ألم قلم : تلفزتنا خلال رمضان وبعده


قال صاحبي وهو يعلق على البرامج الجديدة للتلفزة المغربية بعد رمضان : هل كنت تشاهد ما كان يبث على الشاشة المغربية ساعة الإفطار؟ قلت : وماذا كان يبث؟، قال مسلسل مغربي يتعرض بتضخيم إلى كل السلبيات الخلقية في المجتمع. قلت إن هذا كان يهدف تسلية النّاس وهم على مائدة الإفطار بعد أن قضوا نهارهم في التعب والصيام وأمست البطون خاوية تحتاج إلى من يمتعها لكي تتناول مالذَّ وَطاب. قال صاحبي : لنفترض أن الأمر كذلك، لكن ماذا عن المسلسل الآخر الذي كان يقدم بعد صلاة العشاء؟ قلت إنه نفس الهدف، تسلية الناس وتلهيتهم وإشغالهم عن صلاة العشاء والتراويح بعد أن امتلأت البطون بِما لَذَّ وطاب. قال صاحبي لا أشك في ذلك، ورحم الله أيام زمان حينما كانت تلفزتنا تختار البرامج المناسبة، في الأوقات المناسبة، وخاصة تلاوة القرآن التي كانت تُقدّم ما بين العشاءَيْن، فتُسمعُ آيات الذكر الحكيم تُتلى في كل بيت، وكثيراً ما كان أفراد الأسرة يأخذون المصاحف ويتابعون التلاوة مع المقرئ. قلت حقا هذا كان أيام زمان حينما كانت محطتنا التلفزية محطة أرضية، أما الآن وقد أصبحت فضائية فإن الأمر قد اختلف كليا. تساءل صاحبي مستغرباً : وما الفرق بين المحطة الأرضية والفضائية؟ قلت : إن المحطة الأرضية كانت بسيطة في كل شيء، وكانت البرامج فيها تقدم إلى الناس من جانب واحد، أما الآن فإن المحطة الفضائية أصبحت تأتي الناس من فوقهم ومن تحتهم ومن بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ولا تجد أكثرهم منتبهين إلى ما يقدم فيها من مساوئ خلقية، لا يجد معها الأب المسكين رَبُّ الأسرة إلا أن ينسحب من المجلس الذي يشاهد فيه الأبناء تلك المسلسلات الهابطة. لأنه لا يملك القدرة المعنوية لصرفهم عن المشاهدة فيكون انسحابه تعبيراً عن رفضه لما يقدم، حتى وإن كان هذا الرفض سلبيا، لكنه قد يكون مؤثراً في العقلاء من الأبناء الذين يفهمون بالاشارة، فيأتي الوقت الذي ينتبهون فيه من غفلتهم. أو على الأقل يتورعون من فعل ما يشاهدون. لكن في المقابل تجد الأب المغفل يشارك أبناءه المشاهدة، فيضحك لضحكهم ويسخر مع سخريتهم، وكأنه مراهق صغير شأنه شأن ذلك الممثل، فيفهم الأبناء من ذلك أن الأب يقرهم على تطبيق ما يشاهدون، حتى يأتي يوم تقول فيه الفتاة لأبيها وقد أمسكت بذراع خليلها : هذا صديقي هل تسمح له بالدخول إلى بيتي، أم أذهب معه إلى بيته..!!!

ذهل صاحبي لكنه عقّب قائلا : إذا كانت تلك هي برامج رمضان، وهو شهر متميز، ولم يراعوا له حرمته فكيف بما سيأتي من الشهور. خاصة ونحن الآن قد ودعنا رمضان؟ قلت يَبْدُو أن إعلامنا وما ينتجه وما يقدمه صورة أخرى للمسلسلات المصرية التي لا تعرف إلا الزواج والطلاق وبيع الهوى في المتاجر الرخيصة، وتعليم المراهقين سبل الغواية والتفسخ. أما أن ينتبه إلى ما تُعانيه الأمة من فقر وحاجة وأمراض اجتماعية وتخلف وجهل، فذلك متروك فقط لنشرات الأخبار الدولية، وللمنظمات المهتمة وللدراسات المتخصصة التي تخرج علينا كل يوم باحصاءات جديدة وقوائم مُحَوْسَبة يصنف فيها بلدنا -وهو بلد الخيرات- في أواخرها، على أن تودع الرفوف بعد ذلك، وليقول الجميع : العام زين وكل شيء بخير.

د. عبد الرحيم بلحاج

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>