إشراقات : “من خاف نجا”


ما أخطر الأمن من مكر الله، وما أشد الإغترار بعفو الله، إنه مسلك خطير يؤدي إلى هاوية سحيقة، قال يحيى بن معاذ : من عبد الله بمحض الرجاء تاه في مغازة الاغترار.

فالخوف من مكر الله أخي المسلم زِمَامٌ يحبس النفوس عن التواكل، والغفلة، والعصيان، قالت عائشة رضي الله عنها : قلت يا رسول الله : ((والذين يوتون ما أتوا وقلوبهم وجلة))(المومنون : 60) هو الرجل يسرق ويزني؟ قال : لا، بل الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه))(رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد). قال أبو سليمان الدراني رحمه الله : ما فارق الخوف قلباً إلا خرب.

وقيل للحسن : يا أبا سعيد كيف تصنع؟ نجالس أقواماً يخوفونا حتى تكاد قلوبنا تطير! فقال : والله إنك إن تخالط أقواماً يخوفونك حتى يدركك أمن، خير لك من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى يدركك خوف.

وقال له رجل : كيف أصبحت يا أبا سعيد؟ قال : بخير، قال : كيف حالك؟ فتبسم الحسن وقال : تسألني عن حالي؟ ما ظنك بناس ركبوا سفينة حتى توسطوا البحر فانكسرت سفينتهم فتعلق كل إنسان منهم بخشبة؟ على أي حال يكون؟ قال الرجل : على حال شديدة قال الحسن : حالي أشد من حالهم.

وقد أورد القرآن الكريم النماذج في خطورة الأمن من مكر الله تعالى، قال تعالى : ((أفأمنوا مكر الله فلا يامن مكر الله إلا القوم الخاسرون))(الأعراف : 99)، وقال تعالى : ((وإن منكم إلا واردها))(مريم : 71)، وقال تعالى : ((وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون))(الزمر : 48)، وقال تعالى : ((إن عذاب ربك غير مامون))(المعارج : 28).

وكذلك السنة المطهرة اهتمت بهذا الأمر الخطير، فحذرت من خطورة الأمن، جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)).

وليس معنى هذا أن الإنسان ييأس من روح الله، فإن من عبد الله بمحض الخوف غرق في بحار الأفكار، كما قال يحيى بن معاذ، ((ولكن الخوف والرجاء دواءان يداوى بهما القلوب ففضلهما بحسب الداء الموجود، فإن كان الغالب على القلب داء الأمن من مكر الله تعالى والإغترار به فالخوف أفضل، وإن كان الأغلب هو اليأس والقنوط من رحمة الله فالرجاء أفضل)) (الإحياء ج4 ص 173).

فهذه تذكرة للنفوس التي غلب عليها الرجاء فتمنت على الله الأماني، وفرطت في العمل.

عبد الحميد صدوق

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>