجين منهم؛ بتوزيع قطع أرضية على جيرانهم الذين سيلحق بهم نفس الضرر؛ بتنقية الخراب وتسوية أرضية البناية المهدّمة وربما إعادة بيعها؛ بفتح تحقيق قضائي في ملابسات وأسباب الحادثة…

بمعنى آخر، استمرار نفس النهج في تدبير الشأن العام، أي التحرك والعمل بعد الكوارث، لا بالتخطيط القائم على الأخذ بكل الاحتياطات وتوقع كل الاحتمالات لتفادي الوقوع في مثل هذه الكوارث. والدليل على هذا الادعاء أنه في نفس المدينة التي وقعت فيها الحادثة، انهارت بناية منذ شهور بحي زواغة، وفي السنة الماضية سقطت بناية أخرى في نفس الحي (الحي الحسني)؛ والأحياء المرشحة لوقوع مثل هذه الكوارث معروفة لدى الجميع وتقطنها مئات الآلاف من الأنفس خصوصا حي الجنانات (100 ألف نسمة) وحي سيدي بوجيدة… ولكن رغم هذا كله لم نجد في المقابل أي تحرك رسمي لترحيل هؤلاء “الضحايا المفترضين”، لأنه وحسب الخبراء أفضل حي من هذه الأحياء لا يتجاوز عمره الافتراضي 20 سنة، ومن هذه الأحياء ما انتهى عمرها هذا كالحي الحسني، مكان الحادثة الأخيرة التي ذهب ضحيتها 48 شخصا من أصل 87 عدد سكانها.

فهل ستطال يد القضاء كل المتورطين في صناعة “سكن الموت”، مهما بلغت درجاتهم؟ ومتى تتحرك مؤسساتنا الحكومية والجماعية قبل وقوع الكوارث؟ ومتى سيتم القضاء على جشع المضاربين العقاريين؟ ومتى؟ ومتى؟ ومتى؟…

ذ. أحمد الفيلالي

—————

(ü) ملحوظة :

كل الاحصائيات التي ذكرت مصدرها من تصريح لكاتب الدولة في الإسكان.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>