جدد إيمانك – وصفات العلاج للفتور


في الحلقة السابقة تعرض الكاتب إلى أسباب الفتور في حياة الدعاة، وفي هذه الحلقة يقترح وصفات العلاج للفتور وهذه هي النقاط المقترحة للعلاج.

1- صحوة الفكر والأسلوب :

أـ وأول شيء وأعلاه يجب أن نبدأ به إذا أردنا أن نسير سيرا سليما إلى الغاية التي رسمها لنا ربنا أن نصحح أفكارنا وأعمالنا على هدى الكتاب والسنة، ونحاول تطهيرها من الزيغ والهوى، فلا شك في أن مجتمعاتنا بعدت كثيرا عن الإسلام، وأخطر من هذا البعد عدم الاعتراف به أو التهوين من شأنه.

ولقد حدث الزهري أنه دخل على أنس بن مالك رضي الله عنه بدمشق وهو وحده يبكي فقال : “ما يبكيك؟” قال : “لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وقد ضيعت!!”(1).

ب ـ وفي هذا علينا أن نتحرى وجه الحق دون الناس، فقد ينفر الحق بحرارته أناسا. والنبي عليه السلام حذرنا من الخضوع لتأثير الناس عندما سئل عن الشهوة الخفية فقال : “هو الرجل يتعلم العلم يحب أن يجلس إليه”(2).

ج ـ فإذا سلمت لنا نياتنا واتضحت فكرتنا، كانت مراجعتنا دقيقة شاملة لا تهتم بجانب دون آخر أو على حسابه، فكثيرا ما يؤدي الاهتمام بناحية ـ أية ناحية ـ على حساب الفهم الكلي إلى الانحراف عن الطريق السوي، ولعل هذا من أكبر أسباب نشوء الفرق الإسلامية.

د ـ فصححوا عقائدكم، والزموا سنة الدين، واعتمدوا على  النقل عن النبي(ص) وأصحابه، وجردوا قصدكم لله فيما تقولون، لتلقوا من الله التسديد كما قال عز وجل : {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}(3). ووثقوا صلتكم بالعربية حتى لا تلتبس عليكم وجوه الكلام(4).

هـ ـ واحذروا القول بآرائكم دون سند من كتاب أو سنة، ولقد وضح عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الظاهرة فقال : “أصبح أهل الرأي أعداء السنة، أعيتهم أن يحفظوها، وتفلتت منهم أن يعوها، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا نعلم، فعارضوا السنة برأيهم، فإياكم وإياهم”(5).

وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وعظنا رسول الله(ص) موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال : “أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تآمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة”(6).

2- فلنصارح أنفسنا :

أـ من الخير أن نعترف أن صلة الكثيرين منا بكتاب الله لا زالت محدودة ضيقة، نقنع بقراءة الورد اليومي، وقد لا نكلف أنفسنا عناء مراجعة المفردات أو قراءة تفسير مأثور قراءة منتظمة فاحصة بتوجيه سليم، ونحاول أن (نجتهد) في استخراج المعاني دون أن تكون بين أيدينا أدوات الفهم الصحيح، وكثيرا ما نكتفي بآيات مختارة من القرآن لعلها تمثل ناحية أو أكثر  من نواحي الإسلام دون تصوير شامل لما يجب على المسلم أن يفهمه ويؤمن به ويعمل له.

نحن محتاجون ـ خصوصا شبابنا المتعلم ـ إلى أن نرتب لأنفسنا دراسة منظمة طويلة الأمد، واضحة الهدف، تخرج جيلا من الذين يفهمون دينهم فهما صحيحا. وفرق كبير بين أن نجعل محور دراستنا اختيار الآيات ( المؤثرة!!) والتفسيرات (الفنية!!) نزين بها الخطب، وننعش بها الحفلات! وبين الدراسة الممتعة التي تحتاج إلى عناء وسهر وتكامل، لا تستهدف إلا استنقاذ النفس من الجهل وغضب الله دون اهتمام بما يرضي (الجمهور). ولعل هذا هو الفرق الدقيق بين تملق الجموع والعمل الخالص لوجه الله تعالى.

