الأخوة الإسلامية: رابطة إيمانية ورسالة حضارية 1/3


مقدمة :

حين نستعرض المنهج الرسالي للإسلام، نلاحظ  ـ من بين ما نلاحظ ـ الاهتمام البالغ بخلق المجتمع المتكامل عن طريق تمتين بنيته الأخلاقية كأساس لتقوية شبكة العلاقات الاجتماعية العاصمة من كل ما يمكن أن يهدد المفردات الأصيلة التي تحول ساحة الحياة إلى واحة سلام ومحبة وثقة وإخلاص وأخوة، وحسن الظن.. من خلال بناء العلاقات  السليمة المتوازنة في مختلف المجالات.

وحرصا منه على الصف المرصوص، دعا الإسلام إلى إشاعة روح الأخوة والحب بين “الإخوة في الله”.

فما هي لوازم ومقتضيات هذه الأخوة؟

1- الإسلام نظرة شاملة للحياة :

لا شك أن الإسلام ومنهج وطريقة حياة. ولذلك حدد للإنسان علاقته بالله وطريقة تعامله معه ونظرته إليه، ثم علاقته بالقيادة الحقة  القائمة، ثم علاقته بمجتمعه في الجوانب الفكرية و”التعاملية” والأخلاقية والسياسية والاقتصادية..

ولعل من أبرز هذه العلاقات المحورية هو علاقة المؤمن بأخيه المؤمن (أو ما نصطلح عليه بالأخوة الإسلامية) الذي يحمل نفس الصفات الإيمانية.

الرابط المبدئي بين المؤمنين :

لو أمعنا النظر في الروابط التي يمكن للعلاقة أن تبنى عليها بين إنسان وآخر لرأينا أن الايمان والفكر والعقيدة أمتنها، بل إن أشدها قوة ومتانة هو رابط الإيمان بالله ورسالته وتعاليمه.. بل إن هذا الرابط يلعب دورا بارزا في بناء العلاقات بشكل يتضاءل أمامه أي دور لأي رابط سواه حتى وإن كان رابط القربى والنسب والجوار أو رابط العرق واللون واللغة أو رابط الجغرافيا والقومية والقبلية، بل حتى الرابط المادي ونظائره.

لذلك، حينما نستعرض، الصور التي يرسمها القرآن الكريم نجده يركز على رابط العقيدة موضحا لها وباعثا لها مع توطيد أسسها في أوساط المجموعة المؤمنة تحقيقا للهدف الذي يطمح إلى تجسيده بين عناصر الجماعة المسلمة الواحدة التي تعيش الإيمان الحق في حياتها فكرا وعقيدة وأسلوبا ومنهجا عمليا في الحياة، يخلق الحياة العامرة بالحب والسلام والثقة والتفاهم، ويخلق حالة التماسك والقوة والأخوة الإسلامية الحقيقية.

إن الإسلام ـ بما يطرحه من تشريعات ومفاهيم وقيم وتعاليم ـ يوحي بتحقيق هذا الهدف والمقصد السامي حينما يؤكد على طرح حالة المحبة والأخوة وما يصاحب ذلك من انفتاح وتعاون ودمج بين كل أطراف الجماعة المسلمة كحالة يقوم عليها بناء المجتمع الاسلامي وتتعزز بها قوته وانسجامه وتطوره.

إن هذه المعاني ـ وغيرها كثيرة ـ يثيرها القرآن في أماكن متعددة مثل قوله تعالى : “إنما المومنون إخوة”(الحجرات : 10)أو قوله : {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}(آل عمران : 103).

إنها معاني تدعو إلى أهمية التعامل بأسلوب التراحم والتزاور والسلام والتصافح بين أفراد التجمع الإيماني الواحد، والشعور بالمسؤولية تجاههم وهم يقعون تحت ضغوط الحياة اليومية المادية والمعنوية، وحسن الظن بهم.. كل ذلك من أجل تعميق أواصر الصلة والحب التي تدفع عجلة المجتمع المسلم نحو الالتحام المستمر عبر الشعور بالتقارب الأوثق الذي يلغي الفواصل العرقية والطائفية واللغوية والقومية..

2-  أهم عوامل القوة :

أخوة الإيمان لقد جاء في الآثار كلام بليغ في معاني الأخوة الاسلامية، كلام يجعل الانسان المؤمن يعيش الشعور الحقيقي لأهم مقاصد الاجتماع البشري، ومن بين هذه الآثار: “إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن قلب الظمآن إلى الماء البارد”، و”المومنون إخوة تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم”، و”ألا وإن المؤمنين إذا تحابا في الله عز وجل وتصافيا في الله كانا كالجسد الواحد إذا اشتكى أحدهما من جسده وجد الآخر ألم ذلك..” وغيرها من الآثار والأحاديث النبوية كثير. إنها صورة ناصعة أراد الإسلام للمؤمنين أن تقوم علاقتهم على غرارها وتكون حركتهم على أساسها، ولم يردها أن تكون شعارات وألفاظا ترسمها حالة الحماس.. إنه يريدها أن تكون حركة محورية ومركزية في حياة المسلم.

إن الأخوة الاسلامية مبدأ ضروري لخلق الواقع الاجتماعي الصلب المتماسك، ما دام من ضروراتها ومستلزماتها شعور كل من الأخوين بمسؤوليته التامة تجاه أخيه الذي يتصل به بصلة الرحم او القربى أو الجوار أو الإيمان.

3-  الأخوة رسالة إنسانية من وحي النبوة :

والرسول الكريم (ص) يضع اولى خطواته في المدينة ويبدأ بناء هيكل الدولة الإسلامية، عمل على فرض واقع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار رغم الفوارق الكبيرة الموجودة بينهم، وبين الرومي والفارسي والعربي والحبشي.

ورغم واقع التصادم الذي عاشوه لفترة من الزمن أيام الجاهلية، ورغم عقلية الثأر التي حكمت علاقاتهم التصادمية القبلية.

ولقد كان ميزان التفاضل ومقياس العظمة هو مدى الالتزام بخط الله ونهجه ورسالته، من خلال المفهوم الذي يطرحه القرآن حين يقول في الآية 13 من سورة الحجرات : {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، إنها الحالة المثلى ف الأخوة بين المؤمنين، الحالة التي يقررها الرسول الكريم حين يجعل الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي ولا لابيض على أسود إلا بالتقوى.

لقد اعتمد الرسول(ص)  من خلال نظره الثاقب وتفكيره العميق ودقته ـ هذا المنهج ليوحي للمسلمين بأوثقية صلة ورباط الإسلام، وأهمية وحدة المبدأ والعقيدة والفكر وتقديمها على ما سواها من العلاقات.

ذ. محمد البنعيادي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>