افتتاحية : وجاءت الألفية الثالثة فماذا أنتم فاعلون؟!


إن الألفية الأولى والثانية كآلاف وملايين الأزمان والسنين الغابرة كُلّها من خلق الله تعالى وآياته ((هُو الذي جَعَل الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُوراً وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسَابَ. ما خَلَقَ اللّهُ ذَلِك إلاَّ بِالحَقِّ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ))(يونس : 5).

وقد خلق الله تعالى هذا الزمان ابتلاء للإنسان وامتحانا، فهو رَأْسُ ماله، وهو عُمُرُه، وعليه سَيُحَاسَبُ، إِذْ لا تَمُرُّ لَحْظةٌ منه إلاَّ والرَّقَابة الرَّبَّانِية تلاحِقُه بدون أن يغيبَ عنها مثقالُ ذرة من خير أو شر فَعَلَها الإنسان، أو قَالَهَا، أو فَكَّر فيها ((ولقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ ونَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ونَحْنُ أقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ. إذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ عَنِ اليَمِينِ وعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ. مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))(ق : 18).

فالعبرة إذَنْ ليست بالألفية الأولى ولا بالثانية ولا بالثالثة ولكن بما أُنجِز فيها من الأعمال الخيِّرة المُحْيِيَةِ للإنسان، ولا حياة للإنسان إلا باستسلامه لله تعالى، وإخضاع نفسه وهواه لمنهج الله وشريعته، أمّا غير ذلك فالمصير السيّئ الأسود ينتظر الكافرين والمجرمين ((والذِينَ كَفَرُوا يَتَمتَّعُونَ ويَاكُلُونَ كَمَا تَاكُلُ الأَنْعَامُ والنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ))(محمد : 13).

فماذا أصابنا نحن -الشعوب الإسلامية المضبوعَةَ- وهذه الموازينُ والحقائقُ وغيرها بأيدينا؟؟ حتى أصبحنا نقلّد الكفار وأئمة الطغيان والضلال والتسلط؟! ونجاريهم في كل ما يهتمون به ويفكّرون، ويهرّجون ويحتفلون؟؟

والطاعة الكبرى أنهم يحتفلون بألفيتهم الثالثة من موطئ أقدامهم، وموقع عُصُورهم الحضارية، فمن منطلقاتهم العقدية يقيسون ويفكرون، وعلى حسب غاياتهم المادية يخططون، فهل واقعنا مثل واقعهم؟؟ وهل منطلقاتنا مثل منطلقاتهم؟! وهل غاياتنا مثل غاياتهم؟؟ وهل عصور حضارتنا مثل عصور حضارتهم؟؟

أما كان الأجدر بنا أن نجعل لأنفسنا محطات تاريخية نأخذ العبرة من أجْوَدها وأرْدَئِهَا؟ فنحتفل بالأجْودِ على أساس أن نخطط للأجود منه والأحْسَنِ؟؟

ونحتفل بالأرْدإِ على أساس أن نتَجَنَّبَ كُلَّ عناصر الخلل والسقوط في التخطيط للمستقبل، حتى نضمن لأنفسنا كيانا متميزاً يستطيع أن يأخذ ويعطي ويتفاعل مع غيره بدون ذوبان أو انْسِحَاق؟؟

كثيراً ما سمعنا التهليل للألفية الثالثة من أعلى مستويات شعوبنا، فها هي جاءت فهل تغير القادة واقتلعوا روح الديكتاتورية من أنفسهم، وأعطوا الحرية لشعوبهم لتختار الأكفاء والصالحين؟ وهل تغير السادة الذين يعيشون بين الأعطاف والحواشي فاقتلعوا روح الامتصاص لخيرات الشعوب وثرواتها؟؟ وهل تغيرت النخبة المثقفة المغزوة التي لا تنظر للأمور إلا بمنظار أسيادها في الشرق والغرب؟؟ وهل تغيرت الشعوب فمَسَحت عن جبينها غبار الجهل والذل والتخلف؟؟ وهل، وهل… لا شيء من ذلك وقع، فدار لقمان على حالها، ولا نصِيبَ لنا من التغيُّر إلا تشييع الرَّكْب المتقدم الناهض نهوضا مادّياً وصناعيا، وبهذا التشييع نحن فرحون وقانعون بالفُتات الذي يُرمى لنا من الخَلف، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أغرب ما قرأته من التطلعات في الألفية الثالثة أن أحد المُتَمَنّين تمنى أن توجد وتُخترع صفيحة رقيقة دقيقة تركّبُ للقادة والرؤساء وكُلّ الكبار لتُسَجِّل عليهم كل كذب أو نفاق سياسي حتى يُفتضحوا أمام شعوبهم، هذا المُتَمَنِّي من الدول الكبيرة المتقدمة.

أما نحن فنقترح ونتمنى بعد أن لمْ ينفع القَيْدُ الرباني أن تُخترع سلاسل وصفائح لا تفضح الكذب والنفاق فقط، ولكن أن تفضح المستهزئين من الفضائح.. يُعَزِّينَا أن هؤلاء كلهم لا محيص لهم عن سلاسل الآخرة ((إنّ المُجْرِمِينَ في ضَلال وسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ على وجُوهِهِمْ ذُوقوا مسَّ سَقر))(القمر : 48) ويقول الله عز وجل للملائكة : ((خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُومِنُ باللَّهِ العَظِيمِ(((الحاقة : 33). وكل عام وأنتم بخير.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>