ب ـ ونحن كثيرا ما نهتف في مجامعنا : القرآن كتابنا ودستورنا.. وأود أن يفزع كل منكم إلى نفسه حيث لا تطلع عليه إلا عين الله ويحاول أن يسألها ماذا أحفظ من كتاب الله؟ ماذا أفهم مما أحفظ؟ هل راجعت فهمي على كتب التفسير المأثور والسنة المعتمدة، أو جمعته من هنا وهناك؟ هل عملت بما حققت؟ كم من الشهور والأعوام دون أن أحفظ جديدا، أو أفهم جديدا، أو أطبق عىل  حياتي جديدا؟

هل أعظم جهدي موجه نحو جمع ما يرضي الناس، أم للعبادة في حياتي نصيب كريم؟ هل حاولت استكمال نواحي النقص الفكرية والعملية في حياتي أم قعدت بي همتي؟

ولا شك أن الكثيرين منا سيحسون الهوان.. وكلنا مقصرون ولا شك ولا يستثنى من التقصير أحد.. ذلك لأني أود ألا نقيس أنفسنا بمن نعيش بينهم، وإنما التأسي بالنبي(ص) وأصحابه، ومنهاجنا نأخذه من الأجيال المؤمنة التي جاهدت من أجل الإسلام فنشرته في العالم دينا ولغة وحضارة ودولة، ندافع عنه بالفكرة والسيف، ونغذيه بمداد العلماء ودم الشهداء.

3- طريق الحق :

ولا شك في صعوبة هذه الطريق ولكن علينا أن نعمل ونصبر.. ولقد تعلم آباؤنا كيف يثبت الواحد منهم على الحق ولو خالف الناس جميعا.

أـ قال عمرو بن ميمون الأودي :

صحبت معاذا في اليمن، فما فارقته حتى وارته في التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فسمعته يقول : عليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة. ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول : سيدي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها فهي الفريضة، وصلوا معهم فإنها لكم نافلة.

قال : قلت : يا أصحاب محمد، ما أدري ما تحدثونا؟ قال :وما ذاك؟

قلت : تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول صل الصلاة وحدك، وهي الفريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة؟ قال : يا عمرو بن ميمون، قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، تدري ما الجماعة؟

قلت : لا. قال : الجماعة ما وافق الحق، وإن كنت وحدك(7).

وفي طريق أخرى: إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل(8).

ب ـ وعن الحسن البصري :

السنة ـ والذي لا إلا هوـ بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله. فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على  سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله تكونوا(9).

ج ـ  والنبي(ص) يرغبنا في اتباع السنة ويحذرنا الأهواء والزيغ، في حديث رائع التصوير :

عن معاوية رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله(ص) فقال : “ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على  ثلاث وسبعين : اثنتان  وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما تتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله”(الكلب داء يصيب  الإنسان إذا عضه كلب مصاب بهذا الداء)(10)

ومن السهل أن تتجارى الأهواء بصاحبها إذا لم تكن عنده حصانة من الفهم السليم لدينه، وكيف طبقه أصحاب النبي(ص) على أنفسهم واتبعهم في ذلك سلفنا الصالحون.

عن كتاب الفتور في حياة الدعاة

………………………………….

1-  جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر : 2/200

2-  جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر : 19 عن يزيد بن أبي حبيب

3-  سورة العنكبوت : الآية 69

4-   باختصار من الإتقان في علوم القرآن للسيوطي : 2/176 (آداب المفسر)

5-  جامع بيان العلم وفضله : 2/135

6-  الترغيب والترهيب : 1/43 (رواه أبو داود)

7-  8-9- إغاثة اللهفان لابن القيم : 1/70

10ـ الترغيب والترهيب : 1/48 (رواهن أبو داود).

 

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